اخبار الإقليم والعالم

ماركو روبيو.. سياسي مغمور يغيّر مواقفه حسب التيار السائد

وكالة أنباء حضرموت

هناك مثل شهير في كوبا، التي ينحدر منها وزير الخارجية الأميركي الحالي ماركو روبيو، ربما يكون مدخلا مناسبا للتعرف على شخصيته، حيث يقول المثل إن “الجحود هو أمّ كل الشرور”، وهناك العديد من التصرفات التي تبرز ملامح الجحود في شخصية الوزير ومواقفه المتطرفة تجاه بعض القضايا ذات البعد الإنساني، داخل الولايات المتحدة وخارجها، في مقدمتها جحوده لمبادئه المعلنة في أوقات سابقة وتحوله السريع من جمهوري تقليدي ينتمي إلى المدرسة السياسية المحافظة في الدبلوماسية التي تؤمن بضرورة توسيع الهيمنة الأميركية عالميا والداعمة للقوة العسكرية، إلى سياسي يتبع منهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشعبوي الفوضوي.

وهو تحول يقال إن ماركو روبيو حرص عليه كي يتماهى مع رئيسه في مواقفه وآرائه، وقد كوفئ عليه باختياره وزيرا للخارجية من دون أن يملك الخبرات والمهارات اللازمة للمنصب الحيوي، فضلا عن كونه أول شخص من العرق الإسباني يتولى منصبا رفيعا في الإدارة الأميركية.

يرجع تحول روبيو عن مبادئه وقناعاته إلى شخصيته الانتهازية، وهناك عدد غير قليل من الجمهوريين المحافظين لا يثقون به، ويرونه سياسيًا يغيّر مواقفه وفقًا لما يريده التيار السائد داخل الحزب، وبموجب طبيعته تلك لن يجد الرجل غضاضة في تغيير مواقفه وتصريحاته تجاه القضايا الخارجية من أجل أن يضبط بوصلته على المسار الذي يريده ترامب تحديدا، استيعابا لدرس ريكس تيلرسون أول وزير خارجية في ولاية ترامب الأولى، والذي سعى لتأمين هامش من الاستقلالية والعمل المؤسسي لنفسه ووزارته، فكان جزاؤه إقالته بشكل مهين عبر تغريدة بثها ترامب على حسابه بموقع تويتر (إكس حاليا) بينما كان الوزير في جلسة عمل مع نظيره الصيني في العاصمة بكين، بعد ما يقرب من عام واحد من توليه منصبه.

وزير متصلب

من المبكر بالطبع الحديث عن مستقبل الدبلوماسية الأميركية تحت قيادة ماركو روبيو الذي تولى منصبه قبل أسابيع، والبحث عن إجابات لأسئلة مثل هل يستطيع تحسين أداء الخارجية الأميركية أم تقوده مواقف ترامب المتقلبة إلى فقدان مصداقيته؟

لكن المؤشرات المبدئية والمواقف السابقة تجاه عدد من القضايا تبوح بأن كلا واحد من الرجلين سيكون عبئا على الآخر، إذ يفتقدان معظم مهارات العمل الدبلوماسي، وأهمها القدرة على النقاش والإقناع والاستيعاب. وهي قدرات تتعاظم الحاجة إليها في ظل وجود رئيس مثل ترامب الذي يطلق كل يوم عددا كبيرا من التصريحات ويوقع قرارات مختلفة، وقد يتراجع عنها في اليوم التالي، ما يجعل الولايات المتحدة في بيئة دبلوماسية متوترة بشكل مستمر.

ولذلك تزداد الحاجة إلى وزير يملك حنكة سياسية وخبرة في العمل الدبلوماسي، وامتلاك مصداقية ورؤية إستراتيجية مرنة تستطيع التوافق مع الرؤى المقابلة لها.

ولا توحي المؤشرات الحالية بامتلاك روبيو هذه المهارات، بل إن شخصيته على العكس، مناقضة لذلك تماما، حيث تشير سوابقه في التعامل مع الكثير من القضايا حينما كان عضوا في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ على مواقفه العنيفة المتصلبة في الكثير من المواقف، خصوصا تجاه روسيا والصين ودول أميركا اللاتينية.

وبلغت صراحته في إظهار عدائه للصين وتحريضه عليها في صدور قرار من بكين بمنعه من دخول البلاد، وهو قرار لا يزال ساريا حتى هذه اللحظة، ما يجعله أول وزير خارجية أميركي ممنوع من دخول الصين.

كما أن تصريحاته ومواقفه العدائية تجاه القضية الفلسطينية وانحيازه لإسرائيل، ورأيه في أن روسيا تمثل تهديدا إستراتيجيا خطيرا لبلاده، ومطالباته المتكررة بفرض عقوبات على دول أميركا اللاتينية ومواقفه المتصلبة من إيران، وتأييده المطلق سابقا للتدخل العسكري لإزاحة من وصفهم بـ”الحكام الدكتاتوريين” في المنطقة العربية مثل العقيد (الراحل) معمر القذافي في ليبيا، وبشار الأسد (الهارب) في سوريا.. كل هذه التفاصيل تجعل منه رجلا لا يحظى بالثقة بالنسبة إلى أغلب الدول، وتواجده على أيّ طاولة مفاوضات قد يكون مصدرا للتوتر ما يجعله عبئا على الإدارة الأميركية، مع دول مثل الصين وروسيا، واللتين حرص ترامب على إبقاء قنوات مفتوحة معهما.

يمثل ترامب كما كان في فترته الأولى تحديا صعبا للعمل الدبلوماسي بسبب خروجه الدائم عن النص وتقلباته المستمرة، وبدأ التحدي بالفعل مع إطلاقه تهديدات مست الجميع من الحلفاء قبل الأعداء، كما لا يمكن نسيان المواقف المحرجة التي تسبب بها لوزيري خارجيته السابقين (تيلرسون وخليفته مايك بومبيو)، حين أقال الأول بتغريدة وهو خارج البلاد، وتصرف دون علم الثاني في عدة ملفات مثل كوريا الشمالية وأوكرانيا، ما أفقده جزءا كبيرا من الاحترام أمام العالم.

خروج على النص

الواضح، حتى الآن، أن روبيو ليست لديه مشكلة في الظهور بمظهر “التابع لترامب” لكن ذلك لا يعني أن العلاقة بينهما لن تشهد منعطفات حادة، بل على العكس ربما يكون الصدام أقرب مما يتخيل الكثيرون، وتحديدا بسبب موقفهما المتباين من حلف شمال الأطلسي ( الناتو) والحرب في أوكرانيا، حيث يؤمن روبيو (أو هكذا كان يؤمن قبل توليه منصبه الوزاري) بأهمية الدعم القوي لأوكرانيا في معركتها ضد روسيا منطلقا من قناعة بأن التصدي لفلاديمير بوتين يعزز الاستقرار والأمن في أوروبا، بينما لا يهتم ترامب سوى بالمكاسب التي يمكن أن يجنيها من حماية أوكرانيا، ومؤخرا اقترح أن تحصل الولايات المتحدة على نصف المعادن النادرة في أوكرانيا مقابل المساعدات العسكرية السابقة.

وتجاهل دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أو وزير خارجيته ديمترو كوليبا لحضور القمة التي عقدها في الرياض، الثلاثاء، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، على الرغم من أنها تناولت سبل وقف الحرب المندلعة بين موسكو وكييف منذ ثلاث سنوات.

وسيكون ملف مستقبل حلف شمال الأطلسي محورا لخلاف قادم لأن روبيو يعتبر الحلف حجر الزاوية للسياسة الأمنية الغربية، ويرفض أيّ فكرة عن تقليص دور الولايات المتحدة فيه، بينما لا يفوّت ترامب فرصة للتقليل من أهمية الحلف وإظهار رغبته في تقليص التزام بلاده تجاهه بدعوى أن الدول الأعضاء عليها أن تدفع مقابل الحماية الأميركية لها.

ويملك روبيو قواسم مشتركة عديدة مع رئيسه دونالد ترامب، في القناعات والصفات الشخصية، حيث يشتركان في صفة الشخص الذي يفتقر إلى الذكاء العملي أو الدقة في الأفعال، وغالبًا ما تكون تصرفاته غير متقنة، وكلاهما لا يملك المؤهلات المناسبة للمنصب الذي يتولاه.

يتشابه روبيو مع ترامب في الطبيعة المراوغة والتصريحات الناتجة عن ضعف في الثقافة والمعلومات التي تجعل كليهما يدلي بتصريحات تعكس جهله، ثم يجد نفسه مضطرا لتعديلها لاحقا، مثلما فعل ترامب بتحوله الغريب من الهجوم على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وتهديده بـ”النار والغضب” إلى عقد ثلاثة لقاءات معه بعد ذلك ووصفه بـ”الصديق العظيم”.

وأعلن روبيو دعمه ادعاء ترامب “تزوير الانتخابات” التي فاز بها الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن في عام 2021 حين كان عضوا بمجلس الشيوخ، لكن ذلك لم يمنعه من التصويت لصالح التصديق على النتائج.

يجمع بين روبيو وترامب أيضا انحيازهما المستفز للأغنياء على حساب الفقراء، وهو انحياز يبدو مفهوما بالنسبة إلى ترامب الذي نشأ في أسرة ثرية ودخل سوق العمل في سن مبكرة، لكن في حالة روبيو لا يوجد ما يبرره سوى جحوده لأصوله، وخلال رئاسته مجلس نواب ولاية فلوريدا قدم خطة لخفض ضرائب الممتلكات في الولاية مع العمل على إلغائها تمامًا، مقابل زيادة ضرائب المبيعات إلى 2.5 في المئة لتمويل المدارس، وهو اقتراح قوبل باعتراض غالبية أعضاء مجلس الشيوخ، ليس فقط من الديمقراطيين، لكن الكثير من الجمهوريين أيضا، الذين رأوا في ذلك تخفيفا من أعباء الأغنياء ومضاعفتها على الفقراء.

يتشابه روبيو مع رئيسه في موقفهما من المعاهدات والمنظمات المدافعة عن البيئة والمقاومة للتغير المناخي، انطلاقا من تأثيرها السلبي على مصالح كبار رجال الأعمال والشركات الكبرى، وقد خاض معركة تشريعية وقت أن كان عضوا في مجلس نواب فلوريدا لإلغاء إستراتيجية كريست لمكافحة تغير المناخ زاعما أنها تضر المستهلكين دون أن يكون لها تأثير كبير على البيئة، وهو موقف يتماهى مع آراء ترامب المعادية لقضايا البيئة التي يعتبرها بحسب تصريحاته “مجرد خداع أو خرافة”، وألغى أكثر من 70 مبادرة للمناخ والطاقة الخضراء في أسبوعه الأول بعد عودته إلى البيت الأبيض، بينما من أبرز قراراته في فترة رئاسته الأولى الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.

جحود

إلى جانب جحوده لمبادئه وأصوله الاجتماعية، فإن روبيو جاحد لبلده الأم حيث يعد السياسي الأميركي الأكثر تشددا ضد كوبا منذ تم انتخابه عضوا بمجلس الشيوخ عام 2011، وعارض بشدة أيّ تخفيف للعقوبات مبررا ذلك بأنه سيعزز من قوة النظام القمعي، متجاهلا تأثير العقوبات الاقتصادية على الشعب هناك في مزايدة واضحة على أصوله الإسبانية، خصوصا بعدما كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عام 2011 أكاذيبه التي ذكرها في كتاب يحكي سيرته الذاتية حمل عنوان “ابن أميركي”، وأن والديه أُجبرا على مغادرة كوبا عام 1959 بعد تولي فيدل كاسترو السلطة هناك، وأنهما ضحايا النظام الشيوعي الذي أقامه، بينما الحقيقة أن والديه هربا من كوبا إلى ميامي عام 1956 قبل تولي كاسترو الحكم.

وفسرت الصحيفة لجوء روبيو إلى الكذب بأنه كان يسعى لكسب تأييد الناخبين الأميركيين من أصل كوبي في فلوريدا، وهي كتلة تصويتية مهمة للحزب الجمهوري، لأن أيّ سياسي يتخذ موقفًا لينًا تجاه كوبا يخسر تأييد هذه الجالية التي ترفض أيّ تساهل مع نظام هافانا.

وهو جاحد تجاه المهاجرين غير الشرعيين، مع أن عائلته كانت واحدة منهم في زمن سابق، حين هرب والداه من كوبا إلى ميامي من دون أوراق رسمية، أو جده لأمه بيدرو فيكتور غارسيا الذي تم احتجازه كمهاجر غير شرعي وأمر قاضي الهجرة بترحيله دون أن يتم تنفيذ أمر الترحيل لسبب غير معروف.

ورغم معاناته الشخصية تحول روبيو من موقف المساند والمتفهم لقضية المهاجرين إلى موقف المتشدد تجاههم، وبلغ به التناقض حدا جعله ينتقل من تبني مشروع قانون كان يمنح المهاجرين غير الشرعيين فرصا للمواطنة في الولايات المتحدة عام 2013 إلى تأييد أكثر سياسات ترامب تطرفا ضد المهاجرين عام 2025، مثل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك وإجراءات مثل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.

وظائف الهيئة المصرية لسلامة الملاحة البحرية.. الشروط والأوراق المطلوبة


عندما حاول إدوارد الثامن تسليم بريطانيا لهتلر


إصابة شخص بجروح في هجوم عند نصب المحرقة في برلين


«منظمة الصحة».. تحذر من التهاب الدماغ وتدعو لإجراءات عالمية عاجلة