السجون العراقية تحت دائرة الضوء بعد انتشار فيديو عنيف
تتزايد الأصوات الغاضبة المنددة بما يجري في السجون العراقية بعد انتشار مشاهد عنيفة من داخل أحد أقسام سجن التاجي في العاصمة بغداد، وسط توجيه إهانات وعبارات طائفية للنزلاء، ما أعاد فتح ملف السجون العراقية، رغم تبرير وزارة العدل بأن أغلب الفيديوهات المنتشرة لتجاوز النزلاء على بعضهم البعض “قديمة”.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الجمعة مقطع فيديو يُظهر قيام أحد السجناء بالاعتداء الجسدي على عدد من زملائه، وسط صرخات استغاثة من الضحايا.
ويبين الفيديو السجين وهو ينهال بالضرب المبرح على مجموعة من السجناء، مع ترديده عبارة “هاي باسم النجف” أثناء الاعتداء، ما فتح باب التساؤلات حول خلفيات الحادث ودوافعه، وما إذا كان الأمر مرتبطا بتصفية حسابات داخل السجن.
وطالب ناشطون بفتح تحقيق فوري في الحادثة، وكشْف ملابسات تسريب الفيديو، ومحاسبة المتورطين، سواء من السجناء أو الجهات الأمنية التي يفترض بها فرض السيطرة داخل السجون، وقال ناشط:
Sh____i90@
الصراعات بين السجناء #والتهديدات ما زالت مستمرة من داخل السجن بين النجف وبغداد.. أبوحية.
إذا كانوا في السجن يقومون بمثل هذا السلوك فماذا كانوا سيفعلون لو كانوا خارجه.
وكتب ناشط:
AliAlHayes1@
أصبحت سجون العراق بمثابة مكاتب #اقتصادية يستغلها البعض لتحقيق مكاسب مادية، فكل شيء داخل السجن متاح لمن يدفع، وكأن #العدالة تُدار بالمزاد لا #بالقانون.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة العدل أحمد لعيبي عبدالحسين في بيان إن “تلك المقاطع تعود لأحداث قديمة تم رصدها سابقا عبر كاميرات المراقبة داخل القاعات السجنية، وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق النزلاء المتورطين في تلك الاعتداءات في حينها.”
وأضاف أنه “تم تحريك شكوى جزائية بحقهم لدى المحاكم المختصة، كما تم اتخاذ إجراءات قانونية بحق العناصر التي ساهمت في إدخال هذه المواد إلى السجن،” مبينا أن “بعض الفيديوهات قديمة تعود لسنوات سابقة، وأن بعضا ممن يظهرون فيها قد شملوا بقانون العفو العام، وهم الآن مفرج عنهم.”
وعلق ناشط على مقطع الفيديو مستنكرا التبريرات:
HaiderS51582962@
ترك السجناء للمهانة والتعذيب عارٌ لا تغسله تصريحات ولا تبرره القوانين.
وكتب آخر:
Ahmed_Alward1@
السجون العراقية إلى أين؟ أين الدولة…؟
وزارة العدل هل هي معنية فقط بتشكيل لجنة! أو إقالة مدير سجن!
السجون الإصلاحية غير إصلاحية. مقبرة ومتاجرة.
الأشياء التي شوهدت خلال هذهِ الفترة تبين أن هنالك فشلا كبيرا بهذهِ الوزارة التي هي معنية بإصلاح النزلاء.
ويبلغ عدد السجون في عموم البلاد 30 سجنا، تضم نحو 60 ألف سجين بين محكوم وموقوف بجرائم جنائية أو إرهابية، ومن بين السجناء 1500 امرأة و1500 سجين عربي، إضافة إلى سجن آخر فيدرالي يعرف بسجن “سوسة” في محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق، وهو مرتبط بوزارة العدل الاتحادية.
وأكدت وزارة العدل أن “توقيت نشر هذه المقاطع يأتي عقب إلقاء القبض قبل شهر على عصابة كانت تريد إدخال المخدرات إلى سجن التاجي، في عملية نوعية تؤكد نجاح التعاون بين إدارة السجن والقضاء والجهات الأمنية.”
وأشارت إلى أن “أغلب المدانين في سجن التاجي هم من كبار تجار المخدرات، ويُرجّح أن نشر هذه المقاطع يهدف إلى إثارة الرأي العام وتشويه صورة الجهود الإصلاحية، ومحاولة التشويش على الإجراءات الأمنية المشددة التي تم اعتمادها مؤخرا لمنع إدخال الممنوعات.”
وشددت وزارة العدل على “التزامها الكامل بتطبيق القانون داخل جميع السجون العراقية، ومنع أي تجاوزات واتخاذ إجراءات صارمة بحق من يتجاوز القانون.”
وفي يناير الماضي أيضا تم تداول مقطع فيديو لسجين من داخل سجن التاجي يظهر فيه حاملاً لهاتفه ومتوعدا بالانتقام بعد خروجه من السجن، ما تسبب في إعفاء مدير السجن بسبب تسريب الهاتف إلى داخل السجن، وآنذاك أثار أيضا ضجة كبيرة:
dr_jasemj67@
بعيدا عن قرار تغيير مدير #سجن_التاجي هنالك كلام خطير قاله أحد السجناء؛ السجن هنا ليس للإصلاح!
هذه رسالة إلى المنظمات الدولية والحكومة تفيد بأن واقع السجون مرعب ومخيف لهذا سمعنا عبارة “جاييكم جاييكم”.
تابعوا الفيديو المسرب من داخل سجن التاجي المركزي… وزارة العدل في مأزق تاريخي!
ورغم توجيه مجلس القضاء الأعلى في العراق، في 21 فبراير الماضي، دائرة السجون بتنفيذ “إطلاق سراح فوري” لمن يصدر له قرار الإفراج وفق قانون العفو العام، من دون الحاجة إلى اكتساب القرار الدرجة القطعية، إلا أن الآلاف لا يزالون قابعين في السجون.
ولا توجد إحصائية رسمية عن عدد السجناء في العراق، لكن أرقاما متضاربة تؤكد أنها تقارب مئة ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين، وفق مراقبين.
وكان المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قد كشف في تقرير له، نهاية العام الماضي، وفاة نحو 50 معتقلا نتيجة “عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد،” مبينا أنّه ما بين يناير الماضي وأغسطس الماضي توفّي 49 معتقلاً، 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي (شمالي بغداد)، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في بغداد.
وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير، ومن غياب للدور الرقابي المنوط بالجهات الحكومية خاصة تلك المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري فيه الحديث عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.
وفي يوليو 2023 أقرت وزارة العدل العراقية بانتشار أمراض في السجون، بسبب الاكتظاظ الكبير فيها، مبينة أنها تسعى إلى التنسيق مع وزارة الصحة لمتابعة أوضاع السجناء الصحية، وسط دعوات لإيجاد حلول للواقع المؤلم داخل السجون.
وأعلنت عن عزل أكثر من 20 موظفا في السجون نتيجة انتهاكاتهم وإدخالهم للممنوعات داخل السجون، فيما اعتبرت أن هذا الملف يعد تحديا كبيرا لأن السجون تعاني من الاكتظاظ، وهناك تراكمات للأخطاء منذ عدة عقود، وبالتالي من الصعب معالجتها جميعا، وأشارت إلى أن نسبة الاكتظاظ وصلت إلى 300 في المئة، وأن الطاقة الاستيعابية تتجاوز الـ25 ألف سجين، وهناك أكثر من 60 ألف سجين داخل السجون ومن الصعب السيطرة على هذه الأعداد.
وبحسب سياسيين ومراقبين، فإن هناك عمليات تعذيب تحصل لبعض المعتقلين لدى الجهات الأمنية لانتزاع الاعترافات منهم، ما يضطر بعضهم أحيانا إلى الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، في حين أن سجناء آخرين لا يتعرضون لذلك في حال كانت لديهم علاقات مع أشخاص أو جهات متنفذة سياسيا أو اجتماعيا أو من الطبقة الثرية، كما أن هناك تمييزا في مدد أحكام السجن تختلف من سجين إلى آخر وفقا لمكانته وتأثيره السياسي والاجتماعي، ووصل الأمر إلى أن مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي يحصلون على أحكام مخففة في حال مخالفتهم للقوانين في حين يتم تطبيق القانون بشدة على غيرهم حتى وإن ارتكبوا نفس المخالفة.