«معاهدة ووتشالي».. حين أشعل خطأ في الترجمة حربا

وكالة أنباء حضرموت

في عام 1889، تسبب خلاف كبير بين إيطاليا وإثيوبيا حول تفسير معاهدة ووتشالي في اندلاع الحرب الإيطالية-الإثيوبية الأولى.

وذكر موقع "ذا كولكتور" المعني بالتاريخ، أن هذا الخلاف جاء نتيجة وجود نسختين رسميتين من المعاهدة، إحداهما مكتوبة باللغة الإيطالية والأخرى باللغة الأمهرية، حيث تضمنت المادة السابعة عشرة اختلافًا جوهريًا في الصياغة أدى إلى تفسيرين متناقضين حول وضع إثيوبيا وعلاقتها بإيطاليا.

في النسخة الإيطالية من المعاهدة، ورد أن الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني "يوافق على توكيل" الحكومة الإيطالية بإدارة شؤون بلاده الخارجية، مما يعني ضمنيًا أن إثيوبيا أصبحت تحت الحماية الإيطالية وتخضع لنفوذها في علاقاتها الدولية.

أما النسخة الأمهرية، فقد نصت على أن الإمبراطور "يستطيع، إذا رغب"، الاستعانة بإيطاليا، وهو تعبير يجعل العلاقة اختيارية وغير ملزمة، وبالتالي يحافظ على استقلالية إثيوبيا وسيادتها الكاملة.

ورغم هذا التناقض، نصت المادة التاسعة عشرة على أن النسختين لهما "القوة القانونية المتساوية" وأنهما "متطابقتان تمامًا"، ما زاد من تعقيد النزاع وأدى إلى سوء فهم كبير بين الطرفين.

جذور النزاع
تعود جذور هذا النزاع إلى فترة التدافع على أفريقيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث كانت القوى الأوروبية تتنافس على تقسيم القارة واستعمار أراضيها. وخلال تلك الفترة، تمكنت إثيوبيا وليبيريا فقط من الحفاظ على استقلالهما، وسط موجة استعمارية عاتية.

كانت إيطاليا، التي توحدت حديثًا كدولة، تسعى إلى توسيع نفوذها في شرق أفريقيا، خصوصًا بعد أن حصلت على أراض على البحر الأحمر وأعلنت مستعمرة إريتريا.

واستغلت إيطاليا الانقسامات السياسية داخل إثيوبيا، لا سيما الصراع بين الإمبراطور يوحنس الرابع وساحلي مريم، ملك إقليم شوا، الذي كان طامحًا للعرش الإمبراطوري.

إذ دعمت إيطاليا ساحلي مريم بالسلاح والمال، بهدف تقويض سلطة يوحنس وتوسيع نفوذها في المنطقة.

بعد وفاة الإمبراطور يوحنس عام 1889 إثر إصابته في معركة ضد الجيش السوداني، أعلن ساحلي مريم نفسه إمبراطورًا باسم منليك الثاني، ووقع معاهدة ووتشالي مع إيطاليا في مايو/ أيار من نفس العام.

نصت المعاهدة على اعتراف منليك بسيطرة إيطاليا على أراضي في تيغراي وإريتريا، مقابل السماح لإثيوبيا باستيراد الأسلحة عبر ميناء مصوع دون رسوم.

لكن الخلاف حول المادة السابعة عشرة أثار أزمة دبلوماسية كبيرة، إذ أبلغت إيطاليا القوى الأوروبية أن إثيوبيا أصبحت تحت حمايتها، ما دفع منليك إلى الاعتراض بشدة ورفض أي تنازل عن سيادة بلاده.

تصاعد التوتر بين الطرفين، ورفضت إيطاليا التراجع عن موقفها، بل أرسلت قوات عسكرية إلى إقليم تيغراي، مما أدى إلى تصاعد النزاع العسكري.

وفي عام 1893، أعلن منليك إلغاء معاهدة ووتشالي من طرف واحد، مؤكدًا استقلال إثيوبيا ورفضه لأي حماية أجنبية أو تدخل في شؤون بلاده.

وفي عام 1896، حقق جيش منليك بقيادة قواته الوطنية انتصارًا حاسمًا على القوات الإيطالية في معركة عدوة، وهو الانتصار الذي شكّل نقطة تحول تاريخية، إذ كانت إثيوبيا أول دولة إفريقية تحافظ على استقلالها في وجه محاولات الاستعمار الأوروبي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1896، وقعت إيطاليا وإثيوبيا معاهدة أديس أبابا التي اعترفت رسميًا بسيادة إثيوبيا، منهية بذلك النزاع العسكري بين الطرفين.

ومع ذلك، ظلت هزيمة إيطاليا في هذه الحرب جرحًا عميقًا في تاريخها الوطني، إذ اعتبرتها إهانة وطنية.

وبعد عدة عقود، في عام 1935، أطلق الديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني حملة غزو جديدة لإثيوبيا، معلنًا رغبته في الانتقام من هزيمة عدوة. وأدى هذا الغزو إلى احتلال مؤقت لإثيوبيا، لكنه لم يمحِ من ذاكرة الشعب الإثيوبي رمز المقاومة والفخر الوطني الذي مثلته هذه الدولة الأفريقية.