"الوطن" الجزائرية تذكّر بأزمتها: نحن نواجه الاندثار

وكالة أنباء حضرموت

تواجه صحيفة “الوطن” الجزائرية الناطقة بالفرنسية أزمة حادة تهدد بتوقفها عن الصدور وإغلاقها، بعد مرور 35 عاما على تأسيسها، لتخسر الجزائر واحدة من أدوات قوتها الناعمة في ظل الحرب الإعلامية المحتدمة مع فرنسا.

وتطرقت كبرى الصحف الفرنكوفونية في الجزائر إلى أزمتها في افتتاحية عددها الاثنين قائلة إن “الوضع المالي الخطير الذي تعيشه يحول دون مواصلة رسالتها الصحفية،” وأضافت أنها “اختارت مخاطبة قرائها والجمهور عامة لقناعتها الراسخة بمكانة الصحيفة اليومية في المشهد الإعلامي، بعد 35 عاما من تأسيسها، حيث تواجه مأزقا ماليا.”

وباتت بعض الجرائد في الجزائر، وعلى رأسها صحيفة “الوطن”، في نفق مظلم تعززه الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها منذ سنوات، في ظل أزمة الإعلانات.

وأفادت الصحيفة بأن أزمتها المالية تعود إلى “عدة قيود موضوعية”، أهمها “النضوب التدريجي، على مدى السنوات العشر الماضية، لموردها الرئيسي وهو الإعلانات، فقد أصبحت إعلانات القطاع الخاص شحيحة للغاية، بينما لم يتوفر الإعلان من القطاع العام الاقتصادي ومؤسسات الدولة، إلا لبضعة أشهر،” وأضافت أنها صدرت في بعض الأوقات من دون إعلانات مدفوعة، كما انخفضت مبيعاتها في أكشاك بيع الصحف بشكل ملحوظ بسبب انتقال شريحة كبيرة من قرائها إلى منصات التواصل الاجتماعي.

وعلى غرار العديد من وسائل الإعلام الخاصة الجزائرية، تعرضت جريدة “الوطن” إلى ضغوط اقتصادية مارستها الحكومات المتعاقبة. بدأت في 2014 عندما قررت الجريدة عدم مساندة العهدة الرابعة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة؛ حيث تقلصت مساحات الإعلان بالتدريج حتى الاندثار، فأصبحت الجريدة شبه خالية منها، علما أن الإعلانات هي التي تضمن للصحيفة عوائدها المالية.

وبعد سقوط نظام بوتفليقة في 2019 تنفس ملاك “الوطن” الصعداء وراحوا يأملون في عودة المساحات الإعلانية إلى صحيفتهم، لكن مقالا يتهم أبناء رئيس أركان الجيش الجزائري السابق قايد صالح بالفساد أنهى حلم استعادة الصحيفة عافيتها الاقتصادية، حسب تحليل سابق للصحافي علي بوخلاف.

وتعدّ صحيفة “الوطن” ذات توجه تقدمي منذ أن تأسّست في تسعينات القرن الماضي بعد دخول الجزائر عهد التعددية السياسية والإعلامية في أعقاب دستور فبراير 1989، وتبنت خطا تقدميا ومعارضا للسلطة، خاصةً في العقدين اللذين حكم فيهما الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وتتبنّى قضايا حرية التعبير والحريات السياسية والنقابية، لكنها تتعرض في الغالب لانتقادات بسبب موقفها التحريري من التيار المحافظ في الجزائر. والغياب النهائي لهذه الصحيفة يعتبر صدمة كبيرة للقراء الجزائريين الذين تعودوا عليها لمدة 35 عاما رافقت أبرز الأحداث التاريخية في البلاد.

◙ "الوطن" صحيفة تقدمية تأسّست في تسعينات القرن الماضي عقب دخول الجزائر عهد التعددية السياسية والإعلامية

وتمر الصحافة الجزائرية الخاصة بفترة عصيبة؛ فبعدما أرغمت الكثير من الجرائد التي أسست بعد الانفتاح الديمقراطي في تسعينات القرن الماضي على التوقف عن الصدور، مثل جريدة “لوماتان” التي كانت تصدر بالفرنسية في عهد بوتفليقة الذي زج بمديرها محمد بن شيكو في السجن لأكثر من عام بسبب نشره كتابا تضمن انتقادات بحقه، جاء دور جريدة “ليبيرتي” التي كان يملكها رجل الأعمال الثري أسعد ربراب بغلق أبوابها في 14 أبريل 2022 لأسباب “مالية واقتصادية”.

وما إن أوشكت صدمة اختفاء يومية “ليبيرتي” من المشهد الإعلامي الجزائري على التبدد حتى جاءت صدمة أخرى لتهز عالم الصحافة؛ حيث دخلت جريدة “الوطن” التي تصدر بالفرنسية نفقا مظلما بسبب نقص الموارد المالية التي تجنيها عبر الإعلانات وتسببت في إضراب العاملين فيها قبل سنوات. وهذه العوائد المالية تقلصت منذ زمن الرئيس بوتفليقة الذي أمر “الوكالة الوطنية للنشر والإشهار”، وهي وكالة عمومية تقوم بتوزيع المساحات الإعلانية الخاصة بالإعلام الجزائري، بعدم منح مساحات لبعض الجرائد “الناقدة”، ومن بينها جريدة “الوطن”.

كما مارست السلطات سابقا ضغوطا شديدة على الشركات العمومية والخاصة -جزائرية كانت أم أجنبية- لتتوقف وتمتنع عن شراء مساحات إعلانية على صفحات جريدة “الوطن” بسبب خطها التحريري “المستقل”، لتتأثر رويدا رويدا بهذا القرار إلى درجة أنها تسير هي الأخرى اليوم نحو الخروج من المشهد الإعلامي الجزائري.

ويعاني القطاع الخاص منذ عام 2019، حيث اضطرت عدة منابر إعلامية وقنوات تلفزيونية إلى التوقف عن النشر أو البث، في ظل غياب عائدات مالية من سوق الإعلانات، علماً أن الإعانات الحكومية تُمنح فقط لوسائل الإعلام العمومية أو المنابر الخاصة المقربة من النظام. وتعد جريدة “الوطن” من بين أرقى الجرائد التي ظهرت في الجزائر عام 1990. وهي صحيفة تهتم بالقضايا الدولية ومن قرائها العديد من الدبلوماسيين الأجانب في الجزائر، حتى أن البعض يلقبها بـ”لوموند” الجزائرية.

وهي ليست الوحيدة التي ترزح تحت المشاكل المالية؛ فهناك وسائل إعلامية عديدة تعاني من شح الموارد المالية وهي أيضا مهددة بالزوال وذلك أمام أعين النظام الجديد الذي وصل إلى سدة الحكم بعد الحراك الشعبي. ودقت الكثير من الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان وعن حرية التعبير، على غرار منظمة “مراسلون بلا حدود”، ناقوس الخطر محذرة من تدهور وضع الإعلام في الجزائر.

وأمام هذا الواقع تتهم الكثير من الجهات الفاعلة في قطاع الصحافة الورقية الخاصة والمدافعين عن حقوق الصحافة، السلطات بالضغط اقتصادياً على صحف من خلال الإعلانات المؤسساتية التي تسيطر، بحسب وزارة الاتصال، على 20 في المئة من سوق الإعلانات، إذ بات الإشهار أداة سياسية يوزع حسب الولاءات، فيضاعف للموالاة ويحظر عقابا لمن يعارض.

وأصبح مصير الصحافة المكتوبة في الجزائر يتجه نحو الزوال في ظل الزحف التكنولوجي والأزمة الاقتصادية التي عجلت بغلق العديد من الصحف ورهنت مستقبل الصحافيين، وظهر ذلك من خلال تراجع أداء المؤسسات الإعلامية في تقديم الخدمة العمومية وتركيزها أكثر على المال والإشهار.

وحذر صحافيون جزائريون من أن القيود المفروضة على حرية الصحافة صارت اليوم تُثقل كاهلهم أكثر من أي وقت مضى، ويعتبر العديد منهم أن القوانين الحالية تضيّق على حرية الصحافة وتفرض المزيد من القيود في قطاع الإعلام، لاسيما المادة 4 التي تقصي الملايين من الجزائريين المقيمين بالخارج من المساهمة في تطوير قطاع الإعلام في الجزائر وتسلبهم حق تأسيس أو امتلاك أو الاستثمار في أيّ مشروع إعلامي.

وقالت منظمة العفو الدولية إن السلطات واصلت قمع الصحافيين من خلال الاحتجاز التعسفي والمحاكمات الجائرة، ووضع قيود تعسفية على حقهم في حرية التنقل، وفرض عقوبات لا أساس لها على وسائل الإعلام.