اخبار الإقليم والعالم
المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم يبحث في نواكشوط واجب الحوار وراهنية المصالحات
انطلقت بالعاصمة الموريتانية نواكشوط فعاليات الملتقى السنوي الخامس للمؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم، تحت شعار “القارة الأفريقية: واجب الحوار وراهنية المصالحات”، التي تُقام برعاية الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وبرئاسة الشيخ العلامة عبدالله بن بيه رئيس المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم.
وشارك في الجلسة الافتتاحية لهذه الدورة الجديدة للمؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وجانو أهوسو كواديو وزير الدولة المستشار الخاص في رئاسة جمهورية كوت ديفوار ممثلا للرئيس الحسن واتارا، والعلامة عبدالله بن بيه رئيس منتدى أبو ظبي للسلم ورئيس المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم، وطيف واسع من القادة والعلماء والمؤثرين في أفريقيا.
وأشرف الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، على هذا المؤتمر الذي جرت فعالياته بالمركز الدولي للمؤتمرات (المرابطون) في نواكشوط، حيث ألقى كلمة شدد فيها على أن” ترسيخ روح الحوار، والحرص على المصالحات أصبح من آكد وألح أولويات قارتنا الأفريقية، نظرا لما تشهده من حروب ونزاعات واضطرابات اجتماعية، وتنامٍ مخيف لظواهر التطرف والعنف والإرهاب.”
وأضاف أن “من أنجع السبل لمواجهة التدهور المتعاظم للأمن والاستقرار في مجتمعاتنا الأفريقية العمل على جعل الحوار مرتكزا أساسا في منظومات حكامتها السياسية والاجتماعية.” واعتبر أن “الحوار يكتسي أهميته البالغة من ترسيخه لقيم التسامح والاعتدال، وتحريره من أوهام الخوف المتبادل، وتأسيسه لبناء ثقة متينة، تكون دعامة واسعة لتعايش سلمي مستدام، ولذا حوّلنا في موريتانيا الحوار إلى جزء أصيل من نمط حكامتنا السياسية والاجتماعية.”
وأكد في هذا الصدد، على أن “الحوار من أقوى دعائم قيام مجتمع متصالح مع نفسه منسجم ومستقر، وهو بهذا المعنى يستوجب التزاما جماعيا وعملا دؤوبا للوقوف بحزم في وجه العاملين على نشر الكراهية وتخويف مكونات المجتمع بعضها من بعض.” ولفت إلى أن ذلك، “يتطلب العمل المكثف على تقليص الهوة بين مختلف مكونات المجتمع، والتصحيح التدريجي لميزان العدالة الاجتماعية بمكافحة الفقر والإقصاء، وبترسيخ دولة القانون والمساواة في الكرامة والحقوق، وهو ما عملنا ونستمر في العمل عليه منذ بداية مأموريتنا الأولى.”
وتابع في هذا السياق قائلا “لقد عبّأنا في سبيل تحقيق هذا التحول المجتمعي الضروري علماءنا وأئمتنا ومثقفينا وقادة الرأي منا، فلا أقوى ولا أنجع من جهود هؤلاء في هذا السبيل، من ترسيخ ثقافة وقيم التسامح والاعتدال ولذا فنحن نعول كثيرا على إسهامات مؤتمركم هذا في نشر هذه القيم تعزيزا لثقافة الحوار والمصالحة والسلام.” وبعد ذلك، ألقى العلامة عبدالله بن بيه كلمة استهلها بإبلاغ الحضور تحيات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، قائلا إنه “يُشاطركم الاهتمام بالسلام في أفريقيا والعالم أجمع، والتصدي لتحديات الاستقرار والازدهار.”
ولفت في كلمته إلى أن “القارة الأفريقية التي يعدُّها الكثير من الدارسِين مستقبل العالم، لما تزخر به من مقومات طبيعية وبشرية، تتفاعل فيها اليوم عوامل الاضطرابات الداخلية والصراعات الدولية التي تَهبّ عليها من كلَ حدب وصوب.” وأشار في هذا الصدد، إلى أنه “من السودان شرقا إلى مالي غربا، ومن ليبيا شمالا إلى الموزمبيق جنوبا، تعيش المجتمعات الأفريقية أحد أسوء فصول الموت والاضطراب التي عرفتها في العصر الحديث بحيث تم تهديد كيان الدول ووحدة أراضيها.”
وأردف “إننا نشهد قتال أبناء البلد الواحد، ونتحدث عن قتل الأخ لأخيه في الدين والوطن والإنسانية، ولا حول ولا قوة وإلا بالله،” لافتا إلى أنه “أمام هذا المشهد ذي الأبعاد المتداخلة البنيوية والظرفية، يكاد اللبيب يفقد صوابه والشفيقُ أمله.” لكنه استدرك قائلا “لولا حسن الرجاء في الله،… والثقة في الحكماء والعلماء ومحبي الخير والسلام الذين يتعين عليهم المبادرة لإطفاء الحريق وإنقاذ الغريق، وتلمُّس السبيل لوقف هذا النزيف الدموي الرهيب.”
وأكد من جهة أخرى، على أن الحديث عن الحوار “ليس ترفا ولا فضولا، وإنما هو من صميم واجب الوقت، المتعين على الجميع النهوض به، على مختلف المستويات، وضمن دوائر التأثير المتعددة، ذلك أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لتجنب الحروب وإيقاف العنف.” وإلى ذلك، أشاد كل من الأمين العام المساعد للشؤون السياسية بمنظمة التعاون الإسلامي، يوسف بن محمد الضبيعي، ووزير إدارة الأراضي أمين الدولة بجمهورية تشاد، أحمد عمر، ومستشار رئيس جمهورية بوركينافاسو، الشيخ أبوبكر دكوري، في مداخلاتهم، بأهمية هذا المؤتمر، موضوعا وتنظيما وإعدادا.
وأكدوا على أهمية وضرورة المحافظة على السلم المجتمعي بين مختلف أفراد البلد الواحد والسلم العالمي بصفة عامة، مشيرين إلى أهمية الأدوار التي يضطلع بها العلماء في تعزيز السلم في مختلف بقاع العالم.
وتم خلال الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر، قيام الرئيس الموريتاني بتسليم جائزة أفريقيا لتعزيز السلم للعام 2025 لجانو أهوسو كواديو، وزير الدولة، المستشار الخاص لرئيس جمهورية الكوت ديفوار، نيابة عن الرئيس الحسن واترا، الذي فاز بالجائزة لهذا العام. وتهدف جائزة تعزيز السلم في أفريقيا، إلى تكريم الشخصيات والمؤسسات والهيئات التي ساهمت بشكل ملحوظ في تعزيز وحفظ وصيانة السلام في أفريقيا.
◙ المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم يعتبر إحدى ثمار التعاون البناء بين الإمارات وموريتانيا لترسيخ ثقافة التسامح والاعتدال ومواجهة خطابات الغلو والتطرف
وكان المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم قد منح خلال الدورات السابقة هذه الجائزة إلى شخصيات بارزة منها محمد بازوم رئيس النيجر في دورة 2022 ومحمد بخاري رئيس نيجيريا في دورة2023 وآداما بارو رئيس غامبيا في دورة 2024. واختار منظمو هذا الملتقى السنوي الخامس للمؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم عنوان “القارة الأفريقية: واجب الحوار وراهنية المصالحات”، لأعمال هذا الملتقى، وهو عنوان ينطوي على دلالات كثيرة وأبعاد متنوعة، لاسيما في هذا التوقيت الذي يتسم بتزايد الصراعات في القارة الأفريقية.
وسيبحث المشاركون خلال هذه الدورة الجديدة للمؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم جملة من القضايا الهامة تم توزيعها على 5 محاور أساسية، يتعلق الأول بـ”الوضع الراهن في أفريقيا والحاجة إلى ثقافة الحوار،” والثاني “الحوار والمصالحات: واجب ديني وقيم أخلاقية.” وأما المحور الثالث فهو يتعلق بـ”الحوار والمصالحات: إرث حضاري ونماذج ملهمة”، والرابع “مقاربات فكرية ومبادرات ميدانية”، بينما المحور الخامس فهو يتعلق بـ”أفريقيا والذكاء الاصطناعي: أفق جديد في بناء السلم وتعزيز الحوار”.
ويتضمن جدول أعمال هذه الدورة الجديدة من المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم، عقد النسخة الثالثة من قمة الشباب والمرأة صناع السلام في أفريقيا تحت عنوان “الحوار والمصالحات: التربية والتكوين”، بالإضافة إلى تنظيم حفل للإعلان عن الفائزين بـ”جائزة السلم الأفريقي”.
ويعتبر الملتقى الدولي السنوي للمؤتمر الأفريقي للسلم الذي يعقد دورته الخامسة يوم الثلاثاء القادم بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، إحدى ثمار التعاون البناء بين دولة الإمارات والجمهورية الموريتانية في مجال العمل على ترسيخ ثقافة التسامح والاعتدال ومواجهة خطابات الغلو والتطرف في القارة الأفريقية.
وتم الإعلان عن هذا الملتقى الدولي السنوي في شهر يناير سنة 2020 بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، ليُصبح منذ ذلك الوقت أبرز حدث فكري وثقافي في أفريقيا يجمع صناع القرار من رؤساء وممثلي الحكومات ورؤساء مجالس الإفتاء والمجالس الشرعية وكبار العلماء والدعاة وقادة الشأن الديني مع أبرز القيادات الشبابية والنسوية للخروج بمقاربات علمية وفكرية تنفع الناس وتمكث في الأرض.