سوريا تلاحق أرصدتها المجمدة لضخها في الاقتصاد
تكثف الحكومة السورية والسلطة النقدية جهودهما لاستثمار الأرصدة والأصول المجمدة في الخارج لضخها في تنمية الاقتصاد المتعطش لكل دولار من أجل ترميم التشوهات العميقة التي تعتريه بسبب سنوات الحرب والعقوبات.
وتحت ضغط قلة الإمكانيات تحاول دمشق الاستفادة من أموال مجمدة في حسابات مصرفية خارجية في تغطية مشترياتها من المواد الغذائية وأيضا استثمارها في مشاريع تعود بالنفع على السوريين.
ولا توجد بيانات دقيقة حول حجم تلك الأموال بخلاف ما أعلنت عنه سويسرا في نهاية العام الماضي، من أنها تحتفظ بما قيمته 112 مليون دولار، لكن البعض يعتقد أنها تقدر بمليارات الدولارات.
وكشف حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر الحصرية الأحد أن البنك يعمل على حصر ومراجعة قانونية الحسابات والأرصدة المجمدة في الخارج، بالتزامن مع دراسة كيفية إدارتها.
وأفصح في مقابلة مع وكالة الأنباء القطرية الرسمية بأنه “لا توجد عقبات سياسية في إدارة الأرصدة المجمدة، ولكن هناك بعض القضايا القانونية المرتبطة بقروض صناديق التنمية.”
وكان الحصرية قد كشف في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق في وقت سابق هذا الشهر عن قيام المركزي بحصر كامل الأموال المجمدة في الخارج.
وتطرق خلال حديثه إلى إعطاء الأولوية لإصلاح النظام المصرفي ليتماشى مع المعايير الدولية، وتأهيل البنوك المحلية لتتمكن من المساهمة في جهود إعادة الإعمار بعد تقدير الخسائر المنجرة عن الحرب بأكثر من 800 مليار دولار.
ويعمل المركزي للتأكد من أن البنوك العاملة في السوق المحلية، والبالغ عددها 6 بنوك حكومية و15 بنكا خاصاً، تتوافق في أنظمتها وتشغيلها مع المعايير العالمية وملائمة لقوانين الحوكمة، كما يسعى إلى تأهيلها لتتمكن من المساهمة في إعادة إعمار البلاد.
وثمة خطط لمنح تراخيص لتأسيس أو فتح فروع لبنوك جديدة، بعد أن أبدت مؤسسات مصرفية عربية وأجنبية اهتمامها بالدخول إلى السوق للمشاركة في النهوض بالاقتصاد المدمر جراء سنوات الحرب والعقوبات الأميركية والأوروبية.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن عن رفع العقوبات المفروضة على دمشق خلال زيارته إلى الرياض في منتصف مايو الماضي، وأكد أن ذلك استجابة لطلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وبعد ذلك بأيام قرر الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية عن البلد، متعهداً بالمساهمة في جهود إعادة الإعمار في المستقبل بما يتماشى مع التطورات.
وترتكز السياسة الحالية للمركزي على محاور رئيسية، أبرزها تحقيق الاستقرار النقدي، وبناء إطار مؤسسي وأدوات للسياسة النقدية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وترخيص بنوك جديدة تلبية لحاجات الاقتصاد السوري.
وفي خضم جهود الإصلاح أكد الحصرية أثناء المقابلة أن العمل جار على تطوير أنظمة دفع مملوكة بالكامل للمركزي، تمهيدا للانفتاح على القطاع الخاص، وتوسيع نطاق الخدمات المالية المبتكرة.
ويُعد النظام المالي أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد السوري المنهك، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة نتيجة تراكمات عقود من السياسات الاقتصادية، فضلاً عن آثار الحرب.
وقبل الأزمة كان القطاع المصرفي يتميّز بكونه مُغلقًا ومركزيًا إلى حد كبير، حيث هيمنت البنوك الحكومية على المشهد، كالمصرف التجاري السوري والمصرف العقاري.
وكان دور البنوك الخاصة محدودًا للغاية، إلى أن بدأ الانفتاح التدريجي قبل عقدين عبر السماح بإنشاء بنوك خاصة وشركات تمويل صغيرة.
ومع اندلاع النزاع دخل القطاع في حالة من الانكماش والجمود، حيث فقدت الليرة جزءًا كبيرًا من قيمتها، وفرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية قاسية على دمشق، شملت القطاع المالي.
أبرز محاور سياسة المصرف المركزي
تحقيق الاستقرار النقدي
بناء إطار مؤسسي وأدوات للسياسة النقدية
إعادة هيكلة القطاع المصرفي
الترخيص لتأسيس بنوك جديدة
وبحسب حاكم المركزي فقد تحسن سعر صرف الليرة بنحو 35 في المئة منذ الإطاحة بنظام باشر الأسد، واستقرت الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق في مستويات محدودة، ما “يعكس نجاح الإجراءات المتبعة.”
وأبقى البنك الأحد سعر صرف الدولار في البنوك عند 11 ألف ليرة للشراء و11.11 ألف ليرة للبيع. وبلغ السعر الوسطي 11.055 ألف ليرة للدولار الواحد.
وسوريا في أمسّ الحاجة إلى الأموال للنهوض بالاقتصاد، لذلك تعمل في كل الاتجاهات من أجل تحسين علاقاتها مع جيرانها في الشرق الأوسط ومع المؤسسات المالية الدولية، وأيضا مع الصين وأوروبا والولايات المتحدة.
واعتمد المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي الموازنة العامة للدولة لعام 2025، بنحو 52.6 مليار ليرة (أكثر بقليل من 4 مليارات دولار). وهذا المبلغ قليل لمواجهة فجوات كثيرة تحتاج إلى مليارات الدولارات.
وكشف الرئيس السوري أحمد الشرع خلال جلسة حوارية عقدها في محافظة إدلب الأحد أن بلاده استقطبت استثمارات خارجية بقيمة 28 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الماضية، مع توقعات بارتفاعها إلى 100 مليار دولار، “ما يشكل أساساً لإعادة الإعمار.”
وشدد الحصرية على أن السياسة الجديدة ترفض الاقتراض والاستدانة من الأسواق الخارجية، وتفضل جذب الاستثمارات الأجنبية والتمويل من صناديق التنمية، للحفاظ على استقلالية القرار الاقتصادي والنقدي، مؤكداً عدم ربط الليرة بأي عملة أجنبية.
وأشار إلى أن رفع العقوبات في مايو الماضي أعاد الزخم لتفعيل شبكة سويفت مع المصارف العالمية، مؤكداً أهمية تحديث التشريعات وتعزيز أنظمة مكافحة غسل الأموال لبناء الثقة مع الشركاء الدوليين.
ونوه حاكم المركزي بأن البنك يلعب دوراً محورياً في جذب الاستثمارات من خلال توسيع شبكة المراسلين، ومعالجة مشاكل السيولة، وتحديث التشريعات بما يعزز استقلالية المصرف المركزي، لافتاً إلى اهتمام أكثر من 70 جهة بتأسيس بنوك جديدة في سوريا.
كما أعلن عن إعادة تفعيل مشروع التمويل العقاري بالتعاون مع وزارة المالية، بما يتيح تحويل الإيجار إلى أقساط تملك، مع مراعاة استقرار السوق العقارية.
ومشروع التمويل العقاري الذي أسس عام 2009 وتعطل بفعل الأحداث يعود ضمن خطة متكاملة بالتعاون مع وزارة المالية.
ويقوم المشروع على نظام تمويل عقاري متكامل وحديث يراعي مستويات الدخل، ويتيح للمستأجرين شراء المساكن وتحويل ما يدفعونه كبدل إيجار إلى أقساط تملك، بما يسهم في عودة المهجرين واستقرار الأسر.