موقع «الفاية» الإماراتي على قائمة التراث العالمي.. أرشيف حي لـ«العصر الحجري»
في جلسة لجنة التراث العالمي لعام 2025 في باريس، أدرج «المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية»، ضمن قائمة اليونسكو.
وبذلك يصبح موقع «الفاية»، الذي يقع في المنطقة الوسطى بإمارة الشارقة، ثاني موقع إماراتي يتحصل على هذا الاعتراف بعد مواقع العين الثقافية عام 2011.
ويعكس إدراج «الفاية» ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، الأهمية العالمية لهذا الموقع ويجسد الجهود المتواصلة التي تبذلها الدولة لحماية إرثها الحضاري والتاريخي.
الموقع الجغرافي والتاريخ الطبيعي
«جبال الفاية» أو Jebel Faya هي سلسلة من التكوينات الصخرية الجيرية تقع على بعد نحو 50 كيلومتراً شرق مدينة الشارقة بين ساحل الخليج وسلسلة جبال الحجر.
تغطي المنطقة أودية رملية وتكوينات صخرية طبيعية، وهي بيئة مثالية للسكن البشري خلال العصور القديمة عندما كانت الظروف المناخية أكثر ملاءمة، مع وجود مياه عذبة ومواد لبناء الأدوات كالصوان المتوفر محليًا.
الاكتشافات الأثرية والدلالات العلمية
وخلال أكثر من 30 عامًا من الحفريات التي قادتها هيئة الشارقة للآثار بالتعاون مع جامعات ألمانية وبريطانية، تم اكتشاف 18 طبقة أثرية متعاقبة.
وتحتفظ بأحد أقدم وأطول السجلات المتواصلة لوجود الإنسان في البيئات الصحراوية والتي تعود إلى أكثر من 200 ألف عام.
الأهمية العالمية للموقع
ويُعد «الفاية» أرشيفًا حياً يسجل أحد أقدم وأطول تسلسلات السكن البشري في شبه الجزيرة العربية، مما يعزز فهمنا للهجرات البشرية الأولى والتكيف مع البيئات الصحراوية القاسية.
كما أسهم في إعادة تقييم النظرة التقليدية التي اعتبرت شبه الجزيرة مجرد ممر للهجرات، إذ أصبح يُنظر إلى الفاية كـ«وجهة استيطان» بدلاً من مرور عابر فقط.
ويشكل إدراج «الفاية» ضمن التراث العالمي خطوة استراتيجية تعزز صورة الإمارات دوليًا كمركز ثقافي وعلمي.
كما يثبت أن التاريخ الإنساني القديم لم يُصَوَّر فقط عبر حضارات كبرى، بل عبر مناطق مثل «الفاية» التي صنعت إرثًا إنسانيًا مرتبطًا بالصمود والبقاء.
يتوقع أن يفتح هذا الإنجاز آفاقًا جديدة للتعليم والبحث والسياحة البيئية، ويعزز فهمًا أوسع لثقافة التعايش بين البشر والبيئة الطبيعية عبر الزمن.
أرشيف حي لحقبة العصر الحجري
ويُعتبر موقع «الفاية» نموذجًا متكاملًا لما يُعرف بـ«المناظر الصحراوية»، إذ يعكس قدرة الإنسان على التكيّف والاستيطان في البيئات الصحراوية القاسية.
ورغم التحديات المناخية والظروف البيئية الصعبة، شكلت هذه المناطق محطة بارزة في مسيرة تطوّر الإنسان، وهو ما منح إدراج «الفاية» على قائمة التراث العالمي بُعدًا علميًا وإنسانيًا استثنائيًا.
ويتميّز «الفاية» بكونه أول موقع صحراوي يُوثق لحقبة العصر الحجري يُدرج ضمن قائمة التراث العالمي، وهو ما يُعد تحوّلًا مهمًا في فهم التاريخ البشري.
ومع تمثيل الصحارى لنحو 20% من الأنظمة البيئية على سطح الأرض، ووقوعها في نقاط محورية على خارطة استيطان الإنسان، يعكس استقرار البشر فيها فصلًا حاسمًا من فصول تطوره.
«الفاية» على قائمة التراث العالمي
وكانت إمارة الشارقة قد تقدّمت بملف ترشيح «الفاية» رسميًا إلى منظمة اليونسكو في فبراير 2024، بعد 12 عامًا من التحضير المتواصل، مدعومًا بثلاثة عقود من أعمال التنقيب الأثري والدراسات البيئية وخطط الحفظ الدقيقة.
وخضع الموقع لتقييم صارم وفق معايير اليونسكو، التي تُعنى بقبول المواقع ذات القيمة العالمية الاستثنائية فقط، وبما يضمن امتداد تأثيرها نحو المستقبل.
وفي هذا السياق، وضعت دولة الإمارات بالتعاون مع إمارة الشارقة خطة شاملة لإدارة وحماية الموقع للفترة من 2024 حتى 2030، بما يتوافق مع المعايير المعتمدة من قبل اليونسكو للحفاظ على «القيمة العالمية الاستثنائية» للموقع.
وتركز الخطة على دعم الأبحاث العلمية، وتعزيز التعليم، وتنمية السياحة المستدامة، في نموذج متكامل يجمع بين صون التراث والاستكشاف العلمي والمشاركة المجتمعية.