اخبار الإقليم والعالم

مرحلة ما بعد إمام أوغلو تمهد لتحولات في توازنات المعارضة التركية

وكالة أنباء حضرموت

في التاسع عشر من شهر مارس الماضي، تم احتجاز عمدة إسطنبول في تركيا أكرم إمام أوغلو بتهم الفساد وإساءة استغلال منصب عام. وبعد مرور يومين، تم القبض عليه.

وهذه التواريخ مهمة لأنه في يوم 23 من نفس الشهر، كان من المقرر أن يختار حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي مرشحه الرئاسي في انتخابات تمهيدية للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2028. وكان إمام أوغلو هو المرشح الوحيد.

وقال غالب دالاي، وهو زميل استشاري بارز، بمبادرة تركيا، في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس (المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية) إن هذا المشهد دفع قطاعا عريضا من المواطنين إلى اعتبار إلقاء القبض على إمام أوغلو أمرا مدفوعا برغبة في إزاحة منافس رئاسي قوي أكثر من مواجهة الفساد.

ومنذ القبض على أوغلو، شهدت تركيا احتجاجات في عموم البلاد، تنحسر الآن تدريجيا. وعززت هذه الأحداث المعارضة معنويا وسياسيا ويتمتع حزب الشعب الجمهوري الآن بزخم.

ونظرا لأنه ما زالت هناك ثلاث سنوات حتى إجراء الانتخابات، فإن الحفاظ على هذا الزخم سوف يكون معركة شاقة.

وتحتاج المعارضة الكثير للعمل على الكيفية التي تستطيع بها بفاعلية تحويل الطاقة التي فجرتها عملية القبض إلى عمليات سياسية بينما تخوض هذه المرحلة الجديدة من السياسات التركية.

وأضاف دالاي أنه توجد ثلاث قضايا في غاية الأهمية هنا: هي كيفية علاج مسألة المرشح الرئاسي، وكيفية ضمان إمكانية أن يلقى حزب الشعب الجمهوري ومرشحه قبولا خارج قاعدتهما الاجتماعية التقليدية، وكيفية تجنب سياسات الهوية والتركيز على قضايا الحوكمة والسياسة.

ولفترة طويلة، عانت المعارضة التركية من عدم تمتعها بوجود مرشح مؤهل لكي يتحدى انتخابيا الرئيس رجب طيب اردوغان.

وافتقر الزعيمان السابقان لحزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال وكمال كليجدار أوغلو، إلى الشعبية الجماهيرية والجاذبية الشخصية، رغم أن المعارضة حصلت على قرابة 48 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية عام 2023. غير أن الموقف تغير بعد انتصارات المعارضة في الانتخابات المحلية في عام 2019 و2024.

وبزغ عمدة إسطنبول وأنقرة أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش على التوالي كشخصيات سياسية شعبية تحظى بالقبول في جميع انحاء البلاد.

وينطبق نفس الشيء على الرئيس الحالي لحزب الشعب الجمهوري اوزجور أوزيل، خصوصا منذ القبض على إمام أوغلو.

ومع إلقاء القبض على إمام أوغلو وإلغاء شهادته الجامعية، وهذا شرط لأن يكون أي شخص رئيسا في تركيا، فإنه ربما يتم منع إمام أوغلو من خوض الانتخابات. وفي هذه الحالة، سوف يتم إعادة طرح مسألة من سوف يكون مرشح حزب الشعب الجمهوري.

وفي هذه المرحلة، يعد زعيم حزب الشعب الجمهوري اوزيل البديل الأكثر ترجيحا. ويعد أداؤه السياسي قويا منذ القبض على إمام أوغلو. وإضافة إلى ذلك، عزز سلطته في المؤتمر الطارئ للحزب في السادس من الشهر الماضي.

ويعني هذا أنه إذا أصبح إمام أوغلو زعيما للقاعدة الشعبية للحزب، يبزغ أوزيل كزعيمها السياسي، وقد يصبح يافاش، مرشحا ولكن فرصه ضئيلة. وعلى ضوء شعبيته في استطلاعات الرأي، قد تكون لتصرفاته تأثير كبير على فرص المعارضة في الانتخابات.

ولكي ينجح في الانتخابات، يحتاج حزب الشعب ومرشحه الرئاسي إلى أن يحظى بقبول شعبي خارج كتلته التصويتية التقليدية. ولفترة طويلة، ظلت حصة حزب الشعب الجمهوري تتراوح ما بين 20و 25 في المئة. وسعى لجذب أصوات من مجموعات اجتماعية مثل الأكراد والمحافظين.

وبالنسبة للحكومة، فإن هذا يعني وجود معارضة محدودة غير قادرة على أن تمثل تحديا لقوتها بشكل كبير. غير أن هذا الوضع قد تغير في السنوات الأخيرة.

يمكن أن يجذب يافاش القوميين وبعض المحافظين بينما يمكن أن يلقى إمام أوغلو قبولا لدى الأكراد وقطاعات معينة من المحافظين الحضريين

وقاد الرئيس السابق لحزب الشعب كليجدار أوغلو جهودا لتوسيع نطاق القاعدة الاجتماعية للحزب حيث ركز على التواصل مع الأكراد والمحافظين.

وجسد إمام أوغلو ويافاش، اللذان لم ينحدرا من الخلفيات التقليدية لحزب الشعب، هذه السياسة.

ويمكن أن يجذب يافاش القوميين وبعض المحافظين بينما يمكن أن يلقى إمام أوغلو قبولا لدى الأكراد وقطاعات معينة من المحافظين الحضريين.

ومع وجود إمام أوغلو في السجن، فإن السؤال هو ما إذا كان بمقدور المعارضة أن تستمر في عملية التواصل بشكل فعال.

ومن المحتمل أن تكون حالة الاختبار الفورية نهج حزب الشعب الجمهوري تجاه عملية السلام الكردية الجارية. وكل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد جزء من كتلة المعارضة في تركيا.

وتعاون الحزبان في أماكن كثيرة، بما في ذلك إسطنبول خلال الانتخابات

المحلية في عامي 2019و2024. ودعم حزب الشعوب الديمقراطي كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية في عام 2023.

وتوقع حزب الشعب الجمهوري التضامن من حزب الشعوب الديمقراطي في مواجهة القبض على إمام أوغلو.

وفي المقابل، يتوقع حزب الشعوب الديمقراطي دعما لعملية السلام الكردية خلال حل حزب العمال الكردستاني، الذي شن تمردا مسلحا في تركيا منذ عام 1984.

اللافت أن شعبية إمام أوغلو لم تتراجع، بل على العكس، تعززت بعد الاعتقال، في ظل تعاطف واسع أظهرته قطاعات مختلفة من الشعب التركي

وسوف يكون دعم حزب الشعب الجمهوري جوهريا في تأمين التعديلات البرلمانية والقانونية الضرورية لتحريك العملية إلى الأمام.

وإذا لم يحقق أي من الجانبين توقعات الآخر، فإن من المحتمل أن يدق ذلك إسفينا بينهما. ولكن يجب أن يكون في مصلحة كتلة المعارضة برمتها دعم عملية السلام الكردية، حيث أن نجاحها سوف يؤدي للتخلص من أحد الأسس الهيكلية للنكوص الديمقراطي في تركيا.

وتسهل القضية الكردية ومظهرها المسلح مهمة أي حكومة ترغب في إضفاء الطابع الأمني على السياسات التركية وتدوس على الحقوق والحريات.

وتابع دالاي أن التحدي الأخير للمعارضة سيكون التركيز على قضايا الحوكمة والسياسة وتجنب سياسات الهوية. وخلال حقبة بايكال قبل عام 2010، كان لدى حزب الشعب الجمهوري رغبة قوية للدخول في حروب ثقافية إلى جانب انقسامات بين الهوية العلمانية والهوية المحافظة.

وفي ظل التركيبة السكانية للبلاد، ومع تبعية الأغلبية للمعسكر المحافظ ويمين الوسط، فإن الفائز في هذا السباق كان أمرا محسوما، وتشهد على ذلك انتصارات اردوغان في الانتخابات منذ عام 2002 وامتنع كليجدار أوغلو بحكمة عن الانخراط في سياسات الهوية على أساس الانقسام العلماني – المحافظ.

وبعد الفوز في الانتخابات المحلية في إسطنبول وأنقرة، انتقل جوهر المنافسة إلى قضايا الحوكمة.

وجعل هذا من السهل بالنسبة للمعارضة أن تلقى قبولا لدى شريحة أوسع نطاقا من المجتمع. ولا يزال التعهد بحكومة أفضل، بدلا من سياسات الهوية، أفضل رهان للمعارضة بالنسبة للمستقبل.

وفي سياق يشي بسيطرة سياسية محكمة على مفاصل الدولة، برزت خلال السنوات الماضية أنماط من استخدام أدوات القانون كوسيلة للصراع السياسي.

اعتقال إمام أوغلو سوف يكون تأثير على تشكيل سياسات المعارضة للسنوات المقبلة

ولم يكن إمام أوغلو أول من يُتهم بتهم ذات طابع إداري أو يُستهدف عبر التشكيك في شهاداته أو مشروعية موقعه؛ فقد سبقه إلى ذلك العديد من رؤساء البلديات الأكراد الذين أُقيلوا من مناصبهم أو سُجنوا، كما حصل مع الزعيم الكردي صلاح الدين دميرطاش، الذي بقي خلف القضبان رغم ترشحه للرئاسة.

ورسخ هذا النمط قناعة لدى شرائح واسعة من المجتمع التركي والمعارضة بأن القضاء لم يعد مستقلاً بالمعنى الكامل، وأنه بات جزءاً من آليات إدارة التوازنات السياسية، خصوصًا حين يتعلق الأمر بأسماء يمكن أن تهدد استقرار النخبة الحاكمة.

ويتقاطع هذا التصعيد مع واقع اقتصادي متأزم تعيشه تركيا، حيث تُثقل أزمة الليرة والتضخم والبطالة كاهل المواطنين، وتضع الحكومة تحت ضغط شعبي داخلي متزايد.

وفي مثل هذا المناخ، تصبح قضية مثل اعتقال إمام أوغلو اختبارًا للرأي العام: فإما أن تُستثمر لإظهار المعارضة كغير مؤهلة أو فاسدة، أو أن تتحول إلى منصة تعاطف شعبي تدفع المعارضين إلى قلب المشهد الانتخابي لاحقًا. وفي ظل هذا الاستقطاب، فإن الإمساك بمفاصل الإعلام الرسمي والخاص يمنح السلطة قدرة كبيرة على التحكم في السردية، وتوجيه الانتباه العام حسب ما يخدم مصالحها.

لكن اللافت أن شعبية إمام أوغلو لم تتراجع، بل على العكس، تعززت بعد الاعتقال، في ظل تعاطف واسع أظهرته قطاعات مختلفة من الشعب التركي. فخطابه السياسي الذي يتسم بالهدوء والاعتدال، والمبني على لغة جامعة وغير استقطابية، جعله قادرًا على اختراق الحواجز النفسية والاجتماعية بين فئات المجتمع، وخاصة أولئك الذين تعبوا من الخطابات الصدامية واللغة المؤدلجة.

و أعاد الرجل تقديم نموذج سياسي مختلف، يستند إلى الحوكمة المحلية الناجحة، والانفتاح على شرائح واسعة من الشعب، بمن فيهم الأكراد والمحافظون المعتدلون، وهو ما جعل منه تهديدًا استباقيًا لخصومه، أكثر مما هو مجرد خصم انتخابي محتمل.

واختتم دالاي تقريره بالقول إنه بإيجاز شديد، كسبت المعارضة زخما سياسيا ودعما معنويا مهما. ومع ذلك، فإن التداعيات السياسية والانتخابية للقبض على إمام أوغلو سوف تعتمد على الكيفية التي تعالج بها المعارضة هذه القضايا الثلاثة الرئيسية في السنوات المقبلة.

وبصرف النظر عن ذلك، سوف يكون للقبض على إمام أوغلو تأثير على تشكيل سياسات المعارضة للسنوات المقبلة.

أوبك+ تقطع الطريق أمام التلاعب بحصص إنتاج النفط


حماس تطارد أفراد عصابات وتعدمهم مع احتدام أزمة الغذاء في غزة


الشركات العسكرية الخاصة في أفريقيا تغذي العنف بدل تطويقه


إجراءات أمنية غير مسبوقة ترافق انطلاق انتخابات جبل لبنان البلدية