اخبار الإقليم والعالم

جمود المؤسسات الدينية وقود لفتنة خاملة في مصر

وكالة أنباء حضرموت

أثار الشحن الطائفي الذي صاحب واقعة الاعتداء الجنسي على طفل بإحدى المدارس المصرية، تساؤلات عدة حول مدى وجود فتنة خاملة في نفوس المواطنين بعد تراجع مظاهر العنف الطائفي في مصر السنوات الماضية، ونجاح مؤسسات دينية مختلفة في تعزيز روابطها وأنشطتها، بما أوحى أن المجتمع تجاوز تعصّبا بلغ ذروته عند تصدر جماعات الإسلام السياسي صدارة المشهد المصري منذ نحو 14 عاما.

ولم يصدر عن مؤسسة الأزهر أو الكنيسة الأرثوذكسية أو وزارة الأوقاف أي تعليق على خطابات الفتنة التي تصاعدت على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، وبدا هناك قصد لعدم توجيه رسائل رسمية يمكن تأويلها بشكل سلبي، وجرى الاعتماد على مؤسسات مدنية، ممثلة في القضاء، والذي أصدر حكما بإدانة المتهم بارتكاب جريمة الاعتداء على الطفل بالسجن المؤبد.

وأصدرت محكمة الجنايات، الأربعاء، حكما بالأشغال الشاقة المؤبدة، في أولى جلسات محاكمة المتهم بالاعتداء الجنسي (80 عاما) على طفل يبلغ ست سنوات في إحدى المدارس الخاصة بمحافظة البحيرة (شمال القاهرة)، وشهدت المحكمة تجمهرا كبيرا من مواطنين في جريمة كادت تأخذ منحى طائفيا، بذريعة أن المعتدي مسيحي الديانة، والطفل المعتدى عليه مسلم الديانة.

وأعاد التجمهر غير المعتاد أمام المحكمة إلى الأذهان وقائع سابقة ظهرت قبل ما يقرب من ثلاثة عقود بشأن قضايا مماثلة أبرزها ما يسمى بقضية “الكشح” بمحافظة سوهاج (جنوب مصر) وتضخمت بعد خلاف بين تاجر قبطي وأحد الزبائن المسلمين ووصلت حد وقوع اشتباكات موسعة، أدت إلى مصرع 20 شخصا وإصابة 33 آخرين.

وتحركت الحكومة المصرية في السنوات الماضية لسد منافذ الفتنة، وحلّت الكثير من مشكلات الأقباط التي كانت دائما مدخلا لإثارة بعض المشكلات، وفي مقدمتها تراخيص بناء الكنائس وإعداد قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين ولم يعد هناك توتر يذكر بين الكنيسة والحكومة أو المؤسسات الدينية الأخرى إلى جانب التحرك أمنيا ومجتمعيا على نحو سريع لوأد أي فتنة بخاصة مع وجود لجان عرفية مشتركة تشكلها “بيت العائلة”، وهي تضم رجال دين ومجتمع إسلامي ومسيحي ويتناوب على رئاستها شيخ الأزهر وبابا الكنيسة.

وبقي الخطاب الديني الموجه لا يراعي ما حدث من تطورات على المستوى المدني، وإذ كانت مؤسسات مثل الأزهر والأوقاف تحافظ على خطاب وسطي جيّد، فإن قصور مجابهة الأفكار المتطرفة من الجانبين يقود إلى أن تستمر حالة الشحن كامنة تنتظر الفرصة السانحة لخروجها، ولعل وجود أكثر من 60 ألف مسجد دون خطيب يمثل وزارة الأوقاف أفضل تعبير عن تلك الأزمة.

كما أن ضعف مجابهة الخطابات المتطرفة التي تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي وما زالت تلقى قبولا واسعا في المناطق البعيدة عن العاصمة القاهرة، يشكل قصورا فكريا وتنفيذيا بفعل جمود المؤسسات الدينية الرسمية التي بحاجة إلى تغيير أدواتها، والتوجه لعقول أجيال لا تقتنع بمدنية الدولة وتتأثر بخطابات تشيطن الآخر.

وتتحمل الكنسية أيضا المسؤولية، لأن خطابها لم يشهد تحديثا يمكن أن ينعكس إيجابا على مواقف وسلوكيات الأقباط، وأن ردة الفعل على اتهام شخص قبطي في واقعة اغتصاب كان معبرا عن عدم القدرة على الفصل بين الجاني وديانته، في حين أن عشرات الوقائع المماثلة لم يكن فيها هذا القدر من التشكيك في أي إجراءات يتم اتخاذها قضائيا أو إجرائيا من قبل جهات إدارية ما يشي بأن خطاب مظلومية الأقليات سائد.

ويصعب إغفال مسؤولية الحكومة، فمفوضية مكافحة كافة أشكال التمييز التي نص عليها دستور العام 2014 وأعاد التأكيد عليها الحوار الوطني في جلساته التي عقدت خلال العامين الماضيين لم يتم إصدارها بعد، ما يوحي بوجود من يعرقل خروجها إلى النور، بفعل رؤى يغلب عليها الطابع الديني، ورغبة دوائر حكومية ألا تكون مدخلا لنقاشات محتدمة لا تسعى للتطرق إليها في ظل مشكلات اقتصادية واجتماعية داخلية، وكان يمكن تسهيل مهمة خروج تلك المفوضية إلى النور، حال وجود ضغط من جانب المؤسسات الدينية، بما يدعم خطاباتها والترسيخ لفكرة المواطنة الكاملة.

وقال المفكر السياسي كمال زاخر إن المؤسسات الدينية لديها خط سير يتماشى مع السياسة العامة للدولة، وهو أمر مستقر في مصر منذ خمسينات القرن الماضي، ويصعب تحميلها مسؤولية التصعيد الأخير، وأن المشكلة الأكبر تكمن في الجماعات المتطرفة التي أقصتها ثورة 30 يونيو 2013، وابتعدت عن المركز ولجأت إلى الأطراف كي تحتمي بها وتستمر في بث سمومها، وأن التقصير يكون أكبر للمنظومة السياسية التي لم تنتبه لنشاطاتها خلال السنوات الماضية.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن المؤسسات الدينية يمكن أن تلعب أدوارها على مستوى تطوير خطابها الديني، لكن ذلك يصعب حدوثه في غياب مناخ عام يسمح بذلك، وأن ضحالة الحالة السياسية ومشكلات الحريات العامة تنعكس على مساحات حركة المؤسسات الدينية، وتخلق أجواء تدعم التطرف، وكان يمكن الاحتواء السياسي من قبل الأحزاب التي لديها تمثيل برلماني واسع والمؤسسات الدينية دون السماح للمشكلة بأن تتطور، وتصل إلى هذا الحد، غير أن الضعف العام أصاب الجميع.

وأوضح كمال زاخر أن تصاعد الخطاب الطائفي جاء في وقت تتجه فيه الحكومة إلى عودة الكتاتيب وتحويل المساجد إلى مؤسسات تعليمية، وقد يكون ذلك بوابة جديدة لفتن أخرى حال جرت السيطرة على عقول الأطفال من جانب أشخاص لديهم أفكار متطرفة، وهو اتجاه يوحي بـ”تديين” الدولة، بينما مصر تواجه استهدافا داخليا وخارجيا لضرب تماسكها مع قدرتها على مجابهة محاولات التفكيك والتقسيم.

وحمّل سياسيون جهات عديدة مسؤولية تصاعد الخطاب الطائفي بما فيها الأزهر والكنيسة والحكومة والجهات الأمنية والقضائية التي تراخت في التعامل مع المشكلة إلى أن تفاقمت، فيما تعالت المطالبات بتدخل عاجل وحازم لملاحقة كل من يروج للخطاب الطائفي أو يُحرض على الكراهية والفُرقة بين أبناء الوطن، عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي أو في أي منابر أخرى.

وقال الخبير في الحركات الإسلامية منير أديب إن علاقة المدرسة التي وقع بها الاعتداء على الطفل إلى الكنسية ساهم في تأزيم المشكلة، وأن مدنية الدولة تقتضي عدم وجود ارتباط بين دور العبادة والمؤسسات التعليمية، وهو ما قاد لأن يتم تأويل الجريمة على أساس طائفي، مع وجود شحن طائفي كامن في نفوس الطرفين واستمرار التعامل وفقا لخانة الديانة، ووجود توافق بين الكنيسة والمسجد لن يمنع وجود هذا الشحن.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن التأثر بالخطابات السلفية حاضر في المجتمع المصري وظهر في الأزمة الأخيرة، والحل الأسلم أن يصبح الجميع سواسية أمام القانون وإقرار المواطنة، ومواجهة خطاب الفتنة بنفس الحزم القضائي مع الجريمة الأخيرة.

أوبك+ تقطع الطريق أمام التلاعب بحصص إنتاج النفط


حماس تطارد أفراد عصابات وتعدمهم مع احتدام أزمة الغذاء في غزة


الشركات العسكرية الخاصة في أفريقيا تغذي العنف بدل تطويقه


إجراءات أمنية غير مسبوقة ترافق انطلاق انتخابات جبل لبنان البلدية