لماذا غابت حركة فتح وحضر تيار دحلان اجتماعات الفصائل في القاهرة
مع أن القاهرة تتحاور مع السلطة الفلسطينية وتؤيد دورها في غزة وتقوم بتدريب نحو خمسة آلاف من قوات تابعة لها لحفظ الأمن في القطاع بعد وقف الحرب، غير أن حركة فتح التي تدير السلطة من رام االله لم تشارك في اجتماعات الفصائل بالقاهرة، بينما شارك تيار الإصلاح في حركة فتح ويقوده محمد دحلان في الاجتماعات.
ولم يعرف إذا ما كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبومازن) رافضا لاجتماع الفصائل بالقاهرة والقوى المشاركة فيه وغير مقتنع بمخرجاته، أم جاء الغياب بناء على طلب من حماس وقوى أخرى، وفي كل الحالات تؤيد مصر ودول عربية دورا فاعلا للسلطة، وتراها الرأس الذي يجب الحوار معه من قبل المجتمع الدولي.
وما يرجّح أن السلطة لا تريد بناء تفاهمات مع الفصائل والنأي بنفسها عنها هو زيارة رئيس وزراء فلسطين محمد مصطفى الذي سيبدأ الأحد، زيارة إلى القاهرة لإجراء مباحثات بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وقالت صحيفة “الأخبار” السبت “يستقبل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي الأحد، رئيس الوزراء الفلسطيني بمقر مجلس الوزراء في مدينة العلمين الجديدة (شمال).” دون تحديد مدة الزيارة.
وأضافت “من المقرّر أن يعقد وزير خارجية مصر جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء الفلسطيني، تتناول مستجدات الأوضاع الإنسانية والطبية الكارثية في قطاع غزة، وجهود مصر للتوصل إلى وقف إطلاق النار (بين إسرائيل وحركة حماس) وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع”.
وبدأت السلطات المصرية تحركات على أكثر من مستوى لدعم المبادرة الفرنسية – السعودية المستندة على حل الدولتين، والاستفادة من الزخم الذي خلّفه مؤتمر نيويورك الشهر الماضي، والذي سيكون لمؤيده موقف سياسي مهم للاعتراف بدولة فلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
وتسعى القاهرة نحو تذليل العقبات أمام الانقسام الفلسطيني، وإيجاد توافق وطني بين حركات وفصائل مختلفة، وهو ما جعلها تستضيف سبعة فصائل أخيرا، لإجراء تفاهمات بينها، وبلورة رؤية متقاربة، لمواجهة عاصفتي التهجير والاستيطان اللتين تدفع باتجاههما إسرائيل بقوة، لتخريب فكرة حل الدولتين التي وجدت تأييدا دوليا.
◙ تحركات القاهرة تهدف إلى دعم حل الدولتين الذي ترعاه الرياض وباريس بما يفضي إلى خروج تدريجي لحماس من المشهد
وأكدت فصائل فلسطينية في ختام اجتماع عقدته في القاهرة، الخميس، تجاوبها مع مبادرات ومقترحات وقف العدوان على غزة ورفع الحصار وضمان دخول المساعدات، معربة في بيان مشترك لها، عن تقديرها للجهود التي تبذلها مصر وقطر في دعم القضية الفلسطينية، وإنهاء معاناة غزة ودفع مساعي تحقيق الوحدة الفلسطينية.
جاء اجتماع الفصائل في القاهرة على هامش محادثات أجرتها حركة حماس مع الوسيط المصري للاتفاق على صفقة جديدة مع إسرائيل توقف عدوانها على مدينة غزة، وفي محاولة لمنع انفراد حماس بالقرار، وعدم تأكيد مزاعم إسرائيل في استهداف سكان القطاع باعتباره رهينة في يد حماس، وتسعى مصر لتوصيل رسالة إلى المجتمع الدولي بأن الحركة لا تهيمن على مفاصل القرار بمفردها في غزة، وهناك فصائل أخرى تتشارك معها الدور ويجب الحوار معها.
ودعت الفصائل في اجتماع القاهرة، مصر إلى رعاية اجتماع وطني طارئ يضم كافة القوى الفلسطينية، “بهدف الاتفاق على إستراتيجية وطنية موحدة لمواجهة مخططات الاحتلال، وتحقيق الأهداف في الحرية وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس“.
ومن المهم الاستفادة من الأجواء الدولية التي تهيأت أخيرا لدعم فكرة الدولة الفلسطينية، ولن يكون التعامل مفيدا ما لم تكن هناك لُحمة وطنية، تجهض ذرائع بعض الجهات بشأن وجود انقسام فلسطيني لا يسمح بحوار فعّال، وهو ما استغلته إسرائيل على مدار سنوات لتعطيل أيّ مفاوضات جادة مع السلطة الفلسطينية.
ويقول مراقبون إن تحركات القاهرة تهدف إلى جمع شمل الفصائل الفلسطينية ودعم حل الدولتين الذي ترعاه الرياض وباريس، ما يصب في صالح خروج تدريجي لحركة حماس من المشهدين السياسي والأمني، والتعامل معها كجزء من النسيج الفلسطيني العام، وليست كله، لإجهاض عملية التركيز الإسرائيلية على تصرفات الحركة، وعدم الوثوق في توجهاتها، وإيجاد حل وسط للتخلص منها وخروج قياداتها من غزة.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الكشف عن مخطط تهويد جديد برعاية وزير المالية بتسلئيل سموتيريش لبناء الآلاف من المستوطنات في الضفة الغربية، يرمي إلى تقسيمها، ووضع عراقيل في طريق حل الدولتين، ما يستوجب تحركات فلسطينية سريعة للتصدي له، ويعد خيار وقف الانقسام والتفاهم والتوافق الوطني وسيلة ناجعة في هذه المرحلة.
وحذّرت الفصائل من المخطط التهويدي في الضفة الغربية، والذي يسعى إلى فرض سيطرة كاملة عليها وتهجير السكان ومصادرة الأراضي، وإدخال الملايين من المستوطنين ضمن مخطط إحلالي متدرّج، مؤكدة على ضرورة وضع خطط وطنية عاجلة لمواجهة ذلك، وحماية الوجود الفلسطيني والعربي وإجهاض المخططات الإسرائيلية.
◙ مصر تحتاج إلى زيادة تحركاتها والتنسيق مع دول عربية أخرى في إطار استعادة قدر من اللُّحمة الوطنية بين القوى الفلسطينية
وشددت الفصائل، على أن ما يسمّى “رؤية إسرائيل الكبرى” التي أكد عليها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، مشروع توسعي يهدد الأمن القومي العربي وحقوق الشعب الفلسطيني، ويستهدف مصر والأردن والسعودية وسوريا والعراق ولبنان، ويتطلب تضافر الجهود العربية لإفشاله وحماية الأمة.
وقال نتنياهو في مقابلة مع قناة “i24” العبرية إنه مرتبط بشدة برؤية إسرائيل الكبرى، ردا على سؤال عمّا إذا كان يشعر بأنه في مهمة نيابة عن الشعب اليهودي.
وأشادت الفصائل الفلسطينية بالحراك الدولي دعما للشعب الفلسطيني، داعية العرب والأصدقاء في العالم، ومنظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الحقوقية، إلى تَحّمل مسؤولياتهم التاريخية والقانونية تجاه شعبنا الفلسطيني، وممارسة الضغط الجاد على الاحتلال لوقف جرائمه فورًا، ومحاسبته على انتهاكاته المتواصلة.
وأحيت عملية التقارب بين الفصائل الفلسطينية جهودا سابقة قامت بها مصر، لكنها تحطّمت على عتبات تغليب المصالح الحركية على الوطنية، والنظرة الضيقة للصراع مع إسرائيل، وأسهمت سيطرة حماس على قطاع غزة في زيادة غطرستها على حركة فتح وغيرها من الفصائل الفلسطينية، لكن اليوم وبعد انكسار حماس عسكريا لم تعد الحركة تملك رفاهية تعطيل التوافق الوطني، وكل ما يهمها أن تصبح جزءا من كل.
وتحتاج مصر إلى زيادة تحركاتها والتنسيق مع دول عربية أخرى في إطار استعادة قدر من اللُّحمة الوطنية بين القوى الفلسطينية، وقد يكون اجتماع سبعة فصائل في القاهرة بداية لخطوات تالية، لأن حل الدولتين مرهون بوجود جهة فلسطينية واحدة تتحاور مع المجتمع الدولي، لأن تعدد الجهات تستفيد منه إسرائيل، ويحقق غرضها في تصفية القضية الفلسطينية تماما.
والفصائل السبعة الموقعة على بيان القاهرة، هي: حركة حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، والجبهة الشعبية القيادة العامة، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، ولجان المقاومة الشعبية.