اخبار الإقليم والعالم
تحديات دمج الذكاء الاصطناعي أمام كونغرس الإعلام العالمي
سيطرت التجارب الإعلامية الناجحة في استخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي في تقديم المحتويات الإعلامية على النسخة الثالثة من الكونغرس العالمي للإعلام الذي اختتم فعالياته في العاصمة الإماراتية أبوظبي أخيرا، والذي سلّط الضوء على التحديات التي يواجهها الإعلام العربي نحو الانتقال بشكل كامل إلى الاعتماد على هذه التقنيات لتصبح جزءا لا ينفصل عن مهام العمل اليومية، ما خلق نقاشات ثرية هدفت إلى الاستفادة من الخبرات المتقدمة في هذا المجال والبحث عن آفاق مستقبل صناعة الإعلام وفقا للتطورات التكنولوجية الراهنة.
وقدمت وسائل إعلام إماراتية عديدة تجاربها التي اعتمدت من خلالها على تقنيات الذكاء الاصطناعي أثناء ندوات الملتقى العالمي، وانعكس ذلك على معدلات نمو سوق الإعلام هناك والذي بلغ 9.5 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية وهي نسبة تفوق المعدلات العالمية والإقليمية، بحسب الأمين العام لمجلس الإمارات للإعلام محمد سعيد الشحي، والذي أشار إلى أن ذلك يعكس مرونة القطاع وقدرته على التكيف مع التطورات التقنية المتسارعة.
وكشفت أعمال الكونغرس عن وجود توافق بين القائمين على الإعلام العربي بشأن تعزيز الاهتمام بدمج الذكاء الاصطناعي وتسخيره كأداة رئيسية لتطوير المحتوى وتعزيز الكفاءة، باعتبار أن ذلك وسيلة لتمكين الشباب من قيادة مستقبل الإعلام بتميز.
وشهد الكونغرس تنظيم 25 ندوة وحلقة نقاشية تناولت التحديات التي يواجهها الإعلام في العصر الرقمي، بينها تأثير على صناعة المحتوى، والتوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الاجتماعية، وكان للابتكار نصيب كبير من النقاشات، مع التعرض للأدوات والتقنيات الجديدة الهادفة إلى تعزيز دقة وسرعة التغطيات الإعلامية.
وأتاحت الجلسات فرصة مهمة لتوحيد الجهود، وتبادل التجارب في وقت يشهد فيه الإعلام تحولات جذرية، ومع نهاية المؤتمر جرى الإعلان عن مبادرات مشتركة، تواكب الواقع الراهن، بالإضافة إلى عقد شراكات إستراتيجية تهدف إلى تمكين الصحافيين، وتطوير قدراتهم في ظل التغيرات المتسارعة.
ويتفق العديد من خبراء الإعلام على أن تزايد الاهتمام بالفعاليات الإعلامية التي تركز على التطورات في سوق الإعلام يبرهن على وجود مرحلة فاصلة تقف عندها الآن وسائل الإعلام بين الماضي الذي يركز على الإبداع القائم على جودة الكتابة أو حداثة الصورة المقدمة إلى جانب الانفراد الصحفي الذي يشكل أساسا لجذب الجمهور، وبين مستقبل يقوم على توظيف التكنولوجيا في تقديم محتويات إعلامية تتماشى مع خوارزميات اهتمامات الجمهور عبر الوسائط التكنولوجية المختلفة وكيفية الوصول إليه بأحدث الوسائل التي تعبر عن حجم التطور في الإعلام.
وكان هذا النقاش دائرا بقوة في الجلسة التي عقدت بعنوان “كيف ستبدو وسائل الإعلام مستقبلا”، ضمن فعاليات اليوم الثالث من الكونغرس وتضمنت التركيز على تأثير التكنولوجيا والإستراتيجيات المهتمة بالأجهزة المحمولة والمحتوى الموجز والذكاء الاصطناعي على قطاع الإعلام.
وأدار الجلسة مدير التحرير للمجموعة العالمية للاستثمارات الإعلامية مصطفى الراوي، وتعمقت النقاشات حول التعرف على الأدوات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي، والتي تمكّن الاستهداف الدقيق والتجارب المخصصة، والتحديات الأخلاقية التي تشمل المعلومات المضللة.
وشدّدت الجلسة على ضرورة تكيّف وسائل الإعلام التقليدية عن طريق سرد قصص قائمة على الفيديوهات واستقطاب الجماهير بالتوازي مع الحفاظ على النزاهة المهنية.
واستعرض الدكتور محمد العلي الرئيس التنفيذي لمركز “تريندز” للبحوث والاستشارات، الدور التحويلي للذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل الإعلام، مشيرا إلى تطورات تشمل غرف الأخبار المدعومة بالذكاء الاصطناعي والمذيعين الافتراضيين، وفي المقابل قاد ذلك إلى تراجع الإعلام التقليدي، إذ ينجذب الجمهور بصورة متزايدة إلى الصيغ الموجزة المبنية على الفيديوهات التي تتماشى مع عادات الاستهلاك المتطورة، واستنادا إلى آخر الأبحاث، فإن المحتوى الذي تقل مدته عن 90 ثانية يعدّ الأكثر فعالية مع الجماهير الحالية.
وتطرق العلي إلى التأثير المجتمعي للتكنولوجيا الرقمية، بما يشمل أثرها على التفاعلات العائلية والسلوكيات الاجتماعية، داعيا إلى اتخاذ خطوات استباقية لخوض التحديات الأخلاقية والاجتماعية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي ومنصات التواصل.
وقالت خبيرة الإعلام الرقمي ومدير تحرير صحيفة الأخبار المصرية رضوى عبداللطيف إن توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي في العمل الصحفي والإعلامي حدث بالفعل في أكثر من مؤسسة إعلامية عربية، لكن في مصر تبدو الخطوات بطيئة، وهناك محاذير تحيط بالتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن غالبية المؤسسات الإعلامية العربية لم تضع القوانين وتحدد الأخلاقيات الحاكمة كي تتمكن من توظيف التقنيات الحديثة في إطارها السليم، ما يجعل هناك حالة تباطؤ عامة في الاعتماد عليه، في حين أن هناك تجارب عربية أخذت خطوات سريعة وتمكنت من تطوير مهارات العاملين بها، بالتالي استطاعت التعامل مع السلبيات التي تحيط بالتطورات الرهيبة في الذكاء الاصطناعي التوليدي والتي يفرز عنها نتائج غير متوقعة في بعض الأحيان.
وسائل الإعلام العربية التي نجحت في توظيف الذكاء الاصطناعي قامت بتأسيس أقسام دمجت فيها بين المهندسين المتخصصين في التكنولوجيا وبين الصحافيين وهما يقومان بتكملة بعضهما البعض
وأشارت إلى أن الاعتماد على تطورات الذكاء الاصطناعي يسرع من وتيرة نمو سوق الإعلام في المنطقة العربية ويساعد على دراسة خصائص الجمهور المستهدف على نحو أكبر ويقدم مواد مفيدة إعلاميا ويحتاجها الجمهور وتبقى المنصات الإعلامية التي تعتمد على تلك التقنيات أكثر حضورا وتحظى بمعدلات أكبر من المشاهدات، وكذلك يمكن الاعتماد عليه في تسويق المحتوى.
وناقش الكونغرس تأثير الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تمكين التسويق الدقيق وتحسين تخصيص المحتوى، مؤكدا أهميتها في رسم ملامح الاستهلاك الإعلامي المعاصر، وركز على العلاقة المهمة بين التكنولوجيا والمحتوى، خصوصا في ما يتعلق بالتفاعل مع الجماهير الشابة، وألقى عدد من فعالياته الضوء على التحول نحو السرد القصصي الموجز المبني على الفيديو كوسيلة للحفاظ على الحضور، مع التمسك بالمبادئ الأساسية للنزاهة الصحفية.
ورأت رضوى عبداللطيف في حديثها لـ”العرب” أن بطء الاعتماد على الذكاء الاصطناعي رغم الطفرات التي يحققها، يرجع إلى الإدارة والتخطيط، فالكثير من القائمين على المناصب القيادية في وسائل الإعلام العربية غير مقتنعين بأهميته، وما يحدث في بعض المؤسسات جهود فردية من الإعلاميين الذين يسعون لتعلم التقنيات الحديثة ويسعون لاستخدامها في إنتاج المحتويات التي يقدمونها، والبعض يتعامل مع هذه التقنية كتحد يمكن أن يُحدث تغييرا في الواقع المحيط به.
وأكدت أن عدم وجود كوادر مدربة يشكل تحديا أمام المؤسسات الطامحة لتوظيف الذكاء الاصطناعي، كما أن الجهات التي تقوم بمنح هذه التدريبات قليلة، وبالتالي لا يمكن القول إن المشكلة المالية هي السبب، مع استمرار غياب القدرة على صياغة قوانين تعاقب الصحافي في حال وظف محتوى الذكاء الاصطناعي دون نسبه إلى مصادره والتعامل معه باعتبار محتوى خاصا به.
ولفتت إلى أن وسائل الإعلام العربية التي نجحت في توظيف الذكاء الاصطناعي قامت بتأسيس أقسام دمجت فيها بين المهندسين المتخصصين في التكنولوجيا وبين الصحافيين وهما يقومان بتكملة بعضهما البعض، إذ يطلب الصحافي توفير الأدوات التي تساعده ويتولى المبرمج مسؤولية توفير تلك الأدوات وتدريبه على استخدامها، وأن متطلبات العصر الحديث تتطلب دمج مجالات عمل متعددة داخل مهنة واحدة وهو ما يحقق تطورا سريعا تحتاج إليه وسائل الإعلام في هذا التوقت. وشهدت النسخة الثالثة من الكونغرس العالمي للإعلام مشاركة ممثلين حكوميين وإعلاميين ورجال أعمال وخبراء وأكاديميين من 172 دولة ومنطقة حول العالم.