اخبار الإقليم والعالم
البطاقات المصرفية تنقذ الليبيين من شح السيولة
يدفع نقص السيولة في ليبيا السكان للجوء بشكل متزايد إلى البطاقات المصرفية، في بلد غني بموارده الطبيعية، لكنه يعاني أزمة نقدية بعد أعوام من النزاع وعدم الاستقرار.
وأصبح سحب الأموال عملية تشوبها عقبات وتحديات في غالبية المدن الليبية، إذ يصطف المئات من الزبائن لساعات خارج فروع البنوك منتظرين دورهم للحصول على نقود غالبا ما تنفد سريعا بسبب نقص الإمدادات في النظام المصرفي.
كما أن عدم الثقة بالنظام المالي المتهالك أساسا بسبب سنوات من الفوضى التي تفجرت منذ العام 2011، يعني أن هذه الأموال نادرا ما يعاد ضخّها في البنوك، حيث يفضّل الليبيون الاحتفاظ بنقودهم في متناول اليد.
ويعيش المواطنون منذ ذلك الحين أزمة ثقة في القطاع المصرفي، الذي تكررت وعوده بتحسين الخدمات ووضع حلول لأزمة السيولة النقدية الخانقة، لكن دون جدوى.
وإلى جانب نقص السيولة، غالبا ما يتلقى موظفو القطاع الحكومي الذين يشكلون حصة الأسد من السكان العاملين في ليبيا، أي 2.3 مليون من أصل 2.6 مليون، رواتبهم متأخرة.
ويعاني البلد العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والذي ينتج ما يزيد عن مليون برميل يوميا ويحتل المركز الأول كأكبر منتج في القارة الأفريقية، من أزمة مالية جعلت منه عاجزا عن تسديد رواتب موظفيه وتوفير السيولة اللازمة للمواطنين.
ويعود جزء من الأزمة إلى الانقسامات السياسية وازدواجية المؤسسات بين شرق وغرب ليبيا مع وجود سلطتين متصارعتين، بينما يتهم المسؤولين في الجانبين بالفساد وإهدار المال العام. ويتم تحديد حد أقصى للسحب من نوافذ البنوك عند ألف دينار (206 دولارات)، وغالبا ما يكون ذلك مرة شهريا.
وفي مصراتة، وهي مدينة ساحلية رئيسية ومركز تجاري بارز على بعد حوالي 200 كيلومتر شرق طرابلس، يبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة، يتزايد عدد الذين يسجلون للحصول على بطاقات مصرفية.
وقال عبدالله القطيط، الموظف في أحد مصارف مصراتة، ثالث كبرى مدن البلاد، لوكالة فرانس برس إن ثقافة عدم استخدام النقود “لم تتجذر بعد، لكن الأجيال الشابة تتبناها بسهولة.”
وتحدث المصرفي البالغ 30 عاما عن “وهي متزايد” بين المواطنين “بأهمية الحلول الإلكترونية لتسهيل المعاملات اليومية، وخاصة في أوقات أزمة السيولة، حتى لو كانت البنية التحتية لا تزال غير كافية.” ولكن كما هو الحال غالبًا في البلاد، فإن التحول نحو المعاملات الخالية من النقد لا يخلو من عقبات، أبرزها نقص أجهزة الصراف الآلي.
وعلاوة على ذلك، فإن العديد من التجار لا يقبلون مدفوعات البطاقات لأنهم غير مجهزين بمحطات دفع، الأمر الذي يعكس بوضوح مدى سوء البنية التحتية للنظام المالي للبلاد.
ولا يملك النظام المالي ما يكفي من المعلومات والقدرات والشفافية لاتخاذ قرارات ائتمانية سليمة، كما أنه لا يمتلك أسسا قوية تتماشى مع المعايير الدولية في التعاملات المالية أو الإقراض أو الوساطة المالية.
ويعاني القطاع المصرفي نفسه من عدم كفاية رأس المال، وقيمة الأصول لدى البنوك المملوكة للدولة محل تساؤلات ولا يقين حولها.
وقال الخبير الاقتصادي خالد الدلفاق لفرانس براس إنه في حين يدفع نقص السيولة الكثيرين للتحول إلى استخدام البطاقات، يجب أن يكون ذلك مصحوبا بالعمل “لجعل هذه الخدمات أكثر سهولة في الوصول إليها”. وفي ظل شحّ الخيارات الأخرى، تحول الكثير من المستهلكين الليبيين بالفعل إلى البطاقات المصرفية، ومنهم محمد السوسي.
وقال الرجل الخمسيني الذي كان يتبضع لعائلته في متجر استهلاكي في مصراتة “أصبحت المعاملات أبسط مع البطاقة (…) لم أعد بحاجة إلى حمل كميات كبيرة من النقود معي بعد الآن.”
وتسبّب الاضطراب السياسي في ليبيا بتأثيرات جانبية إضافية، مثل المطبوعات المتعددة للأوراق النقدية من فئة 50 دينارا. ووقعت مؤسسات ليبيا منذ العام 2014 بين المعسكرين المتنافسين على السلطة، ولم يكن مصرفها المركزي استثناء.
وحتى العام الماضي، بقي هذا البنك منقسما إلى جزءين، مقر معترف به دوليًا في العاصمة وآخر في بنغازي في الشرق، مع توقيع محافظي كل منهما على طباعة النقود الورقية.
◙ 3.1 مليار دولار ضخها مصرف ليبيا المركزي في السوق خلال أكتوبر لتخفيف الأزمة
وفي 2012، تم طرح عملة جديدة بقيمة 50 دينارا، وهي أكبر فئة متاحة، للتداول لتسهيل الحياة على المستهلكين الذين غالبًا ما يقومون بدفعات نقدية بالآلاف.
ولكن في أبريل، أعلن المركزي سحب أوراق الخمسين دينارا بسبب انتشار كميات “مزيفة” منها، الى جانب تلك التي أصدرها المصرف وطبعها في بريطانيا، وأخرى مطبوعة في روسيا صادرة عن سلطات شرق ليبيا الموازية.
وقال المدرّس مصعب الهدار (45 عاما) أثناء زيارته فرعا لمصرفه لطلب بطاقة الكترونية “أصبح الوضع أكثر تعقيدا مع رفض الشركات الأوراق النقدية من فئة 50 دينارا”.
وكان البنك المركزي قد حدد في البداية موعدا نهائيا لسحب الأوراق النقدية (فئة 50 دينارا) من التداول بنهاية أغسطس الماضي، قبل أن يمدد المهلة إلى نهاية العام.
وفي محاولة لمعالجة أزمة السيولة، ضخ البنك 15 مليار دينار (3.1 مليار دولار) في النظام المصرفي أواخر أكتوبر الماضي، بينما حث البنوك على “تسهيل إصدار البطاقات” للزبائن، ومطالبته بخفض العمولات لتشجيع الليبيين بشكل أكبر على الدفع الإلكتروني.
وبغض النظر عن كل ما يحدث فإن إعادة بناء قدرات الاقتصاد الليبي تكمن في النظام المالي، وهذا لن يحدث إلا بمشاركة المؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها البنك الدولي، والذي عرض قبل سنوات إستراتيجية متكاملة لإصلاحه.
وتشير بيانات الموقع الإلكتروني لاتحاد المصارف العربية إلى أن النظام المصرفي الليبي يضم 38 مؤسسة مالية أكثر من نصفها أجنبية.
وتتوزع بين 16 بنكا محليا، منها المصرف الليبي الخارجي ومصرف الوحدة، و14 بنكا عربيا، منها المؤسسة العربية المصرفية البحرينية ومصرف بيرايوس المصري، إلى جانب 8 بنوك أجنبية أبرزها أتش.أس.بي.سي البريطاني.