تقارير وحوارات
من باريس إلى طهران: دعوة لتغيير النظام الإيراني
من باريس إلى طهران: دعوة لتغيير النظام الإيراني
من باريس إلى طهران: دعوة لتغيير النظام الإيراني
بقلم ضياء قدور
كاتب وباحث في الشأن الإيراني
في قلب باريس، عاصمة الأنوار، انعقد يوم السبت 31 أيار (مايو) 2025 مؤتمر "إيران الحرة 2025"، ليُشكّل منصة دولية تُسلّط الضوء على أزمة النظام الإيراني وتداعياته الخطيرة على المنطقة. بحضور نواب وسياسيين من ألمانيا، إيطاليا، النرويج، ودول أوروبية أخرى، إلى جانب آلاف الأعضاء من المقاومة الإيرانية عبر الإنترنت، أكّد المؤتمر دعمًا ساحقًا للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كبديل ديمقراطي لنظام الملالي. كسوري عايش تداعيات التدخلات الإيرانية المدمّرة في بلادي، أرى في هذا الحدث بارقة أمل ليس فقط للشعب الإيراني، بل للمنطقة بأكملها.
المتحدّثة الرئيسية، مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس، قدّمت رؤية واضحة: "الحل الوحيد للطموحات النووية للنظام، والإرهاب المدعوم من الدولة، والحروب المستمرة هو تغيير النظام بيد الشعب الإيراني والمقاومة." هذه الكلمات ليست مجرد شعار، بل تعكس واقعًا ملموسًا. فمن سوريا إلى اليمن، دفعنا ثمنًا باهظًا لتدخلات طهران التي أشعلت الصراعات ودعمت الميليشيات، مستغلّة ضعف السياسات الدولية الاسترضائية.
رجوي أبرزت هشاشة النظام، مشيرة إلى انهيار معقله في سوريا بعد 40 عامًا من الهيمنة، بالرغم من نشر 100 ألف مقاتل، وتدمير وكيله الاستراتيجي بالرغم من ترسانته الصاروخية. داخليًا، يواجه النظام "تسونامي" من الأزمات: اقتصاد منهار، تضخّم ينهش جيوب المواطنين، ومقاطعة شعبية لانتخاباته بنسبة تزيد على 90 بالمئة. هذا الواقع يذكّرني بسوريا قبل 2011، حيث كان النظام يبدو قويًا ظاهريًا، لكنه كان يتهاوى من الداخل تحت وطأة الفساد والقمع.
الاقتصاد الإيراني، كما وصفته رجوي، يعاني كارثة حقيقية. بالرغم من عائدات النفط الضخمة، تُهدر الأموال على المشاريع النووية والحروب الإقليمية، تاركة الشعب في فقر مدقع. مؤسسات مالية كبرى على شفا الإفلاس، والتضخّم يجعل الريال الإيراني من أضعف العملات عالميًا. النقص الحاد في الكهرباء والغاز، بالرغم من احتياطيات إيران الهائلة، أغرق البلاد في الفوضى، مع توقّف المدارس والمصانع. هذا الإهدار يعكس أولويات نظام يضحّي بشعبه لتحقيق أطماعه.
من منظور سوري، أرى أن دعم المؤتمر لخطة رجوي المكوّنة من 10 نقاط – التي تدعو إلى جمهورية ديمقراطية علمانية خالية من الأسلحة النووية – يمثّل أملًا للمنطقة. ففي سوريا، عانينا من تدخلات الحرس الثوري الإيراني الذي دعم نظام الأسد، مما طال أمد الصراع وفاقم المعاناة. تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، كما طالب المؤتمر، خطوة ضرورية للحد من هذا التدمير.
المؤتمر أكّد أن النظام يقف عند مفترق طرق نووي: إما التخلي عن التخصيب، مما يعني انهيار هيبته، أو الاستمرار في السعي لامتلاك قنبلة نووية، مما يعرّضه لمواجهة دولية. رجوي شدّدت على أن الحل يكمن في الشعب الإيراني، الذي ينتفض يوميًا عبر إضرابات عمّال النفط، والمزارعين، وسائقي الشاحنات. إضراب سائقي الشاحنات في 152 مدينة يعكس غضبًا شعبيًا لا يمكن كبته، وهو ما يذكّرني بانتفاضات السوريين ضد القمع.
النواب الأوروبيون، مثل كارستن مولر من ألمانيا ونايك غروبيوني من إيطاليا، دعوا إلى سياسة حازمة تشمل تفعيل آلية العودة السريعة لعقوبات الأمم المتحدة وتفكيك البرنامج النووي الإيراني. هذا الموقف يعكس تحوّلًا في الرؤية الأوروبية، بعيدًا عن الاسترضاء، نحو دعم الشعب الإيراني.
كسوري، أرى أن حرية إيران، كما أكدت رجوي، هي مفتاح السلام الإقليمي. نظام الملالي، الذي أشعل الحروب في سوريا واليمن، يهدّد الاستقرار العالمي. دعم المقاومة الإيرانية ليس فقط عدالة للشعب الإيراني، بل ضرورة لنا جميعًا في المنطقة. المؤتمر في باريس ليس مجرد حدث، بل صرخة للتغيير، تحمل أملًا بمستقبل خالٍ من الإرهاب والحروب.