اخبار الإقليم والعالم

إيران تصارع إسرائيل بما تبقى من قوة مستنزفة لـمحور المقاومة

وكالة أنباء حضرموت

تدمر “محور المقاومة” الذي كانت إيران تتباهى به منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، ما سيعيد، وفق محللين، ضبط طهران لإستراتيجية الأمن القومي التي تعتمدها.

وتوج اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في السابع والعشرين من سبتمبر فترة استمرت عشرة أيام قتلت خلالها الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية جل قياديي أهم حليف إقليمي لإيران، إضافة إلى تدمير الكثير من هيكل اتصالاته الداخلية.

وردت إيران بإطلاق 180 صاروخا باليستيا على إسرائيل في الأول من أكتوبر. لكن الهجوم لم يحقق أضرار تذكر. كما أبرز قدرة إيران المحدودة على إلحاق الضرر بإسرائيل بترسانتها من الصواريخ الباليستية.

ويرجح ماثيو باي، كبير محللي الشؤون الدولية بشركة استشارات معلومات المخاطر “رين نتوورك”، في تقرير نشره موقع ستراتفور أن الوابل كان مصمما جزئيا لطمأنة حزب الله بأن إيران تدعمه. لكن الضرر الذي تكبده “محور المقاومة” الإيراني قد حدث بالفعل وتراجعت الثقة بين طهران وحزب الله.

وقوضت إستراتيجية إسرائيل العدوانية المتزايدة ضد إيران ووكلائها قدرتها على الانتقام من إسرائيل إذا هاجمتها، وهو أمر أصبح شبه مؤكد إثر هجوم طهران في الأول من أكتوبر.

وفي نفس الوقت، قد يزيد التوغل الإسرائيلي خلال مطلع أكتوبر في جنوب لبنان من إضعاف حزب الله. وتتبع هذه الفترة الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ حوالي سنة ضد حماس في غزة.

وساهمت هذه التحركات بدورها في إضعاف الحركة الفلسطينية المدعومة من إيران، حيث قُتل العديد من قادتها أو من المحتمل أن يكونوا على قائمة إسرائيل المستهدفة.

وتدرس إسرائيل خياراتها الانتقامية ضد إيران. وقد تشعر أنها تتمتع بحرية أكبر في تنفيذ هجوم كبير ضد صناعة النفط الإيرانية والمنشآت النووية والعسكرية لأن حزب الله (جوهرة تاج محور المقاومة) ليس في وضع يسمح له بالرد.

إستراتيجية إيران بالوكالة
إسرائيل تعلم أن طهران لن تخوض الحرب للدفاع عن وكلائها، حتى عندما نفذت هجومها الصاروخي في 1 أكتوبر

ينظر كثيرون في الولايات المتحدة إلى إيران على أنها لاعب شرير غير عقلاني، بينما يبقى محور المقاومة الإيراني متجذرا في براغماتية الأمن القومي.

وتشعر طهران بقلق عميق إزاء تدخل القوى الأجنبية، مثل الولايات المتحدة، في شؤونها الداخلية وتعرض سلامة أراضيها للخطر الشديد.

وتدخلت القوى الخارجية باستمرار في شؤون إيران في التاريخ الحديث، بما في ذلك المعاهدة الروسية – البريطانية لسنة 1907 التي قسمت “بلاد فارس” آنذاك، والغزو الإنجليزي – السوفيتي لإيران في 1941 الذي أجبر رضا شاه على التنازل عن عرش الطاووس، وانقلاب 1953 المدعوم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد رئيس الوزراء آنذاك محمد مصدق.

وأبقى كل هذا جمهورية إيران الإسلامية قلقة باستمرار بشأن تدخل القوى الأجنبية على أراضيها.

وبغض النظر عن مختلف تصريحات الإدارات الأميركية المتعاقبة، كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران من وجهة نظر طهران (ولا تزال) تهدف منذ سنوات عديدة إلى تغيير النظام.

وتبلور هذا القلق الإيراني خلال العقد الأول من القرن الحالي حين شنت الولايات المتحدة حربا في أفغانستان والعراق المجاورتين لها، وأطاحت بحكومتيهما بينما ضم الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش الجمهورية الإسلامية إلى جانب عراق صدام حسين وكوريا الشمالية فيما صنفه “محور الشر”.

وأصبح لذلك من الضروري إستراتيجيا تقليل إيران للوجود والنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، خاصة في العراق وبلاد الشام.

وهنا تحدد نقطة ضعف الإستراتيجية الإيرانية، حيث يمكن أن تستولي قوة قوية معادية لها في العراق بسرعة على مواردها النفطية الحيوية في جنوب غربها، تماما كما فعل صدام حسين بسرعة في الحرب الإيرانية – العراقية خلال الثمانينات.

سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران من وجهة نظر طهران كانت ولا تزال تهدف منذ سنوات عديدة إلى تغيير النظام

وترى إيران بذلك إسرائيل (أقرب حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط) رأس السيف الأميركي في المنطقة. وتشكّل لها قدرتها على استغلال كراهية إسرائيل أيديولوجيا لصالح بقاء النظام فائدة إضافية.

وتبقى إستراتيجية محور المقاومة الإيرانية عنصرا مركزيا في إستراتيجيتها لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.

وتنخفض القدرات العسكرية التقليدية الإيرانية عن تلك التي يتمتع بها جيرانها والولايات المتحدة، حيث يعود تاريخ العديد من الطائرات العسكرية والمدرعات الإيرانية إلى حكم الشاه قبل ثورة 1979. وسعت إيران إلى تعويض أوجه القصور العسكرية التقليدية بإستراتيجية غير متماثلة، تتجسد في عقيدة ردع ودفاع أمامي.

وتشمل ركائز هذا النهج الأساسية إستراتيجية “محور المقاومة” الإيرانية، وإستراتيجية التحوط النووي، وبرنامج الصواريخ متوسطة المدى والطائرات المسيرة.

ويحمل منطق تأسيس محور المقاومة ضمن إستراتيجية إيران غير المتماثلة الأوسع نطاقا ثلاثة أبعاد. أولا، يوفر هذا لإيران عمقا إستراتيجيا في الشرق الأوسط يمكن أن يسمح لها بالتأثير على عملية صنع القرار الإقليمي في دول مثل لبنان والعراق. ثانيا، تمكّن إحاطة إسرائيل بوكلاء مسلحين مثل حماس وحزب الله من توريط الدولة العبرية في التعامل مع جيرانها المباشرين بدلا من أن تكون قادرة على تهديد إيران بشكل أكبر. ومن المرجح أن إيران تأمل اليوم أن يحقق التوغل الإسرائيلي في لبنان هذا بالضبط. وأما ثالثا، فإن تسليح هذه الجماعات الإقليمية يمنح لإيران نهجا غير نووي وغير متماثل لردع إسرائيل والولايات المتحدة عن غزوها أو تنظيم عمل عسكري أو سري كبير ضدها لأن وكلاءها يمكن أن ينتقموا لها بإطلاق مئات الطائرات المسيرة والصواريخ والقذائف.

من المرجح أن تسعى إيران في اليمن أيضا إلى تعميق علاقاتها مع المسلحين الحوثيين

ويمتد محور المقاومة الإيراني اليوم إلى العديد من الجماعات المختلفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حماس في غزة وحزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن، إضافة إلى العديد من الميليشيات الشيعية العراقية والجماعات الكردية.

وهز العام الماضي أساس محور المقاومة وقدرته على تحقيق الأهداف التي سعت إيران إلى بلوغها من خلال شبكتها بالوكالة. واتخذت إسرائيل عدة مرات إجراءات كانت إيران تأمل في أن يردعها محور المقاومة. وأصبحت تل أبيب أكثر جرأة مع اغتيال زعيم حزب الله نصرالله. وبينما لم تهزم إسرائيل حماس وحزب الله بشكل كامل، إلا أنها حطمتهما ولا تبدو قلقة بشأن انتقام حزب الله (وإيران) المحتمل للضربات واسعة النطاق ضد قيادته وأسلحته ونظام اتصالاته.

ولا يزال تأثير اغتيال نصرالله وأعضاء آخرين في حزب الله الأسبوع الماضي، وهجوم البيجر في السابع عشر والثامن عشر من سبتمبر غير واضح على هيكل صنع القرار داخل الجماعة التي تعد أهم وكلاء إيران. كما استهدفت إسرائيل مسؤولين رفيعي المستوى من الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك عبر غارة جوية في أبريل على القنصلية الإيرانية في دمشق حيث كان يجتمع اثنان من كبار جنرالات الحرس الثوري الإيراني، مما دفع طهران إلى الرد بإطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ ضد إسرائيل.

ومن المرجح أن تعتبر إيران العمل العدواني الإسرائيلي ضد “محور المقاومة” خلال العام الماضي استفزازات تتجاوز المعايير السابقة المحددة لحرب الظل بين البلدين. ولكن انتقام إيران ووكلائها بدا حتى الآن تبجحا أكثر من كونه تدميرا، خاصة مع تردد طهران في دعم وكلائها بالتورط المباشر عبر قوات كبيرة على الأرض أو حملة صاروخية وطائرات مسيرة مستمرة على إسرائيل.

وأمكن إضعاف محور المقاومة الإيراني. ويبدو أن إسرائيل تتعلم أن طهران لن تخوض الحرب للدفاع عن وكلائها، حتى عندما نفذت هجومها الصاروخي في الأول من أكتوبر.

التخلي عن الأصدقاء
إستراتيجية محور المقاومة الإيرانية تبقى عنصرا مركزيا في إستراتيجيتها لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة

من الروايات المنتشرة عن الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ومهندس إستراتيجية محور المقاومة الإيرانية الذي قتلته غارة أميركية في 2020، أنه قال ذات مرة مازحا لزعيم ميليشيا عراقية “نحن لسنا مثل الأميركيين. نحن لا نتخلى عن أصدقائنا”. لكن يبدو أن إيران تفعل ذلك بالضبط مع عدم رغبتها الواضحة في الدفاع بشكل كاف عن وكلائها الرئيسيين (حزب الله) ضد العدوان الإسرائيلي.

ويبدو الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر مصمما جزئيا ليظهر لجنود حزب الله العاديين أن طهران تدعمهم. لكن إيران لا تبدو راغبة في شن حرب شاملة مع الولايات المتحدة، حيث منحت تحذيرا كافيا لواشنطن والدول العربية بأن الهجوم سيقع، بدلا من محاولة إبقائه سرا لتضخيم احتمال حدوث ضرر. كما حاولت خلال الأشهر والسنوات الأخيرة الحد من انتقامها من الإجراءات الأميركية والإسرائيلية.

وبدت تلك محاولة منها لتجنب صراع أوسع. وحين قتلت الولايات المتحدة سليماني في 2020، نفذت إيران غارة جوية استهدفت قاعدة في العراق تضم قوات أميركية وطوت الصفحة بعد ذلك (يجدر الذكر أن إيران اتُهمت بتنفيذ مؤامرات اغتيال ضد المسؤولين الأميركيين المتورطين في استهداف سليماني). وبعد سنوات، أطلقت طهران المئات من الطائرات المسيرة والصواريخ في اتجاه إسرائيل إثر الهجوم الإسرائيلي في الأول من أبريل 2024 على القنصلية الإيرانية في دمشق. وبينما كان الهدف الواضح هو إلحاق بعض الضرر بإسرائيل، كان جل الرد بطائرات مسيرة بطيئة الحركة. وكانت طهران تدرك قدرة الأردن والولايات المتحدة وإسرائيل على إسقاطها. ولم يشمل هجوم هذا الأسبوع طائرات مسيرة. لكنه لم يحدث دون سابق إنذار.

التعويض عن الأضرار
اغتيال نصرالله وحالة حزب الله الضعيفة ساهم في تقويض إستراتيجية الردع غير النووية الإيرانية

من المتوقع أن تحتاج إيران إلى الاعتماد بشكل أكبر على الدعم من جماعات “محور المقاومة” التي لم تتكبد نفس الخسائر التي سجلتها حماس وحزب الله للتعويض عن الأضرار التي أحدثتها إسرائيل خلال العام الماضي. ومن المحتمل أن يحول ذلك تركيز طهران إلى تعزيز الدعم للميليشيات الشيعية في العراق، حيث يمكن أن تعزز العديد من التطورات الوشيكة جهودها لتحويل البلاد إلى دولة عميلة فعالة.

وأعلنت واشنطن وبغداد في السابع والعشرين من سبتمبر أنهما توصلتا إلى اتفاق يقضي بأن تخفض الولايات المتحدة وجود قواتها في العراق خلال العام المقبل مع انتهاء عمليات التحالف الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ولم يكن من المفاجئ أن عملية اغتيال إسرائيل لنصرالله في اليوم نفسه طغت على تغطية الإعلان عالميا. لكن الاتفاق يبقى جديرا بالملاحظة، حيث من المرجح أن تمكن البصمة الأميركية الأصغر في العراق إيران من لعب دور أكثر نفوذا في الانتخابات المقبلة في البلاد، المقرر إجراؤها بحلول أكتوبر 2025، وعملية بناء التحالفات اللاحقة بين الفصائل الشيعية. كما أن وفاة رجل الدين الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، البالغ من العمر 94 عاما، في نهاية المطاف قد يفسح المجال لنسخة الأيديولوجية الشيعية الإيرانية ويمكنها من ترسيخ جذورها في البلاد أيضا.

ومن المرجح أن تسعى إيران في اليمن أيضا إلى تعميق علاقاتها مع المسلحين الحوثيين. وأثبت الحوثيون أنهم عنصر حيوي في إستراتيجية محور المقاومة الإيرانية عبر قدرتهم على شن هجمات مدمرة على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، على غرار الهجمات البحرية التي هددت إيران منذ فترة طويلة بتنفيذها في مضيق هرمز.

ويوجد تطور آخر طغى عليه التصعيد بين إسرائيل وحزب الله الأسبوع الماضي، حيث انتشرت أنباء تقول إن إيران تساعد في التوسط للتوصل إلى اتفاق مع روسيا لإرسال صواريخ متطورة مضادة للسفن للحوثيين. وستكون أكثر قدرة من تلك التي تمنحها طهران للجماعة اليمنية. لكن لهذه العلاقات عقباتها وقيودها الخاصة. فلا يتمركز الحوثيون ولا الميليشيات العراقية في بلدان تشترك في الحدود مع إسرائيل.

وبينما أطلق كلاهما صواريخ وطائرات مسيرة في اتجاه إسرائيل، يجعل المدى البعيد الذي يجب أن يقطعاه الاعتراض أسهل.

ويختلف المسلحون العراقيون والحوثيون عن حماس وحزب الله، حيث يفتقرون إلى القدرة على إطلاق مئات الصواريخ قصيرة المدى على أساس يومي لإرباك نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي. كما أثار نفوذ إيران المتنامي في بغداد بعد الإطاحة بصدام حسين في 2003، مثلما فعل الوجود الأميركي، عودة القومية العراقية بين شخصيات مثل رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي يريد تضاءل الوجود الأميركي والإيراني.

ويخاطر انسحاب القوات الأميركية الوشيك لذلك بدفع العراقيين إلى تركيز شكاواهم على نفوذ إيران. كما تضعف الروابط الأيديولوجية الإيرانية في اليمن مع الحوثيين، وهم من طائفة الشيعة الزيدية (على عكس جل الشيعة الإيرانيين والعراقيين)، رغم أن الحوثيين تبنوا بشكل متزايد بعض المبادئ الأيديولوجية الإيرانية بخصوص إسرائيل. وتشكل هذه الجماعات العراقية واليمنية تهديدا أقل لإسرائيل من حزب الله وحماس. لكن لن يكون من المستغرب أن تحاول إسرائيل أيضا قتل قادة الجماعات العراقية واليمنية من خلال إطلاق طائرات مسيرة وصواريخ عليهم خلال الأسابيع المقبلة. وقد تشمل الاغتيالات زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي. لكن إستراتيجية قطع الرأس قد تكون أقل فعالية ضد هذه الجماعات، التي تعد لامركزية مقارنة بحزب الله.

استبدال الردع
يبدو الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر مصمما جزئيا ليظهر لجنود حزب الله العاديين أن طهران تدعمهم

من المرجح أن تشدد إيران موقفها من برنامجها النووي. وساهم اغتيال نصرالله وحالة حزب الله الضعيفة في تقويض إستراتيجية الردع غير النووية الإيرانية. ولكن من غير المرجح أن يدفع هذا وحده إيران إلى تغيير حساباتها بشأن تطوير أسلحة نووية، لكنه سيرفع المزيد من الدعوات داخل النظام السياسي الإيراني لإحياء المزيد من الأبحاث لتطويرها في المستقبل. وسيشكل امتلاك الأسلحة النووية رادعا لأي عمل عسكري كبير ضد إيران، وسيمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل. وتتشجع إيران بأن هذا سيثني الإسرائيليين عن المخاطرة عند استهدافها في المستقبل.

ويمكن لذلك أن يكون العمل الإسرائيلي الأكثر عدوانية الذي يستهدف إيران (مثل الضربات المباشرة المتكررة على الأراضي الإيرانية، أو عودة الولايات المتحدة إلى حملة ضغط قصوى صريحة على غرار تغيير النظام) محفزا لطهران على تطوير رأس حربي نووي، وهو ما ستحاول إسرائيل منعه بأي وسيلة ضرورية.

وينذر هذا بدوره بالمزيد من الضربات الإسرائيلية التي من شأنها أن تعزز رغبة إيران في صنع مثل هذه الأسلحة. ولكن إيران قد تستمر اليوم في إجراء محادثات نووية مع الغرب، وتوحي بانفتاحها على التفاوض. لكن رد إسرائيل الوشيك على الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير قد يغير هذه الحسابات، خاصة إذا انتهزت تل أبيب الفرصة لضرب المواقع النووية الإيرانية الرئيسية، مثل محطة نطنز لتخصيب الوقود، أو جزء رئيسي من قطاع النفط والغاز الإيراني (وهما خياران يقال إن إسرائيل تدرسهما). وإذا كان رد إسرائيل أضيق نطاقا وما زالت إيران تواصل المحادثات النووية مع الغرب، فمن المحتمل أن تتعطل هذه المفاوضات، حيث من غير المرجح أن توافق طهران على تنازلات من شأنها أن تقوض قدرتها على استئناف برنامجها النووي بسرعة إذا استلزم الأمر ذلك.

روسيا والصين
إيران ستعتمد بشكل متزايد على علاقاتها العميقة مع روسيا والصين

عجزت إيران عن تحقيق الردع من خلال وكلائها وحدهم. وستعتمد بشكل متزايد على علاقاتها العميقة مع روسيا والصين. وزودت إيران خلال السنوات الأخيرة روسيا بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية لاستخدامها في أوكرانيا. وتأمل في المقابل الحصول على طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي روسية متقدمة، لتحديث قواتها العسكرية التقليدية وتطوير قدراتها على الدفاع عن نفسها من الضربات الجوية الإسرائيلية والأميركية. ومر خبر رئيسي آخر الأسبوع الماضي دون اهتمام كبير. لكن يجب الانتباه إلى تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال إن نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية هو “قضية مغلقة”، وإن موسكو تقف مع بيونغ يانغ ضد واشنطن وحلفائها.

وبما أن كوريا الشمالية زودت روسيا بالأسلحة اللازمة لحربها في أوكرانيا، يشير بيان لافروف هنا إلى أن روسيا مستعدة الآن لقبول الانتشار النووي على طول حدودها إذا ساعدها ذلك في تأمين الدعم الذي تحتاجه للحفاظ على غزوها لأوكرانيا.

وهذا ما يعني أنه إذا استمرت إيران في دعم جهود روسيا لمحاربة القوات الأوكرانية ومواجهة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فقد تكون موسكو مستعدة أيضا لدعم برنامج إيران النووي في مجلس الأمن الدولي. لكن العلاقات الأعمق مع روسيا والصين تخلق أيضا معضلات إستراتيجية لإيران وإستراتيجية أمنها القومي.

ويمكن أن تقدم روسيا ثقلا موازنا للولايات المتحدة. لكن يُذكر أنه خلال تاريخ إيران الحديث على مدى القرنين الماضيين، كانت موسكو (وليس واشنطن) هي التي تتدخل في الشؤون الإيرانية.

وتقاتلت الإمبراطوريتان الروسية والفارسية لقرون على النفوذ في منطقة القوقاز الواقعة بينهما. وبينما تتكاتف إيران وروسيا اليوم، يمكن وصف تعاونهما في أحسن الأحوال بأنه “زواج مصلحة”، وليس شراكة إستراتيجية حقيقية. ويُذكر أن تدخلات روسيا التاريخية في إيران أثارت رد فعل شعبي عنيف في 2016، حيث اعتمدت موسكو قاعدة جوية إيرانية لتنفيذ ضربات عسكرية في سوريا. ومنحت روسيا مؤخرا دعمها لممر زنغزور المقترح بين بر أذربيجان الرئيسي وإقليم نخجوان الأذري المتمتع بالحكم الذاتي. ويخترق الممر أرمينيا على الحدود مع إيران. وحذر وزير الخارجية الإيراني مؤخرا من أن هذا “غير مقبول على الإطلاق” لأنه سيعيد رسم حدود بلاده مع جارتها أرمينيا.

وتعمقت العلاقات الإيرانية – الصينية خلال السنوات الأخيرة. واحتفل البلدان في 2021 بشراكتهما التي استمرت 25 عاما. وتأمل إيران أن تتطور الروابط في النهاية إلى علاقة دفاعية تمنحها إمكانية الوصول إلى المزيد من المعدات العسكرية الصينية إضافة إلى المعدات الروسية. لكن الصين لا تقدم الكثير لإستراتيجية الأمن القومي الإيراني بسبب عدم رغبة بكين الواضحة في انتهاك العقوبات الأميركية على طهران بشكل كبير. ومن غير المرجح أن تهرع الصين لمساعدة إيران عسكريا في حالة نشوب صراع مع الولايات المتحدة أو إسرائيل أو أي طرف آخر. وتبقى الصين في أحسن الأحوال زبونة للنفط الإيراني. ويخاطر التودد إلى روسيا والصين بجعل إيران تعتمد بشكل مفرط على القوى غير الغربية. وكانت هذه حجة رئيسية كررها قادة إيرانيون مثل الرئيس السابق حسن روحاني والرئيس الجديد مسعود بزشكيان، اللذين يؤيدان توقيع اتفاق نووي مع الغرب في محاولة لضمان عدم توسع نفوذ روسيا والصين في إيران إلى الحد الذي يمكّنهما من التدخل في سيادة البلاد وتشكيل سلوكها.

ويبقى في النهاية أن نرى كيف سيعيد محور المقاومة الضعيف تشكيل إستراتيجية الأمن القومي الإيراني. لكن لا توجد طريقة واضحة مثلى تمكن طهران من المضي قدما. وتشمل كل بدائلها للردع ضد إسرائيل والولايات المتحدة (أي الاعتماد بشكل أكبر على التهديدات النووية أو الوكلاء الآخرين أو القوى العالمية الأخرى) مجموعة فريدة من العيوب.

انتقالي أبين يناقش الاستعداد لأحياء الذكرى الـ 61 لثورة 14 أكتوبر


المصري عمر مرموش يقدم أوراق اعتماده بقوة في البوندسليغا


توفير القمح أولوية مصرية مع تنامي الأخطار الإقليمية


بعد قرار العدل الأوروبية: المغرب يرفض أي اتفاق لا يحترم وحدته الترابية