اخبار الإقليم والعالم
اللبنانيون يعدون أنفسهم لعلاقة مختلفة مع السعوديين بعيدة عن محاصصة الهيمنة السنية
يعتزم الرئيس اللبناني جوزيف عون القيام بزيارة إلى السعودية كأول بلد يزوره بعد انتخابه في يناير الماضي، ما يظهر أهمية المملكة بالنسبة إلى لبنان في المرحلة القادمة، في وقت يقول فيه مراقبون إن لبنان، رغم حاجته إلى الدعم المالي والاستثماري السعودي، يريد بناء علاقة متوازنة مع الرياض يبدي فيها اللبنانيون احترام المملكة ومصالحها ولا يريدون أن ينجرّوا إلى محاصصة الهيمنة السنية برعاية سعودية بعد أن عانوا من ويلات الهيمنة الشيعية برعاية إيران.
ويأمل الرئيس عون أن يتجاوب السعوديون مع التغييرات التي يريد لبنان الجديد أن يؤسس لها بالقطيعة مع نظام المحاصصة والارتهان للخارج خاصة أن الظرف الداخلي والخارجي بات مهيأ لهذه التغييرات، فعامل حزب الله خرج الآن من المعادلة، وإيران فقدت نفوذها في لبنان بعد خسارة سوريا وتشدد السلطات اللبنانية في مراقبة ما يدخل عن طريق مطار بيروت.
ما يطلبه اللبنانيون من السعودية الآن أن تساعدهم على حل مشاكلهم المالية ودعم الجيش ليتمكن من بسط سيطرته على الوضع الأمني في البلاد مقابل علاقة هادئة من جانب لبنان، فلن يظهر وزير لبناني ليهاجم السعودية، ولن يسمح بحملات ممنهجة ضدها، أو شعارات تستنقص من صورتها ودورها في لبنان أو الإقليم، أو التعريض بالسياح والمستثمرين السعوديين.
من شأن الدعم السعودي أن يعطي مساحة أكبر لجوزيف عون لجعل العلاقة مع السعودية أولوية على المدى البعيد
ومن شأن الدعم السعودي الذي يلمس نتائجه اللبنانيون في حياتهم اليومية أن يعطي مساحة أكبر لجوزيف عون لجعل العلاقة مع السعودية أولوية على المدى البعيد واعتبارها شريكا إستراتيجيا للبنان.
وإذا كان الموقف اللبناني يريد كسب السعودية في صفه، فإن الخطة السعودية تجاه لبنان بالمقابل لا تزال غير واضحة، فهل ستكتفي الرياض بدعم محدود وانتظار التغييرات التي ستحدث في بيروت أم أنها ستستمر في النأي بنفسها عن لبنان، في استمرار لمواقفها السابقة بترك لبنان يواجه مصيره بسبب أن السياسيين اللبنانيين قد قبلوا بنفوذ حزب الله ودعّموه.
ويقول مراقبون إن اللبنانيين يريدون انفتاحا حقيقيا على السعودية وعلى الخليج عموما من باب الشراكة المتكافئة وعلى قاعدة الندية وليسوا مستعدين لاستبدال نفوذ إيران وحزب الله بنفوذ جديد حتى وإن كانوا في حاجة إلى الدعم المالي والاستثمارات والسياح لإحياء اقتصادهم.
ويرى المراقبون أن اللبنانيين يريدون سعودية لا تمارس دورا تسلطيا أو تنقطع على طريقة تعاملها مع سعد الحريري حين رفعت عنه يدها كليا بقرار حاسم، مشددين على أن اللبنانيين لم يخرجوا من ظل إيران ليتقبلوا مظلة سعودية تفرض عليهم شروطا جديدة.
وأرسل المسؤولون اللبنانيون في الفترة الأخيرة ما يؤشّر على حدوث تغيير في توجه بلادهم بعد انتخاب رئيس جديد وتعيين نواف سلام رئيسا للحكومة واختيار وزراء تغلب عليهم صفة التكنوقراط، لكن تجربة السعودية مع الحكومات اللبنانية السابقة تدفعها إلى الحذر في انتظار حدوث تغييرات حقيقية، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال مؤتمر دافوس في حديثه عن لبنان بتأكيده “الحاجة إلى رؤية إصلاحات ملموسة، والتزام في لبنان بألا يتطلع إلى الماضي بل إلى المستقبل، من أجل إعادة التفاعل مع البلاد.”
وحرص قادة لبنان قدر الإمكان على عدم إغضاب السعودية بشأن التعامل مع حزب الله. وخلال تشييع جنازة حسن نصرالله، الأمين العام الراحل للحزب، لم يحضر جوزيف عون ولا نواف سلام، ولكن أرسلا من ينوب عنهما، في رسالة واضحة إلى السعوديين.
ولم تخف الخارجية السعودية دعمها لموقف الجيش اللبناني الحازم حيال الاحتجاجات التي قام بها أنصار حزب الله حيث أعربت عن “دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذتها الجمهورية اللبنانية لمواجهة محاولات العبث بأمن المواطنين اللبنانيين، والتعامل بحزم مع الاعتداء على قوة الأمم المتحدة، اليونيفيل.”
وأوضحت وسائل الإعلام اللبنانية أن عون سيزور الرياض قبل حضوره القمة العربية الطارئة في القاهرة والمخصصة للموضوع الفلسطيني، في الرابع من مارس المقبل. والمرجح أن تتم الزيارة يوم الأحد القادم.
ومن المتوقع أن يطرح الرئيس اللبناني، الذي تلقى دعوة في يناير الماضي من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لزيارة المملكة، العديد من الملفات، من بينها المساهمة في إعادة إعمار جنوب لبنان، فضلا عن الدعم الاقتصادي عبر تعزيز الاستثمارات.
وتعهد الرئيس عون، بعد انتخابه في 9 يناير الماضي، بإقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، وبناء شراكات إستراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي.
وأعلن آنذاك أن السعودية ستشكل وجهته الخارجية الأولى “إيمانا بدورها التاريخي في مساندة لبنان والتعاضد معه، وتأكيدا على عمق لبنان العربي كأساس لعلاقات لبنان مع محيطه الإقليمي.”