مصرف لبنان يحاصر الذراع المالية لحزب الله: ممنوع التعامل مع القرض الحسن
أعلن مصرف لبنان المركزي الثلاثاء حظر التعامل مع عدد من المؤسسات المالية غير المرخّصة، من بينها جمعية “القرض الحسن” التابعة لحزب الله، ما يشير إلى تراجع نفوذ الحزب المدعوم من إيران في شؤون لبنان.
وقبل المواجهة الأخيرة مع إسرائيل كان حزب الله يتحكم في مفاصل القرار اللبناني، ولم يكن أحد ليجرؤ على اتخاذ أي خطوات بحق الحزب أو باقي مؤسساته، لكن الوضع تغير الآن بعد أن تعرض لضربات قاصمة من إسرائيل أفقدته توازنه في الداخل، وشلت حركته.
وقد بدا هذا الأمر واضحا حينما اضطر حزب الله مطلع العام الحالي إلى الموافقة على انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية وتكليف نواف سلام برئاسة الحكومة.
ويواجه الحزب الشيعي اليوم ضغوطا متزايدة في الداخل بشأن نزع سلاحه، وتصفية مؤسسته “القرض الحسن”.
وتعد جمعية القرض الحسن إحدى أهم المؤسسات المالية الاقتصادية لحزب الله، ولا تخضع لقانون “النقد والتسليف” اللبناني، وتم افتتاحها في ثمانينات القرن الماضي بصفة “جمعية خيرية”.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت عقوبات على مؤسسة القرض الحسن في عام 2007، متهمة حزب الله باستخدامها غطاء لإدارة “أنشطة مالية ومنفذا للوصول إلى النظام المالي الدولي.”
وقال مصرف لبنان المركزي في بيان “يُحظر على المصارف والمؤسسات المالية أن تقوم بأي تعامل بشكل مباشر أو غير مباشر، كليا أو جزئيا، مع مؤسسات الصرافة غير المرخص لها أو الجمعيات والهيئات غير المرخصة.”
وأشار إلى أن من “بين المؤسسات والجمعيات غير المرخصة جمعية القرض الحسن، وشركة سيدرز انتر.ش.م.ل، وشركة الميسر للتمويل والاستثمار، وبيت المال للمسلمين، وغيرهم من المؤسسات والهيئات والشركات والكتائب والجمعيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية.”
وحذّر المصرف من أن عدم التقيد بالقرار قد يعرّض “المرتكبين” للملاحقة القانونية، وقد تُتخذ بحقهم إجراءات قد تصل إلى حد تعليق أو سحب الترخيص، وتجميد الحسابات والأصول، والإحالة إلى هيئة التحقيق الخاصة.
وقال مسؤول لبناني إن خطوة المصرف المركزي كانت قيد الإعداد منذ شهور، وإنها تعكس الضغوط الأميركية على لبنان لاتخاذ إجراءات ضد الجناح المالي لحزب الله.
ولفت نسيب غبريل، كبير خبراء الاقتصاد في بنك بيبلوس، إلى أن البنوك اللبنانية كانت حريصة بالفعل على تجنب التعامل مع القرض الحسن لأن المؤسسة تخضع لعقوبات أميركية.
وأضاف “النقطة المهمة هي أن السلطات تتصدى أخيرا لاقتصاد الظل في لبنان، وهو المشكلة الحقيقية،” وأشار إلى أن السلطات فشلت منذ فترة طويلة في معالجة “الآثار السامة” لاقتصاد الظل.
وفي يونيو أدرجت المفوضية الأوروبية لبنان على قائمة محدثة للولايات القضائية عالية المخاطر التي تعاني من أوجه قصور إستراتيجية في مكافحة غسيل الأموال ومجابهة تمويل الإرهاب على المستوى الوطني.
الحزب الشيعي يواجه اليوم ضغوطا متزايدة في الداخل بشأن نزع سلاحه، وتصفية مؤسسته "القرض الحسن"
وأدرجت مجموعة العمل المالي (فاتف) المعنية بمكافحة الجرائم المالية العام الماضي لبنان على “القائمة الرمادية” للدول الخاضعة لتدقيق خاص.
ويرى محللون أن خطوة حظر التعامل مع مؤسسة القرض الحسن تشكل بادرة مهمة، ورسالة إلى المجتمع الدولي تفيد بأن لبنان ماض في سياساته الإصلاحية، ليبقى السؤال الذي يفرض نفسه هو هل ستعقب الخطوة تصفية المؤسسة؟
واعتبر المبعوث الأميركي توماس باراك، مساء الثلاثاء، أنّ “قرار مصرف لبنان خطوة في الاتجاه الصحيح لضبط تدفّق الأموال الخاصة بحزب الله والتي كانت تمر عبر جمعية القرض الحسن.”
ووفق حزب الله تُقدم جمعية القرض الحسن قروضا بلا فائدة لمساعدة الفقراء والمحتاجين في إطار سعيها لتحقيق التكافل الاجتماعي.
لكن الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، تقول إن حزب الله يستخدم الجمعية كـ”غطاء لإدارة أنشطته المالية” والوصول إلى النظام المالي العالمي.
وخلال الحرب الأخيرة على لبنان التي انتهت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، شنت إسرائيل سلسلة غارات على فروع المؤسسة بأنحاء البلاد.
ويأتي حظر لبنان لجمعية القرض الحسن بعد أيام من فرض وزارة الخزانة في 3 يوليو حزمة جديدة من العقوبات على 7 مسؤولين كبار وكيان واحد مرتبطين بالمؤسسة، بسبب “تورطهم في تمكين حزب الله من تمرير أموال عبر النظام المالي اللبناني رغم العقوبات المفروضة عليه منذ سنوات.”
جمعية القرض الحسن تعد إحدى أهم المؤسسات المالية الاقتصادية لحزب الله، ولا تخضع لقانون "النقد والتسليف" اللبناني
وبموجب هذه العقوبات يتم تجميد الأصول والممتلكات الخاصة بالأفراد والكيانات المعنية داخل الولايات المتحدة أو الخاضعة لولايتها، كما يحظر على المواطنين الأميركيين أو المؤسسات في واشنطن التعامل معهم.
وقد تواجه المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع هذه الكيانات عقوبات ثانوية، تشمل تقييد حساباتها أو منعها من الدخول إلى النظام المالي الأميركي.
ويأتي القرار اللبناني بحق القرض الحسن أيضا في ظل نقاش متصاعد في الأوساط الرسمية والسياسية اللبنانية يطالب بحصر كل السلاح، ومن بينه سلاح حزب الله، بيد الدولة.
وأعرب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، مؤخرا، عن رفضه التخلي عن السلاح، قائلا “على من يطالب المقاومة بتسليم سلاحها، المطالبة أولا برحيل العدوان (إسرائيل)، لا يُعقل ألا تنتقدوا الاحتلال، وتطالبوا فقط من يقاومه بالتخلي عن سلاحه.”
وأضاف “مَن قبِل بالاستسلام فليتحمل قراره، أما نحن فلن نقبل.”
وفي 8 أكتوبر 2023 دخل حزب الله في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل تحولت إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح.
وفي 27 نوفمبر 2024 بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، يتضمن انسحاب الحزب من جنوب الليطاني، وتفكيك بنيته العسكرية هناك، فيما تنسحب إسرائيل من المناطق التي سيطرت عليها في الجنوب.
ولم تلتزم إسرائيل بنص الاتفاق حيث تواصل السيطرة على عدد من النقاط داخل لبنان، كما استمرت في تنفيذ عمليات في الداخل اللبناني، بداعي منع حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية.
وقتل 12 شخصا، من بينهم خمسة من مقاتلي حزب الله، في غارات جوية مكثفة شنتها إسرائيل في شرق لبنان الثلاثاء، قالت إنها تحذير للحزب من محاولة إعادة ترسيخ وجوده.
وذكر الجيش الإسرائيلي أن الغارات الجوية استهدفت معسكرات تدريب يستخدمها مقاتلو قوة النخبة في حزب الله ومستودعات تخزين أسلحة في منطقة سهل البقاع بشرق لبنان.
وهذا أكبر عدد من القتلى يسقط في المنطقة نتيجة غارات إسرائيلية منذ وقف إطلاق النار، وهو الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة.