اخبار الإقليم والعالم

غياب أحزاب قوية وبرلمان فعّال يضعف الحملة ضد الفساد في مصر

وكالة أنباء حضرموت

 أكدت واقعة ضبط مسؤولين كبار بوزارة التموين المصرية في شبكة فساد أن الحكومة تواجه صعوبات في تحقيق نتائج إيجابية في الحرب على الفساد أمام استمرار غياب المظاهر الطبيعية للحياة السياسية، من أحزاب قوية وبرلمان فعّال لديه أدوات رقابية تُمكنه من المحاسبة المستمرة للمسؤولين.

وللمرة الثانية خلال فترة قصيرة أعلنت هيئة الرقابة الإدارية، وهي أعلى جهاز رقابي في مصر، ضبط واقعة فساد كبرى داخل منظومة السلع التموينية، متورط فيها 24 مسؤولا قاموا بتسهيل الاستيلاء على المال العام وخصصوا كميات كبيرة من السلع التموينية المدعمة لبيعها خارج المنظومة الرسمية (السوق السوداء).

وخضع المسؤولون للمحاكمة، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن والغرامة المالية، مع استمرار جهود هيئة الرقابة الإدارية في التصدي لكل أشكال الفساد، وعدم تهاونها مع التلاعب وتحقيق مكاسب شخصية على حساب المواطنين.

وضبطت الرقابة الإدارية شبكة فساد منذ أسابيع تتكون من مسؤولين كبار عن ملف التموين تعمدوا حجب سلع أساسية واحتكارها ورفع أسعارها، وحصلوا على رشاوى لغض الطرف عن المحتكرين والسماح لهم بالتلاعب في أسعار سلع من المفترض أن تُصرف من الدولة لفئات من محدودي الدخل، وآخرين سهلوا سرقة الدعم.

وتمكنت الأجهزة الرقابية من ضبط خمس وقائع فساد في نوفمبر الماضي تتراوح بين محاولات للاستيلاء على أراضي الدولة بمستندات مزيفة، وأخرى لتلقي مسؤولين رشاوى مالية نظير تقديم خدمات معينة، ومنح تراخيص بالمخالفة للقانون وتسهيل إجراءات مقابل مزايا عينية، في وزارات مختلفة.

وترى دوائر سياسية أن الحكومة وإن كانت لديها إرادة قوية للحد من الفساد الإداري ظلت جهودها محدودة أمام التراخي في إحياء الحياة السياسية، لأن عدم وجود رقابة برلمانية وحزبية وإعلامية فعالة على الأداء الحكومي يجعل مواجهة الإهمال والفساد قاصرة على جهات رقابية لا تملك عصا سحرية.

وثمة شواهد عديدة تؤكد أن السلطة لديها توجه لتكريس هيبة الدولة وإصلاح الجهاز الإداري للدولة والقضاء على شبكات الفساد المتشعبة في قطاعات مختلفة، لكن تظل المعضلة في أن كل تحرك رقابي لمواجهة تشكيل جديد من المسؤولين الخارجين على القانون لا يترك بصمة في باقي القطاعات.

وفي كل مرة تقابل تحركات الجهات الرقابية لضبط مسؤولين فاسدين بترحيب من شرائح مجتمعية مختلفة، لكن دائما ما يدور التساؤل حول الأسباب الخفية التي تدفع البرلمان إلى عدم محاسبة المسؤولين على فترات متقاربة والتدخل لمساعدة الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد بالكشف والتتبع وممارسة الدور الرقابي.

ويعبر البرلمان المصري عن حالة تراجع سياسي في الرقابة كانت لها تداعيات سلبية على الأداء الحكومي والحياة السياسية بشكل عام، حيث لا ينشط في مواجهة أي جهة تخالف اللوائح والقوانين ولا يستدعي مسؤولا كبيرا لمحاسبته على التقصير والإهمال، ولا يفتح قضايا مسكوتا عنها مرتبطة بوقائع بها شبهة إهدار مال عام.

وبدا مجلس النواب في الكثير من الأحيان عاجزا عن القيام بالمحاسبة المطلوبة لأنه قليلا ما يستخدم الأدوات الرقابية في مواجهة الفساد، وسط اتهامات تطال بعضا من نوابه الذين يفتقرون للخبرات أو أنهم أعضاء في أحزاب متناغمة سياسيا مع الحكومة، وبالتالي ليست لديهم مساحة من حرية الحركة.

وهناك شعور لدى الكثير من المسؤولين بعدم وجود محاسبة دورية لهم ما تسبب في اتساع دوائر الفساد وعرقلة الخطط التي ترسمها السلطة لتقريب المسافات مع الشارع رغم وجود إنجازات، والأجهزة الرقابية لن تستطيع وحدها التعامل مع الفساد، طالما أن المحاسبة السياسية غائبة.

وأمام الخمول البرلماني والحزبي والإعلامي في ممارسة أدوار رقابية على الحكومة، أصبحت الحرب على الفساد تصطدم بتعقيدات تصعب مهمة الأجهزة الأمنية المنوط بها القيام بمكافحته، لأن شبكة العلاقات واسعة وعدد الموظفين كثير والملفات متشعبة.

ويوجد مسؤولون وموظفون داخل الجهاز الحكومي لديهم قناعة بعدم نجاح أي جهة في الكشف عن مخالفاتهم، لأن البرلمان لا يتدخل في هذا الملف إلا على استحياء، ووسائل الإعلام مقيدة الحركة في الرقابة على الأداء.

وأكد المحلل السياسي المصري جمال أسعد أن هناك صعوبة في القضاء على الفساد بمنظوره الشامل، وهناك شكل واضح من الإرادة الحكومية لمحاربة شبكات العلاقات المشبوهة والتربح، وإرادة أخرى من الأجهزة الرقابية، لكن الرقابة المرتبطة بالبرلمان والأحزاب ووسائل الإعلام غائبة.

للمرة الثانية خلال فترة قصيرة أعلنت هيئة الرقابة الإدارية ضبط واقعة فساد كبرى داخل منظومة السلع التموينية، متورط فيها 24 مسؤولا قاموا بتسهيل الاستيلاء على المال العام

وأضاف أسعد في تصريح لـ”العرب” أن وجود دستور وقوانين وبرلمان وأحزاب وإعلام لا يعبر عن قوة الحياة السياسية، في ظل خمول يؤسس لخروقات وارتكاب فساد لعدم وجود محاسبة دقيقة، وهو نتاج طبيعي لمشكلة سياسية مطلوب حلها.

ولفت إلى أن جزءا كبيرا من الأزمة الاقتصادية والفساد مرتبط بالمشكلة السياسية، لأن مجلس النواب عندما لا يمارس دوره الرقابي على الهيئات والمؤسسات تحدث مشكلات، ولو شعر كل مسؤول بأن عليه رقابة وتتبعا وسوف يتعرض للمساءلة على كل كبيرة وصغيرة، لما ارتُكِبت الأخطاء.

وتوجد صلاحيات كبيرة للأجهزة الأمنية والرقابية في مصر للقضاء على مظاهر الفساد المختلفة، لكن ذلك لم يعد كافيا لتبديد غضب الناس من الإخفاقات أو ارتفاع الأسعار أو احتكار السلع والإهمال في ملفات حيوية، لأن بعض المؤسسات بدت شبه عاجزة عن تطهير نفسها من المخالفين.

ويحتاج الظرف السياسي في مصر إلى أن يشعر الناس بحزم وصرامة أجهزة الدولة للتصدي لشبكات الفساد، وتلك الرسالة لم تصل بعد إلى مجلس النواب، وبدا الأمر كأنه ألقى تلك المهمة على عاتق الأجهزة الرقابية وحدها التي تواجه تحديات جمة.

ويقود ذلك إلى أن تكون نتائج الحرب على الفساد محدودة، لأن الحياة السياسية نفسها خاملة ومهما بلغت صرامة القوانين وكثرة التشريعات وتعددت الأحزاب والمنابر الإعلامية ستظل الأيادي عاجزة عن المواجهة الشاملة، والعبرة في المساءلة السياسية قبل المحاسبة الرقابية، وإلا سيظل كل مسؤول يتعامل مع منصبه كملكية خاصة.

والمهم أن تقتنع الحكومة ودوائرها المختلفة بأن وجود محاسبات للمسؤولين ميزة تُحسب لها، وتتحرك لزيادة مساحة الحرية، لأن التدخل على فترات متباعدة من جهات رقابية يزيد الأزمة تعقيدا ويخلف تداعيات سياسية خطيرة على السلطة الحاكمة.

"ليالي القمر" حكايات شعبية بين الموسيقى والتاريخ


كيف يمكن للبنك الدولي أن يحمي نفسه من ترامب


روسيا تعتمد العملات المشفرة في تجارة النفط هربا من الحظر


حماس تقبل بمقترح الوسطاء تسليم أسير إسرائيلي و4 جثامين