تحالف المضطرين: اقتراب مصر من الانضمام لمشروع الطائرة التركية قآن
تحدثت وسائل إعلام محلية وأجنبية عن اقتراب مصر من الانضمام إلى المشروع الإستراتيجي التركي لتطوير المقاتلة الشبحية “قآن”، باعتبارها صفقة تعاون عسكري مهمة، لكنها تنطوي على ما هو أبعد من كونها صفقة بين بلدين، كانا حتى وقت قريب بعيدين عن بعضهما، ولديهما الكثير من الخلافات السياسية.
ويفوق التعاون الجديد ما جرى الحديث عنه علنا من أن أنقرة تسعى إلى التعويض عن حرمانها من امتلاك طائرة “إف – 35” الأميركية عقب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس – 400″، أو قيام واشنطن بفرض قيود على مصر في عملية توريد الأسلحة المتقدمة، حيث يعتزم البلدان، مع قوى كبرى، التعاون من أجل عدم تمكين الولايات المتحدة وإسرائيل من رسم خرائطهما الجغرافية في منطقة الشرق الأوسط، وتعيين حدودها بالطريقة التي تحقق أهدافهما وحدهما.
وتيقنت القاهرة وأنقرة من أن ما يجري في المنطقة يتعارض مع مصالحهما تماما، ويحتاج إلى نبذ الخلافات السياسية التي سادت طوال السنوات الماضية وتجاوز العقبات، والتركيز على بناء علاقة إستراتيجية متينة، وليكون التعاون في المجال العسكري نقطة بداية وليس نهاية، لما يحويه من أهمية مشتركة، وما ينطوي عليه من رسائل تؤكد عدم الرضوخ لإرادة قوى بعينها، وأن هناك قوى إقليمية تستطيع تطوير صناعاتها العسكرية، كي لا تكون رهينة لإرادة الولايات المتحدة أو غيرها.
نجاح أنقرة في جذب مصر وإسبانيا والإمارات إلى مشروع "قآن"، يعد إنجازا كبيرًا في الصناعات العسكرية التركية
وفرضت التحديات التي يواجهها البلدان تعاونا كبيرا لا توجد دواع ليكون سرا الآن، من دون إخلال بتحالف كل منهما مع الولايات المتحدة، والحفاظ على العلاقات الوطيدة مع دول الاتحاد الأوروبي، ما يساعد على فهم أبعاد التعاون في النطاق الدفاعي أو الردعي، فما شهدته المنطقة من انفلات وصراعات وحروب وتصاعد في نفوذ إسرائيل جعل مصر وتركيا تتجهان إلى وضع أياديهما على زناد أسلحتهما، تحسبا من أيّ مفاجآت إقليمية، فأهداف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد لا تقف عند حدود قطاع غزة وسوريا ولبنان، ولا تخفي بعض التقارير مخاوف من تنامي القدرات العسكرية لمصر، وطموحات تركيا في سوريا.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إنه مع تراجع المشروع الإيراني وتفوق المشروع الإسرائيلي واعتماده على الآلة العسكرية من الضروري وجود تعاون بين القاهرة وأنقرة، والاستفادة من التكنولوجيا التركية في صناعة الطائرات الشبحية والمسيّرات المتقدمة، لأن غالبية الدول الكبرى لا توفر غطاء تقنيا مفتوحا، فالصين التي تنفتح على مصر تبدو متحفظة على منحها طائرات معينة، أو بيع أجهزة دفاع من نوع خاص، كذلك حال تركيا مع الولايات المتحدة.
وكشفت المصادر ذاتها أن التعاون في الصناعات العسكرية بين مصر وتركيا له أهداف سياسية أيضا، حيث يطوي صفحة الخلاف بينهما، ويفتح المجال للتنسيق في تسوية بعض القضايا الإقليمية بالطريقة التي تحقق هدف كل طرف، وهو رسالة على إمكانية تشكيل مشروع إقليمي يمكن أن تنضم إليه دول عربية للدفاع المشترك.
ونقل موقع(Tactical Report) المتخصص في القضايا العسكرية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن الرغبة المصرية للتعاون مع تركيا في الطائرة “قآن” ظهرت خلال زيارة قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة في سبتمبر العام الماضي، وأبدى اهتماما بالطائرة، والتي من المتوقع دخولها الخدمة عام 2030، وناقش مع المسؤولين هناك نظام الدفاع الجوي التركي المعروف بـ”القبة الفولاذية”.
كما أجرى وفد من الخبراء العسكريين بالقوات الجوية المصرية زيارة إلى تركيا للاطلاع على النموذج الأولي للطائرة وخطوط الإنتاج، وكانت تقديراتهم عالية لها.
وقام رئيس الأركان العامة المصري الفريق أحمد خليفة بزيارة أنقرة في مايو الماضي، واعتبرت بداية في مجال تطوير العلاقات العسكرية بين البلدين، حيث زار خليفة بعض شركات الصناعات الدفاعية، وتباحث مع كبار المسؤولين في تركيا.
والتقى أحمد خليفة خلال الزيارة مع الفريق أول متين غوراك رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة التركية، في الاجتماع الرابع للجنة العسكرية المصرية – التركية لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، كما التقي يشار غولر وزير الدفاع التركي.
التعاون في الصناعات العسكرية بين مصر وتركيا له أهداف سياسية أيضا، حيث يطوي صفحة الخلاف بينهما، ويفتح المجال للتنسيق في تسوية بعض القضايا الإقليمية
وتناولت الزيارة مناقشة سبل تعزيز أوجه التعاون العسكري في مجالات التدريب ونقل وتبادل الخبرات بين القوات المسلحة في البلدين، وأكد الجانبان تطلعهما لزيادة آفاق الشراكة العسكرية في العديد من المجالات خلال المرحلة المقبلة.
وثمة توقعات حول توقيع مذكرة تفاهم بين القاهرة وأنقرة قبل نهاية العام الجاري، لانضمام مصر إلى برنامج تطوير “قآن” التي تمثل إضافة للسلاح الجوي، حيث تتمتع بقدرات فائقة في القتال جو- جو، وأرض – أرض، وتوجبه ضربات سريعة، ودرجة عالية من المناورة، والتخفي الراداري، معززة بالذكاء الاصطناعي.
وهذه هي المرة الأولى التي تتفق فيها مصر وتركيا على رفع التعاون بينهما في مجال الصناعات العسكرية، ووصولها إلى مرحلة إنتاج طائرة شبحية بمواصفات خاصة، يمكنها أن تحدث نوعا من التوازن في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أكدت إسرائيل تفوقها الكبير في حربها على إيران، وحرص الولايات المتحدة على مساعدتها إلى أقصى مدى ممكن، بينما تبخل واشنطن في دعم القاهرة وأنقرة عسكريا.
وأعلنت إسبانيا عن تعاونها مع تركيا في مشروع “قآن”، بما ينسجم مع التطور الحاصل في العلاقات السياسية بين البلدين، كما أعلنت الإمارات اهتمامها بالمشروع، ما يعكس التطور الذي حققته الصناعات الدفاعية التركية مؤخرا.
ويعد نجاح أنقرة في جذب مصر وإسبانيا والإمارات إلى مشروع “قآن” إنجازا كبيرًا في الصناعات العسكرية التركية، يعزز استثماراتها في المزيد من البحث والتطوير، وتسريع عملية الإنتاج، وخفض التكلفة، ورفع القدرة التنافسية للمقاتلة عالميا، وقد تغير موازين القوى الجوية وتخلق توازنا جديدا.