اخبار الإقليم والعالم
أزمة الطاقة في سوريا أكبر من رفع العقوبات
يمثل رفع الاتحاد الأوروبي للعقوبات على قطاع الطاقة السوري جرعة دعم لبلد يعاني من نقص الكهرباء مع تقليص الإمدادات المتاحة إلى ساعة أو ساعتين فقط في اليوم، إذ أن القطاع المنكوب من بين العوامل العديدة التي تعرض الاستقرار الهش في سوريا للخطر.
ويرى محللون أنه على الرغم من أهمية القرار الأوروبي، إلا أن مشكلات قطاع الطاقة في سوريا أكبر بكثير من رفع العقوبات ويتجاوز ذلك لإشكاليات مزمنة في البنية التحتية المتهالكة، ما يستوجب استثمارات وأموال ضخمة. واستعانت الحكومة السورية الجديدة مؤخرا بشحنات من الغاز الطبيعي قادمة من قطر وتركيا ، إلا أن ذلك يظل حلا ترقيعيا ومؤقتا.
وفي خضم حاجة سوريا الماسة إلى الغاز لإنعاش الاقتصاد المتدهور وإطلاق عجلة التنمية يبرز الغاز الإسرائيلي كحل مستدام لأزمة الطاقة السورية، خاصة وأن الإمدادات الإسرائيلية تغذي شبكات الكهرباء في مصر والأٍردن المجاور.
ويقول مراقبون إن الإمدادات الإسرائيلية قد تساعد في معالجة النقص الكبير في الطاقة في سوريا إذا تم التوصل إلى الترتيبات اللازمة.
وصرح عمر شقروق، وزير الكهرباء السوري الجديد، بأن إعادة تأهيل البنية الأساسية للطاقة سوف يستغرق شهوراً، إن لم يكن سنوات. ومن الناحية النظرية، قد تكون المولدات الخاصة والألواح الشمسية بمثابة بدائل في الوقت نفسه، ولكن هذه الخيارات باهظة التكلفة أو غير مناسبة للعديد من السوريين، إن لم يكن معظمهم.
وعلى نحو مماثل، كانت شحنات الغاز المسال تصل عن طريق السفن من تركيا وأذربيجان، وعن طريق الشاحنات من الأردن، ولكن واردات “غاز الطهي” هذه ليست سوى حل مؤقت وصغير النطاق.
◙ في عام 2021 نظر صناع السياسات في الولايات المتحدة في إمكانية إرسال الغاز الإسرائيلي عبر سوريا إلى لبنان الذي كان يعاني من نقص مزمن في الطاقة
وهناك احتمال آخر يتمثل في استخدام سفن الطاقة العائمة في موانئ البحر المتوسط في بانياس وطرطوس، والتي يمكن أن تولد حوالي 400 ميغاواط من الطاقة لكل منها – وهو ما يعادل إنتاج محطة طاقة متوسطة الحجم.
ويقال إن سفينتين من هذا القبيل متاحتان، وأشارت قطر وتركيا إلى أنهما ستدفعان ثمن الوقود وتكاليف التشغيل الأخرى. ومع ذلك، فإن ربط السفن بالشبكة السورية سوف يستغرق عدة أشهر، وبالتالي فإن التدابير المؤقتة القصيرة الأجل سوف تظل ضرورية.
والأمر الأكثر أهمية هو أن هناك شكوكاً حول كمية الكهرباء التي قد تصل إلى دمشق (التي تبعد نحو مائة ميل) نظراً للأضرار التي لحقت بخطوط الكهرباء المحلية.
وحتى قبل انهيار نظام الأسد، كانت البنية التحتية للكهرباء في سوريا في حالة من الفوضى. وألحقت الحرب الأهلية التي استمرت عقدًا من الزمان أضرارًا جسيمة بمحطات الطاقة والخطوط، واضطرت الدولة المصدرة للنفط سابقًا إلى استيراد النفط، وخاصة من إيران، للبقاء على قيد الحياة.
ولم يعد النفط الإيراني يصل بعد الأسد، وتقع معظم حقول النفط المنتجة في سوريا في الأراضي الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد.
وفي 22 فبراير، صرح مسؤولون في وزارة النفط في دمشق أن الإمدادات الكردية استؤنفت. ولكن مستقبل تدفقات النفط من تلك المنطقة على المدى الطويل غير واضح نظرا للروابط الوثيقة بين حكام سوريا الجدد وتركيا، عدو قوات سوريا الديمقراطية (ناهيك عن عدم اليقين بشأن السياسة الأميركية تجاه الأكراد، شركاء واشنطن الرئيسيين في مكافحة الإرهاب على الأرض لأكثر من عقد من الزمان).
ويقول سيمون هندرسون، وهو هو زميل بيكر ومدير برنامج بيرنشتاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، إنه في خضم هذه العقبات، هناك حل آخر يلوح في الأفق. فالأردن لا يبعد سوى سبعين ميلاً عن دمشق، وهناك خطط راسخة للبنية الأساسية للكهرباء وشبكة خطوط أنابيب الغاز التي تمتد إلى العاصمة وخارجها.
وقد تم تشغيل خط الأنابيب الرئيسي من الشمال إلى الجنوب في الأصل في عام 2003 باعتباره خط أنابيب الغاز العربي، وكان من المقرر أن ينقل الإمدادات المصرية إلى الأردن، وفي نهاية المطاف إلى سوريا ولبنان وتركيا. ولكن مصر أوقفت التدفق شمالاً عبر خط أنابيب الغاز العربي قبل عقد من الزمان بسبب نقص الغاز في الداخل والتخريب الذي طال أجزاء من الطريق في شبه جزيرة سيناء.
واليوم، ينقل خط الغاز العربي الغاز الإسرائيلي جنوبًا إلى مصر، حيث يستخدم لتلبية الطلب المحلي المتزايد باستمرار.
وبعد ضخه من حقل ليفياثان البحري على بعد ثمانين ميلاً غرب حيفا، يتم نقل الغاز عبر إسرائيل إلى مدينة المفرق الأردنية الشمالية، ثم يتم إرساله جنوبًا عبر طريق ملتوٍ يغذي محطات الطاقة الأردنية قبل العبور إلى سيناء عبر العقبة.
وقال مصدر أردني في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة إن ” شبكة الكهرباء الأردنية جاهزة وفي أتم الاستعداد للربط مع سوريا،” مضيفا “لا نحتاج سوى لـ3 أشهر فقط، إذا أردنا بدء تزويد الجنوب السوري بالكهرباء، متى كانت دمشق هي الأخرى جاهزة.”
◙ الإمدادات الإسرائيلية قد تساعد في معالجة النقص الكبير في الطاقة في سوريا إذا تم التوصل إلى الترتيبات اللازمة.
وأوضح المصدر أن ملف الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا “من الملفات السياسية وليس الاقتصادية فقط.”
ويثير اعتماد الأردن على الغاز الإسرائيلي – الذي ينتج 70 في المئة من كهرباء المملكة – الجدل سياسياً نظراً للأصول الفلسطينية للعديد من مواطنيها.
وعند توقيع الصفقة في عام 2014، أشارت الحكومة الأردنية إلى هذا الغاز مصري وتفادت مناقشة أصله الحقيقي.
ومثل الحكومات العربية الأخرى في الشرق الأوسط، من المحتمل أن تجد حكومة الرئيس أحمد الشرع الجديدة في سوريا فكرة قبول الغاز من إسرائيل علناً غير مقبولة. لكن تصوير الإمدادات على أنها مصرية أو أردنية قد تساعد في تهدئة هذا القلق.
وفي عام 2021، نظر صناع السياسات في الولايات المتحدة في إمكانية إرسال الغاز الإسرائيلي (أو على الأقل الكهرباء الأردنية المولدة من هذا الغاز) عبر سوريا إلى لبنان، الذي كان يعاني من نقص مزمن في الطاقة.
وفي ذلك الوقت، قامت ورقة بحثية متعمقة حول كيفية القيام بذلك. ولا تزال المناقشة الفنية للورقة قابلة للتطبيق على سوريا اليوم.