اخبار الإقليم والعالم

انخفاض المواليد في مصر: إنجاز حكومي أم مؤشر سلبي

وكالة أنباء حضرموت

 حققت الحكومة المصرية نتائج إيجابية بشأن خفض أعداد المواليد مؤخرا، وجرى التعامل معه باعتباره إنجازا في مواجهة قضية الانفجار السكاني، من دون التطرق إلى الفئات التي انخفض معدل الإنجاب في صفوفها، وما إذا كانت الخطة التي وضعتها الحكومة لإقناع الطبقات الفقيرة وقاطني القرى حققت أهدافها أم لا.

ويمكن النظر إلى تحقيق أدنى معدل إنجاب في مصر خلال السنوات السبع عشرة الماضية على أنه تراجع خادع، حيث تتداخل فيه عوامل مجتمعية واقتصادية، لعبت دورا مهما في انخفاض المواليد، لكن الأمر لا يرتبط بتحسن الوضع المعيشي للأسر التي تتعامل مع إنجاب الأطفال كشكل من أشكال مواجهة الفقر المدقع.

وأرجع وزير الصحة والسكان المصري خالد عبدالغفار انخفاض معدل المواليد إلى الجهود الوطنية والإستراتيجيات الصحية التي تبنتها الدولة للحد من النمو السكاني غير المنضبط، مؤكدا أن وزارته مستمرة في تنفيذ خطط تستهدف تعزيز صحة المرأة والطفل، وجودة خدمات الصحة الإنجابية، والتوسع في نشر التوعية الصحية، لضمان تحقيق التوازن بين النمو السكاني والتنمية الاقتصادية.

مليون طفل، عدد المواليد العام الماضي مقارنة بـ2.045 مليون في العام السابق له، بانخفاض قدر بنسبة 3.8 في المئة

ولم يتجاوز عدد المواليد العام الماضي 1.968 مليون طفل، مقارنة بـ2.045 مليون في العام السابق له، بانخفاض قدره 77 ألف مولود، بنسبة 3.8 في المئة، وهو أدنى معدل إنجاب منذ عام 2007، وانخفض معدل الإنجاب الكلي إلى 2.41 مولود لكل سيدة، مقارنة بـ2.54 مولود عام 2023.

ولم تفصح وزارة الصحة المصرية عن الفئات التي ساهمت في تراجع معدلات الإنجاب، وما إذا كان ذلك ناتجا عن اقتناع المواطنين بما تطبقه الحكومة من إستراتيجيات تهدف إلى الحد من الإنجاب، أم أن التراجع مرتبط بالوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانيه الطبقة المتوسطة، وارتفاع معدل الطلاق وتراجع الزواج، وحال توافرت تلك العوامل فسيعبر التراجع عن أزمة مجتمعية وليس إنجازا حكوميا يتعلق بسياسات تنظيم الأسرة والحد من الإنجاب.

وقد بدأت معدلات الإنجاب تتراجع خلال السنوات العشر الماضية، ما يشير إلى أن الإستراتيجية الأكثر شمولية التي تبنتها الحكومة للتعامل مع خطط خفض الزيادة الإنجابية التي تعمل بها منذ تشكيلها في يوليو من العام الماضي لم تأخذ الوقت الكافي لتحقيق أهدافها، بعد أن أسندت الملف إلى أربع عشرة حقيبة وزارية وحددت الحكومة لكل وزارة فترة زمنية لإنجاز المهمة المكلفة بها في هذا الشأن.

وقررت الحكومة مؤخرا إدراج قضية الإنجاب في المناهج التعليمية بالمدارس والجامعات، وتخصيص خطب في المساجد للتوعية بمخاطر الاتكال عليها في الإنفاق على الأبناء، وكثفت حملاتها التوعوية للأسر التي تتفاعل معها من خلال مبادرة “حياة كريمة”، كما اتخذت حكومات سابقة إجراءات بعضها عقابي بشأن حظر الدعم عن طريق المقررات التموينية ووقف الحصول على مساعدات عبر مشروع “تكافل كرامة” للطفل الثالث، وقدمت حوافز مادية للأمهات اللاتي التزمن بإنجاب طفلين.

وقالت أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية منال عمران إن “الشرائح الدنيا تحافظ على معدلات إنجاب مرتفعة، والتراجع في الطبقات المتوسطة والعليا، بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الراهنة، وأبرزها خروج المرأة إلى العمل، حيث يختلف عما كان سابقا، والكثير من السيدات يعملن في قطاع خاص يتطلب التواجد ساعات عمل طويلة، ولا يلتزم غالبا بمنح إجازات الوضع والرضاعة.”

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “معدلات الزواج تراجعت في الطبقات المتوسطة ولم يحدث ذلك في الطبقات الفقيرة التي تحافظ على زواج الفتيات في سن صغيرة، ويتعامل هؤلاء (المنتمون إلى الطبقات الفقيرة) مع الإنجاب كعامل اقتصادي يساعد الآباء والأمهات على تحمل تكاليف المعيشة من خلال العمل في سن العاشرة، ولا تولي (الطبقات الفقيرة) التعليم اهتماما، وله كلفة باهظة أيضا بالتزامن مع استمرار التعليم المجاني الذي بات صوريا مع وجود تعليم شبه إلزامي في مراكز الدروس الخصوصية وفصول التقوية.”

وأشارت إلى أن نجاح الحكومة كان يمكن الحديث عنه لو تمكنت من تغيير الثقافة السائدة في المناطق الفقيرة والقرى منذ نصف قرن، لكن هذا لم يحدث في الواقع، ووقائع الزواج غير الشرعي قبل السن القانونية تنتشر في هذه الأوساط، والتفسخ الأسري تتزايد معدلاته نتيجة هروب الآباء من خلال الهجرة غير الشرعية إلى الخارج أو الاختفاء دون سابق إنذار، وتجد الأم نفسها مرغمة على تحمل المسؤولية وتصبح هناك دائرة مفرغة من السلوكيات المرتبطة بالزواج المبكر وزيادة الإنجاب.

ولعملية تراجع الإنجاب لدى الطبقات المتوسطة أبعاد تتعلق بطبيعة تكوين الأسرة، إذ أن الجدات اللاتي حملن على عاتقهن مسؤولية تربية الأحفاد أصبحن الآن ينخرطن في سوق العمل، وتؤكد إحصاءات وزارة العمل المصرية أن أكبر معدل إسهام للإناث يأتي لدى حملة المؤهلات الجامعية وفوق الجامعية، وتصل نسبة إسهامهن إلى 43.7 في المئة، فيما بلغت نسبة عمل المرأة في الريف 40 في المئة، وهما نسبتان مرتفعتان عما كانتا عليه، وبالتالي فالزيجات الحديثة تضع في اعتبارها مسؤولية رعاية الأبناء قبل التفكير في الإنجاب.

الطبقات الدنيا التي ينشأ فيها المواليد تعاني مشكلات جمة في السكن وتوفير الغذاء الصحي وضعف القدرة على اكتشاف الأمراض مبكرا وغياب أساليب التربية السليمة

وأكدت منال عمران لـ”العرب” أن “زيادة المواليد في الطبقات الدنيا من قاطني المناطق الفقيرة والريف أخطر بكثير من زيادتها لدى الطبقات المتوسطة والعليا، لأن الأولى ينتج عنها تشرد مبكر وتسرب من التعليم، ينعكس على زيادة معدلات الجريمة، ويسهل استقطاب هؤلاء، ويبقى الهم الأول لديهم توفير المال وتحقيق الثراء السريع.”

كما أن البيئة ذاتها التي ينشأ فيها هؤلاء تعاني مشكلات جمة في السكن وتوفير الغذاء الصحي وضعف القدرة على اكتشاف الأمراض مبكرا وغياب أساليب التربية السليمة.

وأوضحت أن الحكومة وفرت أساليب تساعد السيدات على تنظيم الأسرة، لكنها لم تقدم إليهن وسائل الإقناع التي تجعلهن يذهبن إلى مكاتب الصحة للحصول على وسائل منع الحمل، وتوجد مئات الوقائع التي تشير إلى أن من جرى إقناعهن بتركيب هذه الوسائل لم يلتزمن بها فترات طويلة، ويعود ذلك إلى اقتناع بأن الوسيلة ليست مفضلة بالنسبة إلى أزواجهن، ولا تقدم مكاتب الصحة التي توفر هذه الوسيلة خدمات طبية مرتبطة بها، حيث يحتاج الأمر إلى تحليل أولي للتعرف على نوعية الوسيلة المناسبة.

وانتشرت وسائل منع الحمل في ثمانينات القرن الماضي، بدءا من اللولب ثم الأقراص، مصحوبة بحملة إعلانية ضخمة، واستمرت الدعاية حتى يومنا هذا مع اختلاف المسميات، وشجعت الحكومة الطبيبات على العمل في الوحدات الصحية بالقرى، وزادت حملات التوعية والبرامج والمكافآت للأسر التي تكتفي بإنجاب طفلين.

ويخشى خبراء أن يكون الاهتمام بما تقدمه الحكومة من حوافز مالية للسيدات ممن تخطين سن الرابعة والخمسين في حال لم ينجبن سوى طفلين فقط، ما يفتح المجال للتحايل على القوانين، أو عدم تسجيل الأبناء، وهي ظاهرة منتشرة في مناطق فقيرة.

محاولة مفضوحة لتبرير الحملة القمعية القادمة لنظام الملالي


نار الثورة تشتعل في وجه جحيم السجون: انتفاضة الشعب الإيراني تتصاعد ضد القمع الوحشي


المعارضة الإيرانية بين نضج التنظيم وقرب الانفجار؛ والمجلس الوطني للمقاومة ومجاهدو خلق في مواجهة نظام يحتضر


من هو الخصم الحقيقي الذي يهدد نظام ولاية الفقيه في إيران؟