"مصر خالية من ختان الإناث" هدف يتقدم خطوة بانخفاض الظاهرة
سجلت ظاهرة ختان الإناث في مصر انخفاضا ملحوظا نتيجة حرب طويلة من أجل تمكين المرأة وصون حقوقها، وعلى رأسها الحق في الحماية من جميع أشكال العنف، وبخاصة جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، بحجة العادات الاجتماعي وحماية “شرف العائلة.”
وتواجه الفتيات والنساء اللاتي يخضعن لهذه الممارسة مضاعفات صحية خطيرة تشمل الألم الشديد، النزيف، الالتهابات بالإضافة إلى تأثيرات طويلة الأمد على صحتهن الجنسية والإنجابية والعقلية، غير أنها ممارسة متجذرة في العديد من الدول العربية خاصة مصر والسودان واليمن، وتناضل منظمات نسوية وناشطي حقوق الإنسان بالتعاون مع الدولة المصرية لوضع حد لها.
وأكدت المستشارة أمل عمار رئيسة المجلس القومي للمرأة على ضرورة مواصلة مسيرة العمل الوطني، إذ أن بيانات المسح الصحي للأسرة المصرية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أوضحت انخفاض نسبة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، في الفئة العمرية من 0 إلى 19 سنة من 21 في المئة عام 2014، إلى 14 في المئة عام 2022.
وأوضحت عمار خلال اجتماع اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث اجتماعها العاشر، انخفاض نسبة المتوقع ختانهن إلى 27 بالمئة عام 2021 مقابل 56 بالمئة عام 2014، وذلك بفضل تكثيف جهود اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث في التوعية بخطورة تلك الجريمة. مؤكدة أنها ترى فيما تم انجازه حتى الآن “أساسًا قويا سوف نبني عليه بكل قوة، لنواصل الطريق نحو تحقيق هدفنا المشترك: وهو مصر خالية من ختان الإناث.”
وقطعت اللجنة الوطنية منذ تأسيسها شوطًا كبيرًا في مواجهة هذه الجريمة، من خلال توحيد الرسائل الإعلامية والدينية، والعمل الميداني المكثف في مختلف المحافظات المصرية، بالإضافة إلى دعم الإطار التشريعي والمؤسسي الذي يجرم ختان الإناث ويشدد العقوبة على مرتكبيه.
وأكدت عمار على أن المجلس القومي للمرأة، شريكًا أصيلاً في هذه اللجنة، وسوف يواصل جهوده بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة وكافة الشركاء في الدولة وشركاء التنمية، لترسيخ الوعي المجتمعي بخطورة هذه الجريمة، والتأكيد على أن حماية فتيات مصر مسؤولية وطنية مشتركة لا تقبل التهاون أو التأجيل.
وتمثل الحملة ضد ختان الإناث أداة رئيسية لنشر الوعي في البيوت والقرى والمجتمعات، وتفتح الباب أمام حوار مجتمعي ضروري لحماية فتيات مصر من هذه الجريمة توضح مخاطر الختان وأضراره وتصحح المفاهيم المغلوطة حوله.
وقالت الدكتورة سحر السنباطي رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة، خلال كلمتها إننا اليوم نجتمع ونحن نحمل على عاتقنا أمانة عظيمة، ومسؤولية وطنية وإنسانية جسيمة: أن نحمي فتيات مصر من واحدة من أخطر الممارسات الضارة التي تهدد صحتهن النفسية والجسدية، وتنتهك حقوقهن الأساسية ألا وهي جريمة ختان الإناث، مشيرة الى ان هناك بصيص أمل وتقدما، من خلال جهود اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الاناث.
وأكدت رئيسة المجلس، أن هناك مؤشرات واعدة تفيد بانخفاض نسبة المؤيدين لهذه الممارسة بين الأجيال الجديدة من الأسر المصرية، خاصة في المناطق الحضرية، وهذا التقدم ما كان ليتحقق لولا تكاتف الدولة المصرية بجميع مؤسساتها، “إلى جانب الدعم المتواصل من شركائنا في المجتمع المدني والهيئات الدولية.”
وأطلقت اللجنة الوطنية لمناهضة ختان الإناث، التي يترأسها المجلس القومي للطفولة والأمومة والمجلس القومي للمرأة، حملات توعوية وصلت إلى أكثر من 15 مليون مواطن في أنحاء مصر. فضلا عن تفعيل خط نجدة الطفل 16000 لتلقي بلاغات ختان الإناث، بالتعاون الوثيق مع مكتب حماية الطفل بمكتب النائب العام، حيث تم تلقي المئات من البلاغات التي تم التعامل معها قانونيا ومجتمعيا، بالإضافة إلى تدريب آلاف الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية على التصدي للممارسة، والإبلاغ عنها، والتوعية بمخاطرها.
وتم تعديل قانون العقوبات لتغليظ العقوبات المقررة على مرتكبي هذه الجريمة، فأصبح الختان جريمة لا تسقط بالتقادم، ولا تبرر بأي مسمى ديني أو ثقافي، ولكن ومع كل هذا التقدم هناك العديد من التحديات أبرزها، استمرار بعض المعتقدات المجتمعية الخاطئة.
الحملة ضد ختان الإناث تمثل أداة رئيسية لنشر الوعي وتفتح الباب أمام حوار مجتمعي ضروري لحماية الفتيات
وفي المجتمعات الإسلامية المحافظة في مصر، لاسيما في المناطق الريفية، تعد المرأة “غير نظيفة وغير جاهزة للزواج” ما لم يتم ختانها.
وقد حُظرت هذه الممارسة في مصر منذ عام 2008، وقد تصل عقوبة مرتكبيها من أطباء وغيرهم إلى السجن لمدة سبع سنوات إذا ثبتت إدانتهم بإجراء هذه العملية، وقد يواجه أي شخص يطلب إجراء العملية عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
ومع ذلك، ما زالت البلاد تتمتع بأحد أعلى معدلات هذه الممارسة في العالم. وغالبا ما يتم إجراؤها تحت حجة “الجراحة التجميلية.”
وأشارت السنباطي إلى أنه تزداد خطورة الظاهرة حين نعلم أن هناك نسبة كبيرة من عمليات ختان الإناث للفتيات بين سن صفر و19 عاما أجريت على يد عددا من مقدمي خدمات صحية، وفقا لبيانات المسح السكاني لعام 2021. وهذا ما يعرف بـ”التطبيب”، مؤكدة أن لجوء الأسر إلى العيادات أو المراكز الصحية لختان بناتهم لا يضفي على الجريمة شرعية، بل يزيدها خطرا، ويضعنا أمام مسؤولية أكبر في ضبط الممارسين ومحاسبتهم، وتفعيل المساءلة الطبية بكل صرامة.
وبذلت العديد من الشخصيات العامة والمؤسسات جهود مثمرة لدعم ما تبذله اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث من جهود مما ساهم في تحقيق العديد من أهدافها.
لمواقف الآباء أهمية خاصة
وأطلقت اللجنة الوطنية “جائزة عزيزة حسين لمناهضة ختان الإناث”، تقديرا للجهود المبذولة في مواجهة هذه الجريمة، وتمنح الجائزة هذا العام لفئتين، فئة الأفراد: لشخصيات أظهرت التزاما استثنائيا في التوعية أو التدخل المجتمعي أو القانوني ضد ختان الإناث، وفئة المؤسسات: لجهات عملت بجد على الأرض لتغيير الوعي أو تقديم الدعم القانوني والنفسي للفتيات والناجيات.
وتم الإعلان عن الفائزين بالجائزة في الرابع عشر من يونيو، الذي يوافق اليوم الوطني لمناهضة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث “ختان الإناث”، والذي يحيي الذكرى الثامنة عشرة لوفاة الطفلة “بدور”، التي لقيت حتفها إثر خضوعها لهذا الإجراء غير الطبي.
وقد مثّل هذا الحادث المفجع نقطة تحول تاريخية شهدت على إثرها الدولة المصرية أول تعديل تشريعي لتجريم ختان الإناث في قانون العقوبات المصري عام 2008.
ومنذ ذلك الحين، توالت التعديلات التشريعية الهادفة إلى بناء بيئة قانونية متكاملة تعزز حقوق الأطفال والفتيات والنساء، وتكافح كافة أشكال الجرائم المرتكبة ضدهم، وعلى رأسها جريمة “تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.”
وكان آخر هذه التعديلات ما نص عليه القانون رقم 10 لسنة 2021، بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، والذي تضمن عقوبات رادعة ليس فقط لمرتكب الجريمة، بل لكل من يطلبها أو يروج لها، إلى جانب فرض تدابير احترازية وعقوبات تكميلية تطال مرتكبي الجريمة والمنشآت الطبية التي تُرتكب فيها.
ووفق صندوق الأمم المتحدة للسكان، تؤدي هذه الممارسة إلى مشاكل خلال الحمل والولادة، مما يزيد من مخاطر الوفاة للأمهات والأطفال.
وفي ظل الحروب والأزمات والكوارث المناخية التي تعاني منها المنطقة، يسلط الصندوق الضوء على قصص مفعمة بالأمل والإصرار على التطور. حيث يسعى الشباب والنساء والفتيات بإصرار لإحداث تغييرات إيجابية، من خلال العمل الدؤوب وفتح آفاق جديدة نحو مستقبل مستدام وآمن.
مؤشرات واعدة تفيد بانخفاض نسبة المؤيدين لختان الاناث بين الأجيال الجديدة من الأسر المصرية بما فيهم الذكور
وقال جورجي وهبة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، وكالة الأمم المتحدة المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية، “يخبرني الناس أننا ورثنا هذه الممارسة، وأنهم يقومون بها لأن جيرانهم يقومون بها.”
وفي قريته بمحافظة المنيا بصعيد مصر، أصبح وهبة، 53 عاماً، معروفاً بدفاعه عن مناهضة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. وتشير التقديرات إلى أن 86 في المئة من النساء المتزوجات في مصر، في الفئة العمرية من 15 إلى 49 عاماً، خضعن لشكل من أشكال هذه الممارسة، وترتفع هذه النسبة إلى 96 في المئة في صعيد مصر.
وتساءل وهبة “عما يكسبونه من إخضاع الفتيات لهذا،” مضيفا عن جلسات التوعية التي يعقدها مع الأسر والأزواج والمجتمعات المحلية. “إذا كنت على وشك الزواج، فلماذا قد تحتاج إلى إخضاع هذه المرأة لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية؟ أليس بالأولى الاتفاق على أشياء أخرى، وبناء حياة معًا؟”
وبدأ وهبة تنظيم الجلسات كجزء من “حوارات الأجيال” التي ينظمها صندوق الأمم المتحدة للسكان – وهو مشروع يهدف إلى تغيير وجهات النظر بشأن الممارسات الضارة من خلال تشجيع المجتمعات على العمل كوكلاء للتغيير، لتعلم كيفية سد الفجوة بين الأجيال في ما يتعلق بالمعايير والتقاليد الاجتماعية غير المتكافئة.
وللتعامل مع الحظر المحيط بهذه القضية، والذي غالبًا ما يعيق المحادثات حول هذا الموضوع، يهدف وهبة إلى ضمان أن تكون تجربة التعلم ممتعة وشاملة للجميع. وقال “نجمع عائلات بأكملها – الزوج والزوجة وبناتهما، ونقضي اليوم معهم.”
كما يقدم المشروع، الذي تموله حكومة النرويج، تدريبًا حول كيفية التواصل بشأن الممارسات الضارة مع أعضاء المجتمع. ومنذ إنشائه في عام 2021، شارك أكثر من 350 عضوًا من المجتمع، وأصبحوا “أبطال الحوار.”
وبالنسبة لوهبة، كان من المهم أن يتعلم كيفية التحدث عن القضية بطريقة تبدو طبيعية. لم يُرِد أن يتفق الآخرون معه ببساطة دون فهم السبب؛ بدلاً من ذلك، كان حريصًا على أن يتوصل كل شخص إلى استنتاجاته الخاصة بناءً على الحقائق التي تعلمها. وعندما رفض أفراد المجتمع حضور الجلسات، كان يتحلى بالصبر – ويشجعهم على التفكير بأنفسهم وعدم اعتبار العادات التي نشأوا عليها أمرًا مسلمًا به.
والآن أصبح وهبة صوتًا موثوقًا به في هذا الشأن، وهو الشخص الذي يتواصل معه جيرانه عندما يسمعون أن شخصًا ما معرض لخطر الخضوع لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. وهذا التقدم هو ما يجعله متفائلًا بالمستقبل، فهو يعتقد أن الناس في مجتمعه أصبحوا أكثر معرفةً بشأن هذه القضية بالمقارنة مع الماضي، ويعلم أن المحادثات المفتوحة والصادقة هي الطريق إلى الأمام.
ورغم أنه غالبًا ما يُنظَر لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية باعتباره عادة أبوية تهدف إلى قمع النساء والفتيات، فإن الأولاد والرجال من المجتمعات التي تمارس هذه العادة هم في واقع الأمر على الأقل على استعداد لمعارضتها بنفس قدر النساء والفتيات. ولمواقف الآباء، بما في ذلك آباء الفتيات الصغيرات، أهمية خاصة.
ولكن في حين أن اتخاذ موقف لصالح بناتهم يعد خطوة مهمة، فإن الدعوة إلى القضاء على هذه الممارسة تعد وسيلة قوية يتمكن الرجال من خلالها من إحداث تغيير. وقد رأى الآباء، مثل زناتي الصاوي، من محافظة أسيوط في صعيد مصر مدى أهمية هذا الدور.
وبدأت رحلة السيد الصاوي ذات يوم عندما وصل إلى المنزل وأخبر زوجته أنه بحاجة إلى مناقشة أمر مهم. وأوضح “أنا مهتم دائمًا بتعليم نفسي وتوسيع آفاقي. لدي بنات، لذا قررت إجراء بحث حول موضوع تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.”
وقد دفعه هذا إلى حضور ورشة عمل لمدة أربعة أيام عن هذه الممارسة وأشكال أخرى من العنف ضد المرأة، والتي نظمها صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع منظمة غير حكومية تدعى “كير.”
وقال “علمت بالآثار الضارة التي يخلفها تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية على النساء والفتيات، وأنه لا أساس ديني أو طبي لهذه الممارسة، واكتشفت أنها ليست ممارسة ضرورية على الإطلاق.”
ورغم أنه وجد في البداية صعوبة في التخلي عن العادات التي نشأ عليها، إلا أن الصاوي يعتبر نفسه الآن حليفاً في مكافحة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث ويشعر بأن عليه مشاركة ما تعلمه. وهو يعتقد أن الرجال يتحملون مسؤولية خاصة لمناقشة هذا الموضوع مع أقرانهم.