مفاوضات روسيا وأوكرانيا بتركيا.. «نهاية غير سلبية» بلا اختراق سياسي

وكالة أنباء حضرموت

وسط أجواء مشحونة بتصعيد ميداني هو الأوسع منذ بداية الحرب، أنهى الوفدان الروسي والأوكراني جولة جديدة من المحادثات في مدينة إسطنبول التركية، برعاية مباشرة من أنقرة، وبدعم معلن من الولايات المتحدة.

وبينما وصف الجانب التركي نهاية اللقاء بـ«غير السلبية»، فإن نتائج المحادثات لم تخرج عن الإطار البروتوكولي، دون إعلان اختراقات ملموسة.

لقاء «قصير ومشحون» 
استمرت الجلسة التي احتضنها قصر «تشيراغان» التاريخي لأكثر من ساعة بقليل، وجمعت مفاوضين رفيعي المستوى من الجانبين، بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي ألقى كلمة افتتاحية عبّر فيها عن «أهمية اللحظة» وأكد أن «كل الأنظار تتجه نحو إسطنبول».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيسيلي، إن المحادثات «لم تنته بشكل سلبي»، وهو ما فُهم كمؤشر على بقاء قنوات الاتصال مفتوحة، دون أن يعني ذلك تحقيق أي تقدم فعلي.

دعم أمريكي 
اللافت في هذه الجولة، التي تأتي بعد محادثات غير مثمرة عقدت في مايو/أيار الماضي، كان الانخراط العلني للإدارة الأمريكية.

فقد أكد وزير الخارجية التركي أن الدعم الأمريكي «مهم للغاية»، مشيدًا بـ«عزيمة الرئيس دونالد ترامب على إحلال السلام»، واعتبرها «فرصة جديدة يجب اغتنامها».

ويُنظر إلى هذا الدعم الأمريكي بوصفه تطورًا سياسيًا بارزًا، في ظل الاتهامات السابقة لكييف بأنها تخوض معركة بالنيابة عن الغرب، فيما تتجه إدارة ترامب إلى تبني مسار دبلوماسي مباشر مع روسيا، خاصة في ظل التحديات المتزايدة في آسيا والشرق الأوسط.

اتفاقات محدودة وسط تعثر سياسي
ورغم تعثر المسار السياسي ورفض موسكو مقترح أوكرانيا لوقف غير مشروط لإطلاق النار، أسفرت محادثات إسطنبول الأخيرة عن اتفاقات إنسانية محدودة بين الجانبين، تعكس محاولات لتخفيف بعض أعباء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وبحسب ما أعلن وفد كييف، فقد اتفقت أوكرانيا وروسيا على:

تبادل جميع الجنود المصابين بجروح خطيرة من كلا الطرفين، الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا.

تبادل 6000 جثة من الجنود القتلى، بواقع 3000 جندي من كل جانب، وفق ما أكده أحد المفاوضين الأوكرانيين، في واحدة من أكبر عمليات تبادل الجثث المعلنة منذ بداية الحرب.

ورغم أن هذه التفاهمات لا ترقى إلى مستوى تقدم سياسي أو تسوية دبلوماسية، إلا أنها تشكل مؤشرات على إمكانية تحقيق خطوات إنسانية، في وقت يستمر فيه الجمود بشأن القضايا الجوهرية، مثل مستقبل الأراضي التي يسيطر عليها الجانبان وضمانات الأمن الإقليمي.

اتفاق تبادل وقائمة مرحلين
وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الإثنين، أن روسيا وأوكرانيا تستعدان لعملية تبادل جديدة لأسرى الحرب بعد محادثات جرت في إسطنبول بين وفدين من البلدين.

وقال زيلينسكي خلال قمة في ليتوانيا إن الوفدين "تبادلا وثائق عبر الجانب التركي، ونحن نستعد لتبادل جديد لأسرى الحرب".

من جانبه، أكد رئيس الإدارة الرئاسية الأوكرانية أندري يرماك إن المفاوضين الأوكرانيين سلموا مسؤولين روس لائحة أطفال "تم ترحيلهم بشكل غير قانوني" من جانب موسكو وطالبوا بإعادتهم.

وقال يرماك على وسائل التواصل الاجتماعي "اليوم خلال محادثات إسطنبول، سلّم الجانب الأوكراني رسميا الجانب الروسي لائحة الأطفال الأوكرانيين المطلوب إعادتهم"، مشددا: "نحن نتحدث عن مئات الأطفال الذين رحلتهم روسيا بشكل غير قانوني، أو نقلتهم قسرا أو احتجزتهم في أراض تسيطر عليها مؤقتا".

زيلينسكي يشترط ويهدد
وقبل انطلاق الجلسة، أعلن الرئيس زيلينسكي من ليتوانيا أن بلاده «مستعدة لاتخاذ الخطوات الضرورية من أجل السلام»، لكنه وضع جملة من الشروط أبرزها «وقف إطلاق نار كامل وغير مشروط»، و«عودة جميع الأسرى»، و«إعادة الأطفال الذين خُطفوا»، وفق تعبيره.

وهدد زيلينسكي بأنه إذا لم تُفضِ محادثات إسطنبول إلى نتائج ملموسة، فإن بلاده ستطالب بفرض عقوبات غربية جديدة على روسيا.

في المقابل، ترفض موسكو هذه الشروط وتصرّ على «معالجة الأسباب الجذرية» للنزاع، وفي مقدمتها رفض انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، والاعتراف بسيادة روسيا على المناطق الخمس التي تقول إنها ضمّتها.

تصعيد غير مسبوق 
المفارقة الكبرى تمثلت في توقيت المحادثات، الذي جاء بعد ساعات من تنفيذ كييف هجمات بالطائرات المسيّرة استهدفت 4 قواعد عسكرية روسية على عمق آلاف الكيلومترات داخل الأراضي الروسية، أسفرت وفق رواية أوكرانية عن تدمير عشرات الطائرات العسكرية، بما فيها قاذفات استراتيجية، بتكلفة تقدر بسبعة مليارات دولار.

في المقابل، قال الجيش الروسي إنه أسقط 162 طائرة مسيّرة، معظمها في منطقتي كورسك وبيلغورود المحاذيتين لأوكرانيا.

ويُعتقد أن هذه العملية الواسعة النطاق كانت تهدف إلى فرض واقع ميداني جديد قبيل التفاوض، في وقت تعاني فيه كييف من تراجع على الجبهات، لا سيما في منطقة سومي، حيث أحرزت القوات الروسية تقدمًا نوعيًا خلال الأيام الماضية.

وثيقة روسية.. ورفض أوكراني استباقي
وأكدت موسكو أنها ستقدم «مذكرة» تتضمن رؤيتها لاتفاق سلام، دون عرضها مسبقًا على الجانب الأوكراني، وهو ما اعتبرته كييف مناورة هدفها فرض شروط مسبقة.

وتضم المطالب الروسية التقليدية التنازل عن مساعي الانضمام إلى «الناتو»، والاعتراف بخسارة الأراضي المحتلة، وهو ما رفضته كييف جملة وتفصيلًا.

وقال مصدر من الوفد الأوكراني لوكالة فرانس برس إن بلاده تأمل «عدم تكرار المطالب نفسها»، مع الإشارة إلى أن الوفد التقى قبل الجلسة ممثلين من ألمانيا، إيطاليا، والمملكة المتحدة لتنسيق المواقف.

وفدان متباينان
وكان الوفد الروسي قد ترأسه فلاديمير ميدينسكي، المعروف بتشدده وبتاريخه في محادثات 2022 التي باءت بالفشل.

وكان ميدينسكي قد أعدّ كتبًا دراسية تشكك في حق أوكرانيا بالوجود كدولة مستقلة، ما يثير شكوكًا حول رغبته الحقيقية في إنجاح المفاوضات.

أما الوفد الأوكراني، فترأسه وزير الدفاع رستم عمروف، المعروف بمهاراته التفاوضية، إلا أن سمعته تأثرت بسلسلة فضائح طالت وزارته في ملفات متعلقة بالفساد وصفقات السلاح.

وعلى الرغم من نبرة التفاؤل الحذرة التي حرص الجانب التركي على بثها، إلا أن الهوة لا تزال عميقة بين الطرفين، مع تمسك كل جانب بمطالبه القصوى.

وترى مصادر دبلوماسية أن جولة إسطنبول لا تمثل أكثر من «إعادة فتح قنوات»، دون وجود إطار سياسي أو قانوني واضح للتفاوض على هدنة أو اتفاق سلام دائم.

وفي ظل استمرار التصعيد العسكري، وغياب أرضية مشتركة، يرجح مراقبون أن تعود وتيرة المواجهات إلى الواجهة، ما لم تُحدث الوساطة التركية – المدعومة أمريكيًا – مفاجأة غير متوقعة.