اخبار الإقليم والعالم
الشركات العسكرية الخاصة في أفريقيا تغذي العنف بدل تطويقه
شهدت القارة الأفريقية مؤخرا تزايدا ملحوظا في استخدام الشركات العسكرية الخاصة كأداة رئيسية في النزاعات المسلحة.
وعلى الرغم من أن هذه الشركات تروج لنفسها كمؤسسات يمكن أن تساهم في استقرار الأمن الوطني، إلا أن الواقع يكشف عكس ذلك، إذ إن وجود هذه الشركات غالبا ما يُغذي العنف ويزيد من تعقيد الصراعات بدلا من إيقافها أو الحد منها.
ويقول الباحث ريشاب راثي في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي إن هذا التحول في المشهد العسكري الأفريقي يعكس استدارة مقلقة نحو تعميق النزاعات بدلا من تسويتها.
ومن بين أبرز اللاعبين في هذا المجال مجموعة فاغنر الروسية التي تعتبر مثالا بارزا على هذا التحول، حيث انتشرت في العديد من الدول الأفريقية مثل جمهورية أفريقيا الوسطى، ليبيا، ومالي.
ولا تعمل هذه المجموعة وغيرها من الشركات العسكرية الخاصة فقط كقوة عسكرية تتولى المهام القتالية، بل تعمل أيضا على تأمين وصولها إلى الموارد الطبيعية الغنية مثل الذهب والماس مقابل خدماتها العسكرية.
تدخلات الشركات الخاصة الأجنبية تحركها المصالح الجيوسياسية أكثر من الحفاظ على الأمن أو السعي لتحقيق السلام
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، على سبيل المثال، دعمت فاغنر الحكومة في التصدي للميليشيات المسلحة، ولكن في الوقت نفسه، كان لها دور كبير في استغلال موارد البلاد، ما يعكس تكتيكا يتمحور حول تقوية مصالحها التجارية على حساب استقرار الدولة.
ولا تقتصر مهمة الشركات العسكرية الخاصة على توفير الأمن أو التدريب، بل غالبا ما تساهم في تصعيد العنف بدلا من تطويقه.
وعلى الرغم من أن بعض هذه الشركات قد تنجح في صد الميليشيات أو القوات المسلحة المتمردة، إلا أن سلوكها على الأرض يعكس انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، وثقت المنظمات الدولية أعمالا فظيعة ارتكبتها عناصر من فاغنر، شملت الإعدام الجماعي والتعذيب والاغتصاب.
ويعمق هذا النوع من العنف، الذي تروج له هذه الشركات تحت غطاء الدعم العسكري، الانقسامات الداخلية ويزيد من معاناة المدنيين بدلا من تحقيق السلام.
ولا تقتصر التأثيرات السلبية على فاغنر فقط، بل تمتد أيضا إلى شركات عسكرية خاصة أخرى مثل “إكزكيوتيف آوتكومز” و”دايك الاستشارية” التي استخدمتها حكومات مثل موزمبيق لمكافحة التمرد الإسلامي في شمال البلاد.
وعلى الرغم من أن هذه الشركات قُوبلت بشعبية نظرا لقدرتها على نشر قواتها بسرعة وحل القضايا الأمنية بشكل مباشر، إلا أن تقارير عديدة تشير إلى تصرفات عنيفة وغير مبررة ضد المدنيين.
وفي عام 2020، على سبيل المثال، أطلق عملاء من “دايك الاستشارية” النار على حشود من المدنيين في مدينة موكيمبوا دي برايا، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا.
وقد تقدم هذه الشركات إستراتيجيات عسكرية قد تكون فعالة في بعض الأحيان، ولكن الثمن المدفوع على الأرض يكون باهظا.
وتساهم هذه الشركات في استمرار حالة الفوضى في الدول التي تستعين بها، حيث تصبح القوى المحلية في وضع ضعف شديد أمام تدخلات الشركات الأجنبية التي تحركها المصالح التجارية والجيوسياسية أكثر من الحفاظ على الأمن أو السعي لتحقيق السلام.
ومع غياب التنظيم الدولي الفعال، تصبح محاسبة هذه الشركات العسكرية الخاصة أمرا شبه مستحيل، مما يسمح لها بالعمل في بيئات غير مستقرة دون الحاجة إلى تحمل أي مسؤولية عن الأعمال التي ترتكبها قواتها.
ويفتح هذا الباب أمام المزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم الحرب في ظل غياب رقابة قانونية واضحة.
مع غياب التنظيم الدولي الفعال تصبح محاسبة الشركات العسكرية الخاصة أمرا شبه مستحيل ما يسمح لها بالعمل في بيئات غير مستقرة دون الحاجة إلى تحمل أي مسؤولية
وتجعل هذه الفجوة القانونية من الصعب إيقاف هذا النوع من التوسع المقلق لهذه الشركات في الصراعات الأفريقية.
وبالإضافة إلى ذلك، تتعرض الحكومات الأفريقية لضغوط اقتصادية وسياسية بسبب اعتمادها المتزايد على هذه الشركات العسكرية الخاصة.
وفي العديد من الحالات، تقدم هذه الشركات دعما عسكريا مقابل امتيازات اقتصادية تتعلق بالموارد الطبيعية، وهو ما يزيد من هشاشة السيادة الوطنية.
وفي بعض الحالات، مثل تلك التي شهدتها جمهورية أفريقيا الوسطى، تصبح الحكومة معتمدة بشكل مفرط على الشركات العسكرية الخاصة لحماية مصالحها السياسية والاقتصادية، مما يعزز من استمرار الأزمات الاقتصادية والأمنية في تلك الدول.
وفي المحصلة، رغم أن هذه الشركات العسكرية الخاصة قد تقدم بعض الحلول الأمنية السريعة، إلا أن وجودها يعد بمثابة وقود للنار، حيث تغذي العنف وتطيل أمد الصراعات في القارة بدلا من حلها.
ويشير هذا التحول المزعج إلى أن مصالح الشركات العسكرية الخاصة تفوق مصلحة الشعوب الأفريقية في السلام والاستقرار.
ولذا، يظل من الضروري أن تكون هناك تدابير تنظيمية أكثر صرامة على المستوى الدولي لضمان أن تساهم هذه الشركات في الاستقرار الأمني بدلا من تعميق الأزمات وتهيئة بيئة جديدة من الفوضى والعنف.