اخبار الإقليم والعالم

تطهير عرقي ومقابر جماعية.. أدلة جديدة توثق «فظائع» الجيش السوداني بالجزيرة

وكالة أنباء حضرموت

عمليات قتل جماعي للمدنيين، جثث تطفو في القنوات المائية، استهداف متعمد للمجتمعات غير العربية، وغارات على مناطق مأهولة بالسكان، ملامح انتهاكات وثقتها أدلة جديدة لتكشف عن حملة عنف منظمة يقودها الجيش السوداني ومليشياته المتحالفة، في المناطق التي يسيطر عليها.

فبزعم التعاون مع قوات الدعم السريع، ارتكبت قوات الجيش السوداني، سلسلة انتهاكات خطيرة قد ترقى إلى تطهير عرقي وجريمة حرب، في ولاية الجزيرة السودانية، بحسب مسؤولين أمميين، وأدلة جمعها تحقيق لـ«سي إن إن».

هذه الأدلة تأتي لتدعم ما أكدت عليه رحاب المبارك، عضو المكتب التنفيذي لـ«محامو الطوارئ» في السودان، في تصريحات لـ«العين الإخبارية»، قائلة إن الجيش السوداني وكتائبه ارتكبوا جرائم حرب متعمدة، شملت غارات جوية على مناطق مأهولة، تصفية خصوم سياسيين، واعتداءات عرقية على سكان الكنابي بزعم تعاونهم مع قوات الدعم السريع.

تلك الحلقات مجتمعة، تبرز أن هذه الانتهاكات لم تكن مجرد تجاوزات فردية، بل حملة منظمة صدرت أوامرها من أعلى قيادة الجيش، في تحد صارخ للقانون الدولي والإنساني، مؤكدًا مرة أخرى تورط القيادة السودانية في «فظائع لا تغتفر».

الأمر الذي أشار إليه أحد أعضاء بعثة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في السودان والذي وصف تصرفات القوات المسلحة في هذه المنطقة بأنها «إبادة مستهدفة للبشر»، مؤكدًا أنها قد تُشكل «تطهيرًا عرقيًا»، وهو ما يعد جريمة حرب.

فخلال تقدم القوات المسلحة لاستعادة مدينة ود مدني، أصبح واضحًا طبيعة العنف الموجه عرقيًا، وفقًا لتحقيق «سي إن إن».

وقال خبراء إن الهجمات كانت موجهة إلى حد كبير ضد الأشخاص من خلفيات غير عربية، بما في ذلك القادمون من منطقة دارفور الغربية.

وبحسب «سي إن إن»، فإن تلك السياسة تشبه إلى حد كبير «الإبادة» التي وقعت في دارفور في أوائل الألفية، حين استهدفت الحكومة السودانية، المجتمعات غير العربية بشكل منهجي.

ما أشارت إليه الشبكة الأمريكية، من تصاعد نزيف الدماء مع دخول الجيش إلى ضواحي ود مدني في 11 يناير/كانون الثاني، استنادًا إلى التطهير العرقي، أكده ضابط من القوات المسلحة، والذي طلب عدم ذكر اسمه، قائلا إن «أي شخص يبدو أنه من النوبيين (الشعب الأصلي في جنوب السودان)، أو من غرب السودان أو الجنوب، يُقتل فورًا».

وقال قائد استخبارات كبير أشرف على القوات على الأرض، إن الجنود فتحوا النار على مئات الأشخاص الذين خرجوا للاحتفال بوصولهم، واصفًا الضحايا بأنهم من جنوب السودان.

وحددت «سي إن إن» العديد من الفيديوهات في نفس الموقع الذي وصفه الضابط – المعروف باسم جسر الشرطة – لإعادة بناء سلسلة من الأحداث المميتة.

سلسلة أحداث مميتة
في فجر 12 يناير/كانون الثاني، اندلعت اشتباكات عنيفة عند جسر الشرطة، حيث زُعم أن الجيش أسر أعضاء من قوات الدعم السريع كانوا يحاولون الفرار.

إلا أن الفيديوهات التي تم تصويرها بعد الاشتباكات أظهرت جثثًا مبعثرة، يرتدي بعضها زي قوات الدعم السريع، إلا أن أخرى كانت ترتدي الملابس المدنية، ومحاطة بمركبات محترقة ومقلوبة.

وأظهرت مقاطع فيديو أخرى إعدام رجال عزل يرتدون ملابس مدنية.

وبحلول اليوم التالي، 13 يناير/كانون الثاني، تم إزالة المركبات المحترقة والجثث من الطريق. وأظهر أحد المقاطع، الذي تم تصويره على الأرجح في صباح ذلك اليوم وفقًا للظلال، جنودًا يسترخون في ساحة فارغة بجانب نقطة تفتيش شرطة، ما يشير إلى استعادة السيطرة وانتهاء القتال في المنطقة.

لكن ما حدث بعد ذلك تكشفه الفيديوهات من نفس الموقع في وقت لاحق من اليوم نفسه، حيث تظهر جثث ما لا يقل عن 50 شابًا، جميعهم يرتدون ملابس يومية وكثيرون حُفاة القدمين، بدون أسلحة ظاهرة.

ويبدو أن العديد قد قُتلوا مؤخرًا، مع برك دماء تحتهم وجرحى بطلقات نارية واضحة بالرأس. ةفي مقطع فيديو، زعم أحد المقاتلين أن الرجال أجانب، متهمًا إياهم بأنهم من دول أخرى.

وتظل الجثث مرئية في فيديو من اليوم التالي، 14 يناير/كانون الثاني، فيما تشير النتائج إلى أن الأشخاص – بمن فيهم المدنيون – كانوا لا يزالون يُقتلون عند جسر الشرطة في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، رغم انتهاء القتال في المنطقة.

ووفقًا للقانون الإنساني الدولي، فإن قتل المدنيين أو المقاتلين العزل يعد جريمة حرب.

اعترافات
وقال ضابط الاستخبارات الكبير الذي كان حاضرًا عند جسر الشرطة إن بعض الضحايا دفنوا في مقبرة جماعية في الموقع، إلى جانب مقاتلي قوات الدعم السريع الذين قُتلوا.

وتُظهر صور الأقمار الصناعية من هذه الفترة، التي راجعها مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل وCNN، خمس بقع دماء جديدة عند جسر الشرطة. وفي إحدى هذه المناطق، يمكن رؤية أجسام بيضاء تتوافق مع جثث بشرية.

وذكرت مصادر متعددة لشبكة CNN أن تصرفات القوات المسلحة في الجزيرة شكلت جزءًا من حملة منظمة، صدرت أوامرها من أعلى مستويات القيادة.

ووفقًا لأربعة مصادر مطلعة، بما في ذلك مسؤولون أمنيون حاليون، شارك أحد المسؤولين في جهاز المخابرات السوداني في تنسيق الهجمات في ولاية الجزيرة.

في مايو/أيار الماضي، وصف البرهان الجيش وجهاز المخابرات بأنهما «وجهان لعملة واحدة»، ما يشير إلى نفوذه على الوكالة.

وأفادت أحد المصادر لـ CNN وLighthouse Reports أن البرهان علم في يناير/كانون الثاني بأن قتلى من المدنيين يرتكبها مقاتلون تابعون للقوات المسلحة.

حملة أوسع من العنف
يبدو أن ما حدث على طريق ود مدني كان جزءًا من نمط أوسع من التكتيكات التي استخدمتها القوات المسلحة وقواتها الداعمة، فخلال الأشهر المحيطة باستعادة المدينة، نفذ الجنود أيضًا هجمات واسعة على شعب الكنابي – مجتمع غير عربي مهمش يواجه قيودًا على السكن والتعليم، وأغلب أعضائه من أحفاد العمال المهاجرين من جنوب السودان ومنطقة دارفور.

وغالبًا ما يعيش الكنابي في مستوطنات زراعية صغيرة تعرف محليًا باسم «كامبو».

ويُعتقد أن الكنابي يشكل نحو نصف سكان ولاية الجزيرة، ومع ذلك فقد تعرضوا طويلًا للتمييز والهجمات العرقية المدعومة من الدولة، وفقًا لمجموعة حقوق الكنابي.

ومن خلال مزيج من شهادات الشهود والتقارير مفتوحة المصدر، أكدت التحقيق، أنه بين أكتوبر/تشرين الأول 2024 ومايو/أيار 2025، هاجمت القوات المسلحة السودانية والمليشيات المتحالفة معها 39 كامبو في الجزيرة و18 كامبو أخرى في ولاية سنار المجاورة. كما تم الإبلاغ عن هجمات على 87 كامبو إضافيًا في الولايتين.

ولم تكتف بذلك، بل هاجمت قوات الجيش السوداني والمليشيات المتحالفة عشرات الأماكن الأخرى في ولاية الجزيرة، في حملة استمرت على مدار ثمانية أشهر لاحقة.

وتحدث أحد الضحايا قائلا: قالوا لنا إنهم لا يريدون أي شخص أسود (غير عربي) هنا... يجب أن يغادر الناس ويعيشوا بعيدًا عن ود مدني.

تلك التصرفات، قال عنها الدكتور سليمان بلدو المدير التنفيذي للمرصد السوداني للشفافية والسياسات، إنها «لغة موجهة، تمنح من يستخدمها نوعًا من الترخيص للتطهير العرقي، لأنهم يعتبرون الجنوبيين أو أصحاب الملامح الأفريقية مواطنين من الدرجة الثانية – وبالتالي يمكن التخلص منهم».

جثث تطفو
وبحسب التحقيق، فإن القتل والصدمات التي حدثت خلال هذه الحملة تركت أثرًا لا يمحى في ولاية الجزيرة، وهو ما أشارت إليه امرأة من دار السلام، قائلة: «لا أستطيع العودة، الحزن على أطفالي هائل».

فيما روت امرأة أخرى كيف كانت المجاري المائية تجلب المزيد من الجثث كل بضعة أيام، في وضع، لا يزال تحقيق العدالة أو مساءلة المسؤولين عنه أمرًا مستحيلًا.

تلك الروايات، أكدتها عضو المكتب التنفيذي لـ«محامو الطوارئ» في السودان، رحاب المبارك، والتي أشارت خلال حديثها لـ«العين الإخبارية»، إلى أن الجيش السوداني والكتائب العسكرية المتطرفة المتحالفة معه، ارتكبت العديد من جرائم الحرب في ولاية الجزيرة.

وأوضحت أن كثيرًا من الجرائم التي ارتكبها الطيران الحربي للجيش السوداني، جاءت نتيجة لعدم وجود أدنى مسؤولية أخلاقية وفقاً لقانون «النسبة والتناسب».

وأضافت أن «طيران الجيش السوداني تعمد قصف مناطق مدنية مأهولة بالسكان تحت مبررات حربه ضد قوات الدعم السريع، دون أدنى مراعاة لحياة المدنيين».

وأشارت إلى «ما حدث في مدينة الحصاحيصا في وسط الجزيرة، حيث تسببت الغارات الجوية في خسائر بشرية ومادية موثوقة ومؤكدة لدى الأهالي هناك».

دوافع الهجمات
وحول دوافع تلك الهجمات، قالت عضو المكتب التنفيذي لـ«محامو الطوارئ»، إن كثيرًا من الجرائم التي ارتكبتها المليشيات المتحالفة مع الجيش السوداني في ولاية الجزيرة، تمت بدوافع عرقية وسياسية، وتحت مرأى ومسامع قيادات الجيش السوداني.

واستدلت على أن ذلك بأن سكان ما يعرف بـ«الكنابي» في ولاية الجزيرة - وهم مجموعات سكانية من المزارعين والعمال في مشروع الجزيرة الزراعي، وينحدرون -غالبيتهم- من إقليم دارفور غربي السودان، تعرضوا إبان إعادة الجيش السوداني سيطرته على ولاية الجزيرة، إلى انتهاكات جسيمة، كانت تتم على أسس عرقية.

وأشارت إلى أن قوات «درع السودان» المتحالفة مع الجيش السوداني، والتي يقودها أبو عاقلة كيكل، مارست صنوفاً من الانتهاكات والقتل والتنكيل بسكان الكنابي، بحجة أنهم يمثلون حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع.

وكذلك تعرض كثير من المدنيين في ولاية الجزيرة لانتهاكات جسيمة، قامت بها مليشيات البراء بن مالك الإخوانية، بغرض تصفية حساباتها مع الخصوم السياسيين، وبزعم أنهم تعاونوا مع قوات الدعم السريع إبان فترة سيطرتها على ولاية الجزيرة، بحسب المبارك، التي أكدت أن الجيش السوداني نفسه كان قد اعترف بوجود جرائم وانتهاكات في ولاية الجزيرة، إلا أنه رفض دخول بعثات تقصي الحقائق إلى هناك، وخاصة بعد بروز تقارير تتحدث عن استخدامه للسلاح الكيماوي في ولاية الجزيرة.

زراعة ذكية وتحلية مياه البحر.. توصيات المؤتمر البيئي الدولي في اليمن


بين التحذير والنفي.. مناورة صاروخية إيرانية ترفع حرارة الشرق الأوسط


سيدرا الحبابي.. طفلة يمنية تستعيد خطواتها بلمسة إماراتية


115 مليون دولار غرامة.. «أبل» تسيء استخدام هيمنتها في السوق الأوروبية