جدل المحكمة الدستورية.. هكذا عَلِق إخوان تونس في وهم العودة
كلما أصروا على أمر فالمؤكد أن في ثناياه فخاخا ينصبونها علهم يقتنصون عبرها فرصة تعيدهم للحكم، أما في العلن فيشهرون عناوين مغلوطة.
إخوان تونس يحاولون مجددا العودة للواجهة، لكن كعادتهم، يقترن ظهورهم في كل مرة بمحاولة إثارة الرأي العام والدفع نحو جدالات عقيمة هدفها الوحيد بث الفوضى..
ومؤخرا، كثفت الجماعة دعواتها في المنابر الإعلامية لإرساء المحكمة الدستورية بتونس، علهم يجدون منفذا آخر للاختراق والتسلل من جديد والعودة عبر بوابتها.
وفي أبريل/نيسان الماضي، قدم عشرة نواب بالبرلمان التونسي مشروع قانون لوضع المحكمة الدستورية بدعوى استكمال المؤسسات المرتبطة بدستور 2022.
لكن مكتب مجلس البرلمان أعلن، عقب اجتماع لأعضائه مع رئيس المؤسسة التشريعية، إسقاط المبادرة القانونية بعد سحب خمسة نواب لإمضاءاتهم من مشروع القانون بسبب رفضهم للفصول المحددة لحالة الشغور.
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن الإخوان يدركون أن إرساء المحكمة الدستورية يصب في مصلحتهم، حيث يمنحهم فرصة ثمينة للتسلل من جديد معولين على تركيبة أعضائها والبنود التي تنص على حالة الشغور.
وتنص المادة 109 من الدستور التونسي على أنه "عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو لاستقالة أو لعجز تام أو لأي سبب، يتولى رئيس المحكمة الدستورية فورا مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما".
اختراق التركيبة
يقول المحلل السياسي التونسي عبد المجيد العدواني إن "حركة النهضة (الذراع السياسية لإخوان تونس) تبحث عن أي فرصة لإعادة التموقع".
ويضيف العدواني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الحركة "أصبحت تضغط من أجل إرساء المحكمة الدستورية في البرلمان، لكن سرعان ما أسقط النواب مشروع القانون لما يتضمنه من ثغرات يمكن استغلالها لمصلحة الإخوان الذين يعودون الآن للضغط من جديد".
ولفت إلى أنه "في حال إرساء المحكمة الدستورية يجب أن يكون أعضاؤها في حياد واستقلالية تامة"، محذرا من "عودة الإخوان عبر اختراق أعضاء هذه المحكمة خاصة أنه بعد 2011 عمدت حركة النهضة إلى التغلغل داخل كل مرافق الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية".
وبحسب الخبير، فإن "دستور الإخوان لسنة 2014 نص على إرساء المحكمة الدستورية لكن تم تجاوز المدة جراء خلافات حادة بين الكتل البرلمانية وإصرار الحركة الإخوانية على فرض مرشحيها لعضوية المحكمة، واستمر الوضع مع الانتخابات التشريعية في عام 2019".
وتابع أنه "بعد 2019، وتحديدا عقب الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس (الحالي) قيس سعيد، عادت حركة النهضة مجددا إلى محاولة وضع يدها على المحكمة الدستورية عبر تعديلات رفض الرئيس سعيد المصادقة عليها في مارس/آذار 2021 نظرا لأن الحركة فرضت مرشحيها".
ويشير العدواني إلى أن "الجدل تجدد حول المحكمة الدستورية ومهامها وتركيبتها"، مؤكدا أن قيس سعيد وهو أستاذ قانون دستوري بالأساس ولن يغفل عن مسألة إحداث المحكمة لكنه ينتظر سد الشغور الحاصل في الهيئات القضائية الأخرى.
وشدد على أن الرئيس هو من سيدعو إلى إحداثها بعد الانتباه للثغرات التي يمكن استغلالها وبعد التقصي الجيد لتركيبة المحكمة.
مراقبة دستورية القوانين
من جهة أخرى، قال أستاذ القانون والمحلل السياسي التونسي نزار القاسمي إن "للمحكمة الدستورية أهمية كبيرة في تونس، فهي تختص بمراقبة دستورية القوانين والمعاهدات".
واعتب القاسمي، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أنه "من الطبيعي أن تكون لتونس محكمة دستورية تصدر عن علوية دستورية، والقوانين التي تصدر لا بد أن تكون مطابقة للدستور".
وأشار إلى أن تونس كان لديها مؤسسة تسمى "المجلس الدستوري" تأسست عام 1990 في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وهو مجلس يختص بالنظر في دستورية مشاريع القوانين المعروضة عليه".
ومستدركا: «لكن منذ 2011، وبعد وصول الإخوان للحكم، تم حل هذا المجلس وتعويضه بهيئة مؤقتة لمراقبة دستورية القوانين ثم تم حلها».
وتابع: "كما نص دستور عام 2014 (دستور الإخوان) ودستور عام 2022 (في عهد قيس سعيد) على إحداث هذه المؤسسة وضبط تركيبتها واختصاصاتها لكن عملية إنشائها ظلت تراوح مكانها".
مزايدات الإخوان
وشدد القاسمي على أن "هناك مزايدات الآن من قبل قوى المعارضة وعلى رأسها حركة النهضة تجاه هذا الملف، لأن من هم في المعارضة لم يدفعوا نحو تشكيل المحكمة حين كانوا في البرلمان، لكن الآن أصبحت همهم الوحيد".
وحول النقاط التي أثارها تنظيم الإخوان وحلفائه حول حالة الشغور قبل تشكيل المحكمة، قال إن "هناك صلاحيات تسيير تُحال إلى رئيس الحكومة وأخرى إلى رئيس البرلمان، فالدستور ليس منغلقا على رئيس المحكمة الدستورية في حالة الشغور".
وينص دستور عام 2022 أيضاً على أنه "في حال شغور منصب رئيس الدولة، يتولى رئيس المحكمة الدستورية مكانه وذلك في حالة العجز التام أو الوفاة أو الاستقالة".
كما ينص في المادة 125 منه على أن “المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركب من تسعة أعضاء تتم تسميتهم بأمر (من رئيس الجمهورية)”.
وهؤلاء الأعضاء “ثلثهم الأول أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية (التمييز أعلى من الاستئناف) أو الاستشارية بالمحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير أقدم أعضاء محكمة المحاسبات”.
وحددت المادة 127 مهام المحكمة، ومنها “مراقبة دستورية القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب أو نصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم”.