جيش السودان والأسلحة الكيميائية.. العقوبات الأمريكية تنكأ جرح الذاكرة
فرضت وزارة الخارجية الأمريكية، الجمعة، عقوبات على الحكومة السودانية على خلفية اتهامها باستخدام أسلحة كيميائية العام الماضي.
ويشهد السودان منذ أبريل/نيسان 2023 حربًا دامية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، الملقب بـ"حميدتي".
وعلى خلفية هجمات للجيش السوداني، أبلغت الخارجية الأمريكية الكونغرس، في مايو/أيار الماضي، بأنها خلصت إلى أن "الحكومة السودانية استخدمت أسلحة كيميائية في عام 2024"، في انتهاك لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية التي انضم إليها السودان عام 1999.
ولم تكشف واشنطن أي تفاصيل بشأن مواقع الهجمات أو تواريخها.
وسارعت الحكومة السودانية الموالية للجيش إلى نفي صحة الاتهامات الأمريكية، ووصفتها بأنها "لا أساس لها" و"ابتزاز سياسي".
وكان من المقرر أن تدخل العقوبات حيّز التنفيذ في السادس من يونيو/حزيران، وهي تحظر تمويل السودان أو التصدير إليه.
وتُستثنى المساعدات الإنسانية الطارئة من العقوبات المفروضة على السودان، حيث يعاني نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في أسوأ أزمة جوع في العالم.
ليست المرة الأولى
في يناير/كانون الثاني، أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية في مناسبتين على الأقل في مناطق نائية خلال حربه مع قوات الدعم السريع.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين، لم تُسمّهم، أن السلاح المستخدم يبدو أنه غاز الكلور، الذي يمكن أن يسبب ألمًا شديدًا في الجهاز التنفسي ويؤدي إلى الموت، وأن ذلك تم بموافقة مباشرة من البرهان.
وتجدر الإشارة إلى أن البلاد كانت، في الغالب، تحت سيطرة الجيش منذ استقلالها في عام 1956، كما سبق اتهام المؤسسة العسكرية بشن هجمات باستخدام أسلحة كيميائية.
ففي عام 2016، نددت منظمة العفو الدولية باستخدام الجيش أسلحة كيميائية في دارفور (غرب البلاد)، وهو ما نفته الخرطوم.
وفي عام 1998، قالت الولايات المتحدة إن مصنع الشفاء للأدوية ينتج مكونات كيميائية لصالح تنظيم القاعدة، قبل أن تقصفه.
ولم تقدّم واشنطن أدلة تدعم اتهاماتها، ولم يُجرَ أي تحقيق فيها.
عقوبات سابقة
العلاقات متوترة منذ عقود بين الولايات المتحدة والسودان، الذي حكمه عمر البشير منذ عام 1993 حتى الإطاحة به في 2019، وكان متهمًا برعاية الإرهاب.
فُرضت العقوبات الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي، وتم تشديدها عام 2006 بعد اتهامات بارتكاب إبادة جماعية في إقليم دارفور.
وبعد الإطاحة بالبشير في انتفاضة شعبية عام 2019، شطبت الولايات المتحدة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبدأت في رفع العقوبات تدريجيًا.
لكن بعض العقوبات أعيد فرضها بعد انقلاب عام 2021 الذي قاده البرهان، قبل اندلاع النزاع مع قوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023.
وبحلول يناير/كانون الثاني 2025، كانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على كلٍّ من البرهان وحميدتي أيضًا.
وقد باءت بالفشل جهود الوساطة لإرساء وقفٍ لإطلاق النار، بما في ذلك تلك التي بذلتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.
تداعيات متوقعة
لطالما تحمّل المدنيون السودانيون أعباء العقوبات المفروضة على بلادهم.
واليوم، يشهد ثالث أكبر بلد في أفريقيا من حيث المساحة أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم، مع أكثر من عشرة ملايين نازح، ومجاعة معلنة في عدد من المناطق.
كانت الولايات المتحدة أكبر مانح للسودان في عام 2024، إذ ساهمت بنسبة 44.4% من خطة الاستجابة الإنسانية الأممية البالغة قيمتها ملياري دولار.
وبعد أن علّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غالبية المساعدات الخارجية، تقلّصت مساهمة واشنطن بنحو 80%.
وقدّرت قيمة الصادرات الأمريكية إلى السودان في عام 2024 بنحو 56.6 مليون دولار، وفق بيانات المكتب الفيدرالي للإحصاءات.