محاولة متأخرة من الطبوبي لرأب الصدع داخل اتحاد الشغل التونسي
دعا الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي إلى ضرورة تجاوز الخلافات القائمة داخل المنظمة النقابية بالبلاد، في مسعى لو بصورة متأخرة، حسب المراقبين، لإصلاح ما يمكن إصلاحه وإعادة ترتيب البيت الداخلي للمنظمة.
وتقول أوساط سياسية إن محاولات الطبوبي في رأب الصدع داخل الاتحاد تأخرت نوعا ما، خصوصا في ظل وجود أبعاد سياسية ونقابية كان يمكن تجاوزها منذ فترة، وأبرزها القطيعة التي تنامت مع السلطة بعد مسار 25 يوليو 2021 وعدم فهم “القيادة” بأنه لا دور سياسيا للمنظمة كما دأبت عليه سابقا، مقابل الاستئثار بالقرار الأحادي في المنظمة دون تكريس مبدأ التشاور والديمقراطية.
وتضيف تلك الأوساط أن السلطة الممثلة في الرئيس قيس سعيد سحبت البساط من اتحاد الشغل خصوصا باتخاذ إجراءات ذات طابع اجتماعي كانت جزءا من ملعب المنظمة النقابية، على غرار تنقيح مجلة الشغل وتسوية بعض الملفات المتعلقة بالتشغيل، وآخرها مصادقة مجلس نواب الشعب على قانون المناولة، وهي ملفات كان يمكن للاتحاد أن يفاوض بها السلطة. ودعا نورالدين الطبوبي إلى تجاوز الخلافات وحلها بما يحافظ على سلامة المنظمة موحدة ومستقلة مدافعة عن الحريات وعن قضايا العمال.
جاء ذلك خلال أشغال الهيئة الإدارية الوطنية لاتحاد الشغل، التي عقدت الأربعاء بالحمامات الجنوبية (شرق) حيث افتتح، الطبوبي أمين عام المنظمة أشغال الهيئة، مقدما برنامج أشغالها الذي سيتناول الوضع العام والاجتماعي في البلاد مع التركيز على الوضع النقابي الداخلي للمنظمة. وتدور أشغال الهيئة الإدارية بحضور مختلف الجهات، بما في ذلك جهة صفاقس والهياكل النقابية بصفة مغلقة ودون تصريحات إعلامية.
ونقلت إذاعة “موزاييك” الخاصة، عن مصدر نقابي تأكيده انطلاق المداخلات الأربعاء، والتي تناولت محور الخلافات الداخلية، نافيا وجود وساطة من أيّ جهة كانت ومؤكدا العزم على حل الخلافات خلال أشغال هذه الهيئة بصفة مباشرة. وتراوحت المداخلات بخصوص الشأن النقابي حول موعد انعقاد المؤتمر الوطني للاتحاد لاختيار القيادة الجديدة دون التوصل إلى تحديد موعد واضح.
ومن المنتظر أن تختتم الهيئة أشغالها اليوم الخميس، وتصدر بيانا ختاميا سيتعرض إلى تعطل المفاوضات الاجتماعية وتدهور المقدرة الشرائية وإلى المصادقة البرلمانية على قانون إنهاء المناولة بتقديم قراءة المركزية النقابية، كما سيحدد مسار الخلافات الداخلية إذا اتفق المجتمعون على إعلان موعد المؤتمر الوطني المقبل.
وأفاد المحلل السياسي معز الحاج منصور أن “مسألة رأب الصدع داخل المنظمة، تتطلب أولا معرفة أسباب الأزمة، ذلك أن الاتحاد يمرّ بأزمة حقيقة منذ تنقيح الفصل 20.” وأثار تنقيح الفصل 20 جدلا كبيرا، خصوصا للطامحين في تكريس مبدأ التداول على القيادة، إذ يسمح بمقتضى هذا الفصل لأعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل بالترشح لعهدتين نيابيتين فقط.
وأضاف معز الحاج منصور في تصريح لـ”العرب” بالقول “ظهرت مؤخرا انتقادات كبيرة، خاصة من قيادات مكتب صفاقس (شرق)، وطالبت برحيل الطبوبي، وبالتالي اليوم هناك محاولات من الطبوبي لامتصاص ذلك الغضب.” وتابع المحلل السياسي “اتحاد الشغل، أكبر نقابة عمالية في تونس، ولا يمكن أن تُترك بأيّ حال من الأحوال، وكان من الأفضل الذهاب إلى إصلاحات حقيقية منذ فترة، ولكن الآن الحل الأمثل هو الذهاب إلى عقد مؤتمر استثنائي قبل أن تتطور الأمور نحو الأسوأ.”
وأشار الحاج منصور إلى أن “الاتحاد عجز عن الوصول إلى حوار مع قصر قرطاج، ومساندته للموقوفين السياسيين منذ أشهر ربما ساهمت في مزيد تعقيد الوضعية، وأعتقد، عليه الآن أن يأخذ نفس المسافة من السلطة والمعارضة.” واستطرد قائلا “الرئيس سعيد سحب البساط من المنظمة النقابية بإجراءات اجتماعية، وآخرها قانون المناولة.”
ويقود قادة سابقون ونقابيون معارضون تحركات تطعن بشرعية القيادة الحالية وتدعو إلى مؤتمر استثنائي يعيد تشكيل مركز القرار داخل المنظمة. ونظمت مجموعة ما يعرف بـ”المعارضة النقابية” داخل اتحاد الشغل، وقفة احتجاجية أمام النزل الذي يحتضن أشغال الهيئة الإدارية الوطنية للمنظمة.
وقال الطيب بوعائشة ممثل المعارضة النقابية “نريد أن نعلم المجتمعين وقواعد الاتحاد أن منظمة حشاد فعلا في خطر ونرفض ما يمر به الاتحاد من انفصام القيادة عن الواقع ونعتبر أن المسألة الديمقراطية تقتضي الإصغاء لصوت القواعد. وحل الخلافات داخل المنظمة لن يكون إلا بالنظر في الخروقات المرتكبة من قبل القيادة الحالية، كما نعتقد أن هذه الهيئة لا ينتظر منها الكثير باعتبار أن المكتب التنفيذي يسوّق لتنازلات حول تاريخ المؤتمر في حين أن جوهر الخصام هو تركيبة المكتب التنفيذي المقبل بما يحفظ حق العمال ويضمن استقلالية المنظمة عن السلطة.”
ويرى مراقبون أنه كان بالإمكان التخفيف من وطأة الأخطاء المرتكبة داخل اتحاد الشغل، وخصوصا أن تعترف القيادة بوجود أزمة حقيقية، مع العمل على تجاوزها بخطاب واضح المضامين. وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة “للأسف، الطبوبي قدم نصف الرسالة فقط للنقابيين الذين كانوا ينتظرونه، حيث تحدث عن الوحدة الصمّاء وأهمل جانب الإصلاح والتغيير ووضع حد للأخطاء وما ترتب على الخطوات الأخيرة للقيادة.”
وأكد لـ”العرب”، “كان لا بدّ من التراجع خطوات إلى الوراء، وهذا الخطأ ناتج عن مراكمة التمديد في القيادة، وتنقيح الفصل 20 خطأ لا بد أن يُصلح، فضلا عن ضرورة الذهاب إلى مؤتمر استثنائي في مضامينه.” ولفت علالة إلى أن “دعوة الطبوبي لتجاوز الخلافات متأخرة جدا وتجاوزها الزمن، والطبوبي ومن معه فرّطوا في الفرص التي كان بالإمكان أن يعبّروا فيها عن تجاوز الأزمة، بل هناك نكران للأزمة، والاتحاد بوضعه الحالي يستبعد نفسه من المشهد.”
وتصاعدت الدعوات المنادية بتنحية نورالدين الطبوبي من منصبه مؤخرا، حيث طالبت الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، الأسبوع الماضي، بإحالة الأمين العام للمنظمة على “الهيئة الوطنية للنظام الداخلي وإيقافه فورا عن النشاط النقابي من أجل إخلاله بالميثاق النقابي والمس من وحدة المنظمة والنيل من كرامة قيادتها والعمل على شق صفوف النقابيين والإساءة لسمعتهم.” كما حمّلت الهيئة الإدارية الجهوية "الطبوبي وبعض أعضاء المكتب التنفيذي الوطني كامل المسؤولية في ما آل إليه الوضع الداخلي للاتحاد من تفكك واحتقان نتيجة سياسة الاستهداف والإقصاء والإضعاف والتفرقة."