الحرب على غزة تفجّر أزمة ثقة بين إسرائيل والغرب

وكالة أنباء حضرموت

بينما تتواصل الحرب الإسرائيلية على غزة بكل ما تحمله من مشاهد الدمار وسقوط الضحايا، تتعمّق أزمة ثقة بين إسرائيل والغرب لم تعد تخفى على أحد.

وباتت المواقف الغربية التي كانت تمنح لإسرائيل دون تحفظ مشروطة وسط انتقادات شعبية متزايدة وقلق سياسي من فقدان إسرائيل لما تبقّى من رصيدها الأخلاقي والأمني لدى حلفائها التقليديين.

واتّهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الخميس باريس ولندن وأوتاوا بتشجيع “قتلة حماس” على القتال إلى ما لا نهاية، بعد أن ندّدت العواصم الثلاث بـ”أفعال مشينة” لحكومته في قطاع غزة.

وقال نتنياهو في فيديو تحدّث فيه بالإنجليزية إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسي الوزراء البريطاني والكندي كير ستارمر ومارك كارني “يريدون من إسرائيل أن تستسلم وأن تقبل ببقاء جيش قتلة حماس وأن يعيدوا تنظيم صفوفهم وأن يكرروا مجزرة السابع من أكتوبر مرارا وتكرارا.” وتابع “إنهم يشجعون حماس على مواصلة القتال إلى ما لا نهاية.”

إذا كانت السلطات الأميركية قد نجحت في تطويق التوترات بسبب حرب غزة، فإن أوروبا تجد نفسها عاجزة عن ذلك رغم أن الجهات الرسمية في غالبها وقفت إلى صف إسرائيل

وقبل ذلك اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر مسؤولين أوروبيين لم يذكرهم بالاسم الخميس “بالتحريض السام على معاداة السامية،” مشيرا إلى أن هذا التحريض يقف وراء مناخ عدائي وقع فيه إطلاق نار تسبب في مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن الليلة الماضية.

ويمثل هذا الحادث والردود الإسرائيلية الغاضبة على أوروبا فصلا من فصول التأثير السلبي للحرب في غزة، حيث زادت من منسوب الفرز بين من يناصرون إسرائيل ومن يعارضون سياساتها في غزة ويدعمون الفلسطينيين ضدها، وباتت تثير أزمات أمنية وسياسية وتهدد تماسك المجتمعات التي عاشت لعقود في وئام بالرغم من تعدد اللون والعرق والدين.

وكانت البداية مع انتفاضة الجامعات في الولايات المتحدة ضد الدعم الأميركي الرسمي لإسرائيل وما تخللها من احتجاجات وصدامات بين أنصار القطبين، ولم تفلح الضغوط الحكومية في احتواء الاحتجاجات إلا بعد وقت طويل عبر قرارات زجرية طالت نشطاء بارزين وخاصة ممّن كانوا من أصول شرق أوسطية.

وإذا كانت السلطات الأميركية قد نجحت في تطويق التوترات بسبب الحرب في غزة، فإن أوروبا تجد نفسها عاجزة عن ذلك رغم أن الجهات الرسمية في غالبها وقفت إلى صف إسرائيل وأدانت هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، وسعت بدورها إلى تطويق الاحتجاجات التي شهدتها أغلب العواصم الأوروبية وتطالب بوقف الحرب وحماية المدنيين.

ووجدت الحكومات الأوروبية نفسها أمام معادلة صعبة، فهي من ناحية تواجه انتقادات من جماعات حقوق الإنسان ومن مثقفين ومفكرين وفنانين بسبب صمتها على ما يجري في غزة، واكتفائها بالمراقبة، ومن ناحية ثانية، تواجه ردات فعل سلبية داخل الجاليات العربية والمسلمة تتخوف من أن يتم توظيفها واستثمارها من الجماعات الإسلامية المتشددة، لتخسر بذلك أهم المعارك التي خاضتها ضد التطرف.

ويمكن هنا النظر إلى التقرير الفرنسي الجديد، الذي يتحدث عن عودة قوية لجماعة الإخوان المسلمين وسعيها لاختراق النسيج المجتمعي الفرنسي، وأن الظاهرة تمثّل “تهديدا على المديين القصير إلى المتوسط.”

وإذا ظلت أوروبا على الحياد، فهذا يعطي فرصة لاستثمار ما يجري في غزة ضمن خططها لتوسيع الاستقطاب داخل الجاليات.

وبالتوازي مع عودة التطرف الإسلامي إلى الواجهة تشهد أوروبا صعودا كبيرا لليمين المتطرف، ما يعني توسع دائرة الاستقطاب داخل المجتمع وتراجع ما تميزت به أوروبا من قيم التعددية والتسامح.

ولتطويق الخطر الذي يهدد السلم الأهلي وكسر حدة الاستقطاب وسحب البساط من تحت أقدام المتشددين قررت أغلب الدول الأوروبية المؤثرة توجيه انتقادات لإسرائيل بسبب الخسائر التي تلحق بالمدنيين في غزة. لكن إسرائيل دفعت الخلاف إلى الأقصى باتهام مسؤولين أوروبيين بالتحريض على معاداة السامية، وهي تهمة تضع الأوروبيين في موقع دفاعي والسعي إلى تقديم تبريرات ولاحقا التراجع عن توجيه الانتقادات بالرغم من أنها تضع على رأس أولوياتها مواجهة معاداة السامية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف ليموين إن باريس ترفض التصريحات الإسرائيلية التي تتهم بعض المسؤولين الأوروبيين بالتحريض على معاداة السامية، وذكر أن تلك التصريحات “غير مبررة” ومشينة. وأضاف في مؤتمر صحفي “فرنسا نددت وتندد بجميع الأعمال المعادية للسامية وستواصل فعل ذلك دون لبس.”

وواجهت إسرائيل عاصفة من الانتقادات الأوروبية في الآونة الأخيرة مع تكثيف حملتها العسكرية في غزة، إذ حذرت منظمات حقوقية من أن الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 11 أسبوعا على إمدادات المساعدات جعل القطاع الفلسطيني على شفا مجاعة.

ولم يشر وزير الخارجية الإسرائيلي إلى أيّ دول أو مسؤولين بالاسم، لكنه قال إن مناخ العداء تجاه إسرائيل يقف وراء إطلاق النار على موظفي السفارة يارون ليسشينسكي وسارة لين ميلجريم خارج المتحف اليهودي في واشنطن الأربعاء.

وقال ساعر في مؤتمر صحفي بالقدس إن الهجوم كان نتيجة مباشرة “للتحريض السام المدفوع بمعاداة السامية ضد إسرائيل واليهود في أنحاء العالم” منذ هجوم مقاتلي حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023. وأضاف “هناك خط مباشر يربط بين التحريض على معاداة السامية ومعاداة إسرائيل وبين هذه الجريمة. هذا التحريض يمارسه أيضا قادة ومسؤولون من الكثير من الدول والمنظمات، لاسيما من أوروبا.”

وأحجم ساعر عن تحديد أيّ زعيم أو مسؤولين يقصدهم. لكن تصريحاته جاءت بعد كلمات قاسية بشكل متزايد من حلفاء إسرائيل من دول الغرب بما في ذلك فرنسا وبريطانيا، إذ انضمتا إلى كندا هذا الأسبوع في التحذير من “إجراء ملموس” محتمل ضد إسرائيل بسبب حربها في غزة.

وقال مسؤولون أميركيون إن المشتبه به الذي ردد هتافات مؤيدة للفلسطينيين رهن الاحتجاز. وأدان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومجموعة واسعة من الزعماء الأوروبيين والأجانب الآخرين الهجوم.

وتابع ساعر إن “الأجواء العالمية” ضد إسرائيل ساءت بشكل حاد منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة في غزة.

ومنذ ذلك الحين، أدت الحملة الجوية والبرية الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 53 ألف فلسطيني وتدمير القطاع المكتظ بالسكان، ما أثار احتجاجات حاشدة في أنحاء العالم بدءا من حرم الجامعات الأميركية وحتى شوارع المدن الأوروبية.

وأمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل العام الماضي باتخاذ إجراءات لمنع ما وصف بأنه أعمال إبادة جماعية في غزة بعد قضية رفعتها جنوب أفريقيا وأثارت غضبا عميقا في إسرائيل.

وقال ساعر “اتهامات التشهير هذه بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وقتل الأطفال تمهد الطريق تماما لمثل هذه الجرائم.”