المفاوضات النووية: تصاعد المواجهة حول التخصيب بين النظام الإيراني والولايات المتحدة

المفاوضات النووية: تصاعد المواجهة حول التخصيب بين النظام الإيراني والولايات المتحدة

تشهد الساحة الدبلوماسية الدولية تصعيداً حاداً في المواقف بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني بشأن البرنامج النووي الإيراني، خاصة فيما يتعلق بقدرات التخصيب. ففي الوقت الذي تؤكد فيه واشنطن على استمرار سياسة “الضغط الأقصى” ورفضها المطلق لامتلاك طهران أسلحة نووية

المفاوضات النووية: تصاعد المواجهة حول التخصيب بين النظام الإيراني والولايات المتحدة

حفظ الصورة
نظام مير محمدي
وکالة الانباء حضر موت

تشهد الساحة الدبلوماسية الدولية تصعيداً حاداً في المواقف بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني بشأن البرنامج النووي الإيراني، خاصة فيما يتعلق بقدرات التخصيب. ففي الوقت الذي تؤكد فيه واشنطن على استمرار سياسة “الضغط الأقصى” ورفضها المطلق لامتلاك طهران أسلحة نووية، يصر النظام الإيراني على حقه في التخصيب بمستويات عالية، ملوحاً بالرد على أي إجراءات عقابية. هذه المواقف المتضاربة، التي تتجلى في تصريحات المسؤولين من الجانبين، تشير إلى طريق مسدود في المفاوضات وتزيد من حدة التوتر في المنطقة.

الموقف الأمريكي: ضغط متواصل وخطوط حمراء واضحة

في جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي يوم الثلاثاء الموافق 20 مايو 2025، أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، رداً على سؤال حول سياسة الضغط الأقصى والمفاوضات الحالية، أن “الجانب الإيراني يدرك تماماً أننا سنواصل فرض العقوبات حتى يتم التوصل إلى اتفاق”. وأوضح روبيو أن هناك “مجموعة أخرى من العقوبات تتعلق بقضايا مثل دعم الإرهاب وأنشطتهم المشابهة”، مشدداً على أن “العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي ستستمر ما لم يتم التوصل إلى اتفاق”. وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي قد أصدر أمراً تنفيذياً بشأن الضغط الأقصى، ويتم تنفيذه يومياً دون أي تباطؤ خلال فترة المفاوضات.

وأضاف روبيو أن “المفاوضات مع النظام الإيراني لن تكون سهلة”، لافتاً إلى وجود “مجموعة منفصلة من العقوبات تشمل أحكام آلية الزناد (snapback mechanism) التي هي في أيدي ثلاث دول أوروبية”. وأوضح أن قرار هذه الدول بشأن عقوباتها لا يعتمد على واشنطن، قائلاً: “ربما نتوصل إلى اتفاق مع النظام الإيراني ويكونون راضين ولا يفرضون عقوباتهم. لكنني التقيت مرة أخرى بالدول الأوروبية الثلاث. إنهم يتقدمون في عمليتهم بشكل مستقل عنا، وقد يفرضون المزيد من العقوبات في الأشهر القادمة”.

وفي جزء آخر من شهادته، قال روبيو إن “المفاوضات حتى الآن تركز بشكل كامل على قدرة التخصيب“. ورغم إدراكه لدعم النظام للإرهاب في المنطقة، أكد أن “التركيز حالياً ينصب على قدرة التخصيب وإصرارهم على هذه القدرة”. وأشار إلى أن أي عقوبات تتعلق بدعم الإرهاب أو انتهاك اتفاقيات الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى ستظل قائمة إذا لم تكن جزءاً من الاتفاق.

ورداً على سؤال السيناتور ريكيتس حول ما إذا كانت السياسة الأمريكية لا تزال تقضي بعدم السماح لإيران بتخصيب بأي شكل من الأشكال، أوضح روبيو أنه إذا أراد النظام الإيراني برنامجاً نووياً مدنياً لإنتاج الطاقة، فهناك نموذج تتبعه العديد من الدول يسمح بإنشاء مفاعلات واستيراد المواد المخصبة لإنتاج الكهرباء. لكنه أضاف: “إذا أرادوا الحفاظ على قدرة التخصيب، فإن الأمر يصبح أكثر تعقيداً. عندما تكون لديك قدرة على التخصيب بأي مستوى، فإنك تحتاج فقط إلى بعض الوقت للوصول إلى مستويات أعلى”. وحذر من أن النظام “أظهر بالفعل قدرته على التخصيب بمستويات أعلى، ويفعل ذلك حالياً. في الواقع، أصدرت سلطتهم التشريعية قانوناً يلزمهم بانتهاك الاتفاق النووي والتخصيب بما يتجاوز 60% بكثير”. واعتبر روبيو أن النظام “يريد التخصيب كورقة رادعة، ويعتقد أن ذلك يحوله إلى قوة نووية على وشك التسلح، وبالتالي لا يمكن التعامل معهم”. وأكد أن “الرئيس كان واضحاً جداً… أنهم لن يحصلوا أبداً على سلاح نووي”.

من جانبه، حذر السيناتور ليندسي غراهام، في خطاب ألقاه في جلسة رسمية لمجلس الشيوخ الأمريكي يوم 21 مايو 2025، من البرنامج النووي للنظام الإيراني، قائلاً: “نظام الملالي على وشك امتلاك قنبلة ذرية. إنهم لا يسعون إلى طاقة نووية مدنية؛ إنهم يريدون قنبلة”. وأشار إلى مخزونات اليورانيوم المخصب لدى النظام، مضيفاً: “إيران تمتلك الآن 600 رطل من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يكفي لصنع 6 إلى 7 قنابل. التخصيب إلى 90% يستغرق أقل من شهر”. وأكد أن “حتى جرام واحد من وقود المفاعل المدني لهذا النظام لم ينتج داخل البلاد، ويتم توفير كل الوقود من روسيا”، مما يعني أن “هدفهم ليس سوى صنع قنبلة”. وصرح غراهام بوضوح أخلاقي: “إيران نووية ليست فقط غير مقبولة، بل هي أكبر تهديد لكوكب الأرض”. 

الموقف الإيراني: إصرار على التخصيب ورفض للمطالب

في المقابل، أعلن عراقجي، بحسب ما نقلت عنه وكالة الإذاعة والتلفزيون التابعة للنظام في 21 مايو 2025، أن “التخصيب في إيران سيستمر باتفاق أو بدون اتفاق”. ورداً على ما وصفه بـ”الطلبات غير المنطقية”، قال عراقجي: “لقد أجبنا على هذه الطلبات غير المنطقية من قبل. تكرار موقف غير واقعي وغير منطقي وغير معقول لا يساعد في ترسيخ هذا الموقف. مهما كرر المسؤولون الأمريكيون، فلن يغير ذلك جوهر القضية. موقفنا واضح تماماً. لقد قلتها بوضوح من قبل وأكررها: التخصيب في إيران سيستمر باتفاق أو بدون اتفاق. هذا هو موقفنا”. وأضاف: “إذا كان أطرافنا المقابلة مهتمين بوجود ثقة أكبر وشفافية أكبر فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي وبرنامج التخصيب الإيراني، فهذا قابل للنقاش والتفاوض. لقد فعلنا ذلك من قبل، وفي المقابل يجب عليهم رفع عقوباتهم. هذا واضح تماماً. من وجهة نظرنا، بناء الثقة والمضي قدماً في حقيقة أن إيران لن تتجه نحو الأسلحة النووية هو حقيقة. ليس لدينا مشكلة في هذا الصدد. في المقابل، يجب عليهم رفع عقوباتهم الظالمة التي فرضوها بسبب ادعاءاتهم المتعلقة ببرنامجنا النووي”. وشدد على أن “منطق التفاوض من وجهة نظرنا هو الشفافية وبناء الثقة من جانبنا، ورفع التهديدات والعقوبات من جانبهم. وبالطبع، رفع التهديدات أكثر من ذلك إذا كانت لديهم مطالب. إذا أرادوا التدخل في مجال نشاطنا النووي السلمي وحرماننا من حقوقنا كدولة عضو في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق ولن نسمح بحدوثه”.

وفي بيان صادر عن “مجلس النظام” بتاريخ 21 مايو 2025، أكد البرلمان الإيراني أن “الجمهورية الإسلامية يجب أن تستفيد من الدورة الكاملة للوقود النووي، وخاصة في مجال التخصيب”. وذكر البيان أن “مستوى التخصيب لا يقتصر على النسب المنخفضة تحت 20%، بل سيكون متناسباً مع حاجة الشعب الإيراني اليومية للأغراض السلمية”. وأكد البيان بوضوح: “لن نتنازل أبداً عن حقوقنا النووية… وإن أركان النظام الإسلامي، وخاصة مجلس الشورى الإسلامي، في إطار واجباتهم القانونية في مجال التشريع والرقابة، لن تسمح بأي حال من الأحوال للأعداء بالتجاوزات والسلوكيات المتغطرسة”.

كما صرح عباس غولرو، عضو مجلس النظام، في 20 مايو 2025، بأن “القدرة والصناعة النووية غير قابلة للتفاوض”. وأضاف: “ندين تصريحات المسؤولين الأمريكيين، سواء التصريحات السخيفة للرئيس الأمريكي في زيارته الإقليمية أو تصريحات كبير المفاوضين الأمريكيين السيد ويتكاف، ونعلن أن القدرة والصناعة النووية الإيرانية غير قابلة للتفاوض أو المساومة”.

تُبرز هذه المواقف المتباينة والمتشددة من الجانبين عمق الخلاف وعدم وجود أرضية مشتركة للمفاوضات. فبينما تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الضغط لمنع إيران من امتلاك قدرة نووية عسكرية، يصر النظام الإيراني على حقه في التخصيب كجزء لا يتجزأ من برنامجه النووي. هذا التناقض الجذري في الأهداف يجعل التوصل إلى حل دبلوماسي أمراً بالغ الصعوبة، ويدفع بالمنطقة نحو حافة أزمة أعمق. إن تراكم اليورانيوم المخصب من جانب إيران، والتحذيرات الصريحة من قبل المسؤولين الأمريكيين ، تشير إلى أن الوقت ينفد. هذا الوضع، الذي يغذي حالة من عدم اليأمن الإقليمي والدولي، يؤكد على أن المجتمع الدولي يواجه خياراً صعباً بين التصدي الحازم لتهديد نووي محتمل أو مواجهة عواقب تصعيد لا يمكن التنبؤ به. إن سياسة النظام القائمة على التضليل والمراوغة، إلى جانب إصراره على التخصيب، تجعل من إيران “برميل بارود” يمكن أن ينفجر في أي لحظة.