عودة الهجمات الحوثية في البحر الأحمر بعد الهدوء: تصعيد محسوب بأهداف متعددة

وكالة أنباء حضرموت

 تجدّدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر بعد توقف دام قرابة شهرين، لكنها عادت هذه المرة بحدة أكبر، وسط إدانات دولية واسعة. وخلال الأيام الماضية، أعلنت جماعة الحوثي استهداف وإغراق السفينتين التجاريتين “إترنيتي سي” و”ماجيك سيز” في البحر الأحمر، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى ومفقودين من طاقمي السفينتين اللتين تم تدميرهما. وتُعد هذه من أعنف الهجمات التي شنّها الحوثيون على سفن تجارية منذ بدء عملياتهم العسكرية، التي يقولون إنها دعم لغزة في مواجهة الحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني.

وفي أول كلمة له بعد إغراق السفينتين، قال زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، في كلمة مصوّرة، إن “العمليات البحرية الأخيرة نُفذت بالاشتراك بين القوات البحرية والصاروخية والطيران المسيّر، ردًا على محاولة إعادة تشغيل ميناء أم الرشراش (إيلات) الإسرائيلي، وانتهاك قرار حظر الوصول إلى موانئ فلسطين المحتلة من قبل بعض شركات النقل البحري.”

وبدورها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان لها، مقتل ثلاثة بحارة وإصابة عدد من الأشخاص جراء “الهجوم الإرهابي غير المبرر الذي شنه الحوثيون على سفينتي الشحن المدنيتين (إم في ماجيك سيز) و(إترنيتي سي) في البحر الأحمر.”

◙ تطورات البحر الأحمر تمثل مرحلة جديدة بالنسبة إلى الحوثيين ومستوى تصعيدي جديد يُعدّون له منذ يناير الماضي

واعتبر البيان أن “هذه الهجمات تمثل تهديدًا مستمرًا لحرية الملاحة والأمن الاقتصادي والبحري الإقليمي، ينفذه المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران.” كما أدانت بريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وجهات دولية أخرى هذه الهجمات، محذرة من عواقبها على الأمن البحري العالمي والبيئة في اليمن والمنطقة. وفي السياق ذاته، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جروندبرغ، مساء الخميس الماضي، أن هناك عددًا من المفقودين من طاقم السفينة التجارية “إترنيتي سي” التي هاجمها الحوثيون.

وأعرب في بيان عن بالغ قلقه إزاء التصعيد الأخير من قبل أنصارالله (الحوثيين) في البحر الأحمر، بما في ذلك الهجوم الذي أدى إلى غرق السفينة التجارية “إترنيتي سي” في 8 يوليو، وأسفر عن وفيات وإصابات. كما أعرب عن قلقه البالغ من الهجوم السابق وغرق السفينة التجارية “ماجيك سيز” في 6 يوليو، مشددًا على أن هذه الحوادث تزيد من المخاطر التي تهدد أرواح المدنيين، والملاحة الدولية، والاستقرار الإقليمي.

وفي لهجة تحذيرية، حثّ جروندبرغ الحوثيين على وقف الهجمات التي من شأنها تأجيج التوترات داخل اليمن ومحيطه، والبناء على الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة بشأن وقف الأعمال العدائية في البحر الأحمر، وتقديم ضمانات مستدامة تضمن سلامة جميع من يستخدمون هذا الممر المائي الحيوي.

مستوى جديد من التصعيد
أمام هذه التطورات، يُثار تساؤل بشأن الأسباب التي دفعت الحوثيين إلى تصعيد عملياتهم في البحر الأحمر بشكل أعنف من ذي قبل. واعتبر الباحث في الشؤون العسكرية والجماعات المسلحة، عدنان الجبرني، أن تطورات البحر الأحمر تمثل مرحلة جديدة بالنسبة إلى الحوثيين، ومستوى تصعيدي جديد يُعدّون له منذ يناير الماضي، بإشراف مباشر من زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي.

وقال الجبرني في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية إن الحوثيين، ومن خلال إحياء الحظر البحري الذي أعلنوه في يونيو 2024 على الشركات التي تبحر سفنها إلى إسرائيل، يستعرضون تطور قدراتهم البحرية، بتنفيذ عمليات منسقة بين أفرع قواتهم.

اقرأ أيضا: إحباط تهريب شحنة كبيرة من الأسلحة للحوثيين عبر البحر
وأشار إلى أن استهداف السفينتين تم باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والزوارق البحرية، بالإضافة إلى قوات هندسة لتفجير السفن. ولفت إلى أن هذه الهجمات تشكّل أيضًا رسالة إلى حاملات الطائرات الأميركية حول ما قد تواجهه في حال قررت الولايات المتحدة العودة إلى شن عمليات ضد الجماعة.

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في مايو الماضي عن اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين بوساطة عمانية، التزمت بموجبه الجماعة بعدم استهداف السفن الأميركية مقابل وقف واشنطن الهجمات على اليمن.

الحفاظ على سمعة الجماعة
يأتي هذا التصعيد الحوثي بعد أيام من حادثة أثارت ضجة واسعة، تمثلت في محاصرة وقتل معلم القرآن، الشيخ صالح حنتوس، في منزله بمديرية السلفية بمحافظة ريمة شمالي اليمن. وأثارت الحادثة موجة غضب عارمة في اليمن والمنطقة، ولفتت أنظار الرأي العام العالمي، وسط إدانات شديدة محلية ودولية لأفعال الجماعة التي تدّعي نصرة غزة.

وقال الصحافي والمحلل السياسي صدام الحريبي، إن عودة التصعيد الحوثي في البحر الأحمر جاءت بعد حالة ركود أصابت أنصار الجماعة والمتعاطفين معها، خصوصًا في أعقاب الجريمة بحق الشيخ صالح حنتوس. وأوضح أن تلك الجريمة أسهمت في تراجع صورة الجماعة، التي كانت قد حظيت بتعاطف واسع في الأوساط العربية والإسلامية، قبل أن تتآكل تلك السمعة نتيجة الانتهاكات الأخيرة.

وأضاف الحريبي أن الجماعة لجأت إلى استئناف الهجمات كوسيلة للهروب من السخط الشعبي، ومحاولة لتغيير مسار الجدل القائم، معتبرًا أن التصعيد يأتي ضمن إستراتيجية لصرف الأنظار عن أزماتهم الداخلية.

كما أشار إلى أن هذه الهجمات لا يمكن فصلها عن الدور الإيراني، مؤكدًا أن طهران تسعى عبر الحوثيين إلى إرسال رسائل ضغط إلى خصومها، بينما تزعم الجماعة أن عملياتها تأتي نصرةً لغزة. وختم بالقول إن “الحقيقة هي أن جماعة الحوثي تنفذ أجندة إيرانية تخدم مصالح طهران، في وقت يدفع فيه اليمنيون الثمن من دمائهم ومقدراتهم، ليكونوا ضحايا معركة لا تمثلهم.”

مستقبل هجمات الحوثيين
في كلمته الأخيرة، توعّد زعيم الحوثيين باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي ضد أي سفينة تتجه إلى إسرائيل. وأكد أن “ما حصل في البحر الأحمر رسالة واضحة لكل شركات النقل البحري التي تتحرك لصالح العدو الإسرائيلي، بأنها ستُعامل بالحزم، ولا يمكن السماح لها بالمرور عبر مسرح العمليات المعلن عنه.”

وعن مستقبل هذه التطورات، يرى الصحافي رهيب هائل أن هجمات الحوثيين ستستمر في البحر الأحمر طالما تواصلت الحرب على قطاع غزة. وأضاف أن الجماعة تربط وقف عملياتها بوقف “العدوان الإسرائيلي على غزة”، مشيرًا إلى صعوبة تراجع الجماعة عن هذه الهجمات التي عززت من رصيدها لدى بعض الأوساط بدعوى “نصرة غزة”، ولا ترغب في خسارة هذا التعاطف، رغم الكلفة الباهظة.

◙ الاضطراب في الممر الحيوي لا ينعكس فقط على حركة السفن، بل يهدد استقرار أسواق الطاقة وسلاسل الإمداد

وتابع “الحوثيون يشعرون بنشوة كبيرة ولن يتراجعوا عن موقفهم، خصوصا بعد اتفاق الولايات المتحدة معهم لوقف المواجهات بين الطرفين الذي يعتبرونه نجاحا لهم.” ويمثّل البحر الأحمر واحدًا من أهم الممرات المائية في العالم، إذ تمرّ عبره نسبة كبيرة من التجارة الدولية، ويرتبط بشكل مباشر بالأمن الاقتصادي العالمي.

ولا ينعكس أي اضطراب في هذا الممر الحيوي، مثل الهجمات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، فقط على حركة السفن، بل يهدد استقرار أسواق الطاقة وسلاسل الإمداد. ويكتسب البحر الأحمر أهمية إضافية بفضل موقعه الرابط بين قناة السويس ومضيق باب المندب، ما يجعله محط أنظار القوى الإقليمية والدولية التي تتزاحم لتأمين مصالحها فيه، وسط حضور عسكري متزايد.

وعلى المستوى القانوني، تُعد الهجمات على السفن المدنية خرقًا واضحًا لقانون البحار واتفاقيات الأمم المتحدة التي تكفل حرية الملاحة وسلامة السفن في المياه الدولية. ورغم وجود قرارات أممية سابقة تدين استهداف الممرات البحرية، فإن واقع التنفيذ على الأرض يبقى محدودًا، خصوصًا في ظل تعقيدات النزاع اليمني وتداخل الأدوار الدولية فيه.

وشهدت القدرات العسكرية للحوثيين تحوّلًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، لاسيما في المجال البحري، حيث باتت الجماعة قادرة على تنفيذ عمليات مركّبة باستخدام طائرات مسيّرة، وصواريخ دقيقة، وزوارق مفخخة، وهي تكتيكات تعكس تأثير الخبرات الإيرانية في تدريب وتطوير هذه الأساليب، ضمن نمط من “الحرب غير المتكافئة” التي تُستخدم فيها أدوات منخفضة الكلفة لإحداث تأثير واسع.

ويهدد استمرار هذه العمليات البحرية بتشديد العزلة على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مع ما يحمله ذلك من تبعات على الوضع المعيشي والإنساني في اليمن. فكل تصعيد جديد يثير مخاوف من ردود أفعال عسكرية قد توسّع رقعة الحرب، وتفاقم معاناة السكان الذين يعيشون أساسًا في ظروف مأساوية منذ سنوات. كما أن انخراط الجماعة في صراع يتعدى حدود اليمن، يضع البلاد أمام مخاطر التحوّل إلى ساحة صراع إقليمي دائم، يدفع ثمنه المواطن اليمني في حياته وأمنه ولقمة عيشه.