تعيين مبعوث أميركي إلى سوريا مهمة استكشافية لا تعني تغييرات في السياسة الإقليمية
في سياق يعكس حذرا أكثر منه تحولا جذريا، تستعد الولايات المتحدة لتعيين توماس باراك، السفير الأميركي في أنقرة والمقرّب من الرئيس دونالد ترامب، مبعوثا خاصا إلى سوريا، في خطوة تهدف بالدرجة الأولى إلى استكشاف مدى التزام الحكومة السورية المؤقتة برئاسة أحمد الشرع بوعودها السياسية، وليس إلى إعادة صياغة الموقف الأميركي من سوريا أو من العلاقة مع إسرائيل.
وجاء هذا التطور بعد الإعلان المفاجئ للرئيس ترامب برفع العقوبات المفروضة على سوريا، في قرار أثار ردود فعل متباينة وتفسيرات متسرّعة حول احتمالات انفتاح أميركي واسع على دمشق. غير أن المعلومات المتوفرة حتى الآن، ومن بينها تصريح مصدر دبلوماسي في تركيا، تشير إلى أن المهمة الموكلة لباراك تظل أقرب إلى تقصّي النوايا منها إلى الشروع في مسار دبلوماسي كامل.
ويرى مراقبون أن السياق العام لا يوحي بوجود رغبة أميركية في تعديل جوهري على ثوابت واشنطن، خصوصا في ما يتعلّق بالعلاقة مع إسرائيل.
المهمة الموكلة لتوماس باراك تظل أقرب إلى تقصّي النوايا منها إلى الشروع في مسار دبلوماسي كامل
ولم يسفر لقاء ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية منتصف مايو، والذي نوقشت خلاله إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، عن مؤشرات ملموسة على تحوّل فعلي في هذا الملف.
وحتى إن كان هذا الطرح قد ورد في النقاش، فإن تعيين مبعوث مثل باراك لا يمكن اعتباره خطوة كفيلة بتغيير موقف سوريا التقليدي من إسرائيل أو دفعها نحو تحالفات إقليمية جديدة.
وتدرك واشنطن أن مثل هذه الملفات تتطلب سنوات من العمل التراكمي، وضمانات أمنية وسياسية لا يمكن توفيرها في اللحظة الراهنة، خاصة في ظل هشاشة الوضع الداخلي في سوريا الجديدة، وتعقيدات العلاقة مع الأطراف الإقليمية الأخرى.
وتزداد الصورة تعقيدا إذا ما أخذنا في الاعتبار الرسائل المتضاربة التي تصدر عن واشنطن بخصوص سوريا. فمن جهة، تحذّر الإدارة الأميركية من احتمال انهيار الدولة السورية وعودة الفوضى، كما جاء في تصريحات وزير الخارجية مارك روبيو أمام مجلس الشيوخ، حيث قال إن “دعم الحكومة السورية الجديدة ضروري لتفادي عودة الفوضى،” ومن جهة أخرى، تقوم الإدارة نفسها بخطوات انخراط تدريجي في الشأن السوري، سواء عبر رفع العقوبات بشكل مفاجئ، أو من خلال تعيين مبعوث خاص، وهو ما يراه البعض ازدواجية سياسية تعكس غياب إستراتيجية واضحة.
وقالت الباحثة في شؤون الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا نادين حموي إن “السياسة الأميركية تجاه سوريا تُظهر مزيجا من التردد والتجريب. هناك قلق حقيقي من فشل حكومة الشرع، لكن في الوقت ذاته لا توجد رؤية طويلة الأمد أو التزام واضح.”
وأضافت حموي “رفع العقوبات قبل تحقيق أيّ تقدم سياسي فعلي يعكس فهما محدودا لتعقيدات الداخل السوري، ويمنح النظام الجديد أدوات من دون شروط صارمة.”
ويبدو تكليف باراك، الذي يتمتع بخبرة في الأعمال والعلاقات العامة أكثر من السياسة الخارجية الصلبة، انعكاسا لمقاربة إدارة ترامب التي تعتمد على القنوات الشخصية والبراغماتية بدل الأطر الدبلوماسية التقليدية.
ومن المتوقع أن يواصل باراك عمله كسفير في أنقرة في الوقت ذاته، ما يعزز فكرة أن مهمته في الملف السوري ستكون استكشافية ومحدودة، وليست تعبيرا عن انخراط أميركي شامل في العملية الانتقالية بسوريا.
ورأى سامي الحسن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون أن استمرار باراك في منصبه بسفارة أنقرة هو “إشارة واضحة إلى الطابع غير الرسمي لمهمته في سوريا.” مضيفا أن “الولايات المتحدة لا تريد إعطاء الانطباع بأنها تنخرط في هندسة النظام الجديد في دمشق، بل تكتفي بدور المراقب الحذر.”
حماس مثير
وركز الاجتماع الأخير بين مسؤولين أميركيين وأتراك في واشنطن، بحضور باراك، على ملفات تخفيف العقوبات ومكافحة الإرهاب، دون أيّ ذكر لتحوّل في العلاقات الإقليمية أو دور سوريا في اتفاقيات أبراهام. كما أن وزارة الخارجية الأميركية لم تصدر أيّ إعلان رسمي بشأن الدور الجديد لباراك، وهو ما يعكس ترددا مقصودا في تعظيم هذه الخطوة.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو، التي شدد فيها على أن دعم الحكومة السورية الجديدة ضروري لتفادي عودة الفوضى، لتؤكد أن الاهتمام الأميركي يتركز حاليا على ضمان الاستقرار الداخلي، ومنع انهيار الدولة، لا على إعادة بناء علاقات إقليمية أو إحداث تحوّلات جيوسياسية كبيرة في المنطقة.
وبالتالي، فإن تعيين مبعوث خاص إلى سوريا لا يجب أن يفهم باعتباره مؤشرا على تحوّل في العلاقة مع إسرائيل، التي تبقى الحليف الإستراتيجي الأول للولايات المتحدة في المنطقة.
وإذا كانت واشنطن حريصة على اختبار فرص الاستقرار في سوريا، فإنها لا تفعل ذلك على حساب التزاماتها تجاه إسرائيل، ولا عبر المراهنة على تغييرات غير مضمونة في الموقف السوري من الصراع العربي – الإسرائيلي.
وستكشف المرحلة المقبلة إلى أيّ حد تستطيع حكومة أحمد الشرع ترجمة تعهداتها إلى سياسات ملموسة، لكن ما هو واضح حتى الآن أن واشنطن ليست بصدد منح دمشق شيكا على بياض، ولا فتح أبواب التطبيع السياسي دون ضمانات حقيقية.
ويشير محللون إلى أن مهمة باراك هي اختبار للوعود أكثر منها فتحا للأبواب، ومراقبة دقيقة لما يمكن أن تقدمه الحكومة السورية الجديدة، لا إعلانا عن عهد دبلوماسي جديد.