أزمة خانقة تضع الشرعية اليمنية أمام امتحان الحفاظ على تماسكها الداخلي
تحوّل الحفاظ على تماسك السلطة الشرعية اليمنية والإبقاء على التواصل والتنسيق بين مكوناتها إلى هدف بحدّ ذاته تعمل قيادتها على تحقيقه في ظل أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية حادّة، ردّد صداها الشارع الغاضب من سوء الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات العامّة في المناطق الواقعة ضمن سلطة الحكومة المعترف بها دوليا وبدأت تبعاتها تمتد إلى كواليس السياسة ومدارجها.
وكرّست الأزمة فتور العلاقة بين الشرعية ومكوّنها الرئيسي المجلس الانتقالي الجنوبي المتذمّر من سوء إدارة شؤون مناطق الجنوب التي يعتبرها معقلا لنفوذه وخزانا جماهيريا له، وذلك بالتوازي مع ظهور إشكال في العلاقة بين قيادة المجلس الرئاسي ومكون آخر ذي وزن سياسي وأمني هو المكتب السياسي للمقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح، والذي لم يتردّد مؤخّرا في توجيه انتقادات علنية لرئاسة المجلس الذي يقوده الرئيس رشاد العليمي بسبب ما رآه تهميشا وإصقاء لمكونات أساسية من المشاركة في معالجة ملفات وقضايا مصيرية.
وسارع العليمي الذي يدرك عمق الأزمة الحالية ودقّة موقف الشرعية إزاءها إلى محاولة تطويق الخلافات باستقباله قيادات من المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في اجتماع غاب عنه طارق صالح، ما جعل مصادر محلية تتحدّث عن عدم تغير موقفه من قيادة المجلس الرئاسي وإصراره على اتخاذ خطوات عملية لإعادة تنظيم علاقته بمكوّنات الشرعية.
◄ ملاحظات طارق صالح على عمل الشرعية تضاف إلى امتعاض الانتقالي الجنوبي من طريقة الحكومة في إدارة الأزمة
وكان صالح قد دعا في بيان سابق للأمانة العامّة للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية إلى ضرورة تصويب مسار اللقاءات والاجتماعات التي يعقدها رئيس مجلس القيادة الرئاسي، مطالبا بأن تتم النقاشات ضمن الأطر الدستورية والقانونية وبمشاركة جميع الأطراف الحكومية المعنية.
كما اعترض البيان على مناقشة قضايا حيوية تمس حياة المواطنين دون حضور الجهات المختصة، معتبرا ذلك تجاوزا للمسؤوليات الدستورية وتقويضا للهيكل المؤسسي للدولة.
وفي غياب طارق صالح حضر اللقاء مع العليمي ناصر باجيل نائبه الأول في رئاسة المكتب السياسي للمقاومة الوطنية.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية سبأ في نسختها التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إنّ “اللقاء جاء ضمن المشاورات الموسعة مع كافة القوى، والمكونات الفاعلة في الساحة اليمنية حول استحقاقات المرحلة وتحدياتها وسبل حشد القدرات والطاقات تعزيزا لجهود استعادة مؤسسات الدولة وتحقيق تطلعات الشعب اليمني في الاستقرار والسلام والتنمية”.
وأوضحت أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي “استمع خلال اللقاء من قيادات المكتب السياسي للمقاومة الوطنية إلى شرح حول جهود المكتب لتعزيز الاصطفاف الجمهوري ومقترحاتهم لتحسين التنسيق بين كافة القوى الوطنية وشراكاتها في صنع القرار المجسد لإرادة الشعب اليمني.. وإلى عرض حول رؤية المكتب للتعاطي مع المتغيرات السياسية والاقتصادية وسبل التخفيف من المعاناة الإنسانية وبناء شراكات وطنية واسعة لاستكمال الاستحقاقات المشمولة بمرجعيات المرحلة الانتقالية”.
ونقلت عن العليمي قوله “إن مثل هذه اللقاءات تقع ضمن اهتمامات مجلس القيادة الرئاسي تأكيدا لنهج التشاور الواسع مع القوى السياسية، وتجسيدا لمبدأ الشفافية والشراكة وتعزيز وحدة الصف وتوحيد الكلمة في هذه الظروف الاستثنائية الحاسمة من تاريخ الشعب اليمني”، مشيرا إلى “أهمية تعزيز وحدة الصف بين القوى الوطنية والتفرغ لمعركة استعادة مؤسسات الدولة”.
وتوجّه رئيس مجلس القيادة بخطاب تصالحي إلى طارق صالح مثنيا على دور المقاومة الوطنية بقيادته “في مواجهة المشروع الإمامي المدعوم من النظام الإيراني وتدخلاتها الإنسانية المنسقة مع السلطات المحلية في مختلف المحافظات”.
وفي ما اعتبر إشارة ضمنية إلى ما تضمّنه البيان المذكور لقيادة المقاومة الوطنية، أكّد العليمي “حرص المجلس والحكومة على الأخذ بالملاحظات الجوهرية للأحزاب والمكونات السياسية ومقترحاتها لتحسين أداء السلطات، وفقا لمرجعيات المرحلة الانتقالية، والقوانين الناظمة للحياة السياسية في البلاد”.
◄ العليمي سارع إلى محاولة تطويق الخلافات باستقباله قيادات من المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في اجتماع غاب عنه طارق صالح
وأضافت الوكالة أنّ “الرئيس وضع قيادات المكتب السياسي للمقاومة الوطنية أمام مجمل التطورات المحلية وفي المقدمة التحديات الاقتصادية والتمويلية التي تواجهها الحكومة والخيارات المتاحة لتحويلها إلى فرص للتعافي المعتمد على الموارد الذاتية”، معتبرا أنّ الأزمة “ليست وليدة اللحظة وإنما هي بفعل هجمات إرهابية وتعقيدات متراكمة”.
وتعيش المناطق اليمنية الواقعة ضمن سلطة الشرعية منذ أشهر على وقع أزمة اقتصادية ومالية خانقة أصبح التدهور المستمر في قيمة عملة الريال المحلية أبرز مظاهرها، بينما أصبح التضخّم وغلاء الأسعار وضعف الخدمات العامة وانهيارها في بعض المناطق أحد أبرز مجسداتها في الواقع اليومي لسكان تلك المناطق.
وفجّر غلاء الأسعار وندرة بعض المواد الأساسية وتردي الخدمات العمومية من ماء وكهرباء وغيرهما احتجاجات في شوارع العديد من المدن من بينها عدن التي تتخذ منها الشرعية اليمنية عاصمة مؤقتة ومقرا لحكومتها.
وسجّل الريال اليمني الثلاثاء مجدّدا مستوى غير مسبوق في تدني قيمته وذلك ببلوغ سعر صرف الدولار في مناطق الشرعية لأول مرّة سقف 2865 ريالا.
وتظهر هذه الأوضاع مقدار ضيق هامش التحرّك أمام الحكومة اليمنية لتحسين الأوضاع في ظلّ قيام الظروف ذاتها التي أدّت إلى الأزمة وفي مقدمها حالة عدم الاستقرار في البلاد وفقدان الشرعية لموردها الرئيسي المتمثّل في عوائد النفط الذي توقّف تصديره منذ استهداف جماعة الحوثي للمنافذ البحرية لتصدير الخام.
ولا يبقى أمام الحكومة سوى الحلّ الوحيد المعتمد منذ فترة وهو التعويل على المساعدات الخارجية وتحديدا التمويلات السعودية من هبات وودائع في البنك المركزي والتي لعبت دورا كبيرا في الحفاظ على تماسك الحكومة ومساعدتها على تحمّل نفقاتها التشغيلية والقيام بالحدّ الأدنى من التزاماتها تجاه السكان، لكن من دون أن تمثّل حلاّ جذريا للأزمات المتفاقمة.