هل تُطوى صفحة العداء بين قسد ودمشق؟
تعهدت الفصائل المسلحة، عقب سيطرتها على سوريا، بتوحيد صفوفها في جيش وطني واحد. لكن التحدي الأكبر واجهها في شمال شرق البلاد، حيث تسيطر إدارة ذاتية تقودها الأقلية الكردية التي تبدي توجساً عميقاً تجاه القيادة الجديدة، المدعومة من تركيا، والتي لطالما سعت إلى تحجيم النفوذ الكردي في سوريا.
الاتفاق يشكل "فرصة تاريخية" لنيل الأكراد الاعتراف من الحكومة
ورغم أن الطرفين خاضا مواجهات دموية في السنوات الماضية، إلا أن المرحلة الراهنة تشهد سعياً نحو بناء تحالف يدمج "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية، المعروفة بـ"قسد"، ضمن الجيش الوطني الجديد.
لكن مقابلات أجرتها صحيفة نيويورك تايمز مع العشرات في شمال شرق سوريا أظهرت اتساع فجوة الثقة، لا سيما مع وصول متمردين سابقين، كانوا مرتبطين بتنظيم القاعدة، إلى مواقع السلطة اليوم، ومع استمرار الدور التركي في دعم الحكومة الجديدة.
قلق الأقليات
وتعبّر أمينة محمود (31 عاماً) من مدينة كوباني عن الشكوك قائلة: "كيف لنا أن نثق بهذه الحكومة الجديدة في دمشق؟"، وهي مخاوف يشاركها أبناء الأقليات الدينية والعرقية الأخرى، الذين لا يثقون بأن السلطة الجديدة ستحميهم أو تمثلهم.
وفي 10 مارس (آذار)، وافقت قسد على تسليم عناصرها، إلى جانب المؤسسات الحيوية التي تديرها، مثل حقول النفط والغاز، إلى الحكومة المركزية، بحلول نهاية العام الحالي، في خطوة اعتبرها مراقبون إنجازاً كبيراً للرئيس الجديد أحمد الشرع في سعيه لتوحيد بلد ما زال يعاني من الاضطرابات.
ولقي الاتفاق ترحيباً أولياً، خصوصاً في المناطق المختلطة مثل شمال شرق سوريا، التي تضم أكراداً وعرباً، ويتطلع فيها الأكراد، الذين يشكلون 10% من سكان سوريا، إلى نيل حقوق مساوية لبقية المواطنين.
لكن سرعان ما عادت الشكوك للظهور، إذ اعتبر أعضاء في الإدارة الكردية أن الاتفاق لا يزال في مراحله الأولى، وأن تفاصيله الجوهرية لم تُحسم، مثل ما إذا كانت قسد ستنضم إلى الجيش الوطني ككتلة واحدة، أو ستواصل أداء دورها في تأمين الشمال الشرقي.
وقال بدران الكردي، أحد المشاركين في مفاوضات الدمج: "الشرع وحكومته يسعون لحكم سوريا بأكملها.. وهم بالطبع يحلمون بالسيطرة على مناطقنا. لكن الأمر ليس سهلاً".
من جانبه، وصف صالح مسلم، أحد أبرز قياديي الإدارة الكردية، الاتفاق بأنه "فرصة تاريخية" لنيل الأكراد اعترافاً من الحكومة.
الدور التركي
وتربط تركيا بين المقاتلين الأكراد وحزب العمال الكردستاني، المحظور في أنقرة والذي يقاتلها منذ عقود.
وعلى مدى السنوات الماضية، نفّذت تركيا غارات جوية ضد القوات الكردية، ودعمت فصائل سورية معارضة لهم.
وحتى بعد توقيع اتفاق الدمج بين الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، واصلت أنقرة هجماتها عبر الطائرات المسيّرة، قبل أن تعلّقها مؤقتاً.
وتشعر بعض الأقليات، خاصة المسيحيين الذين يمارسون شعائرهم بحرية نسبية في شمال شرق سوريا، بالقلق من عودة قوات الحكومة المركزية إلى المنطقة.
مجزرة الساحل
وازداد هذا القلق الشهر الماضي، عقب أحداث دامية استهدفت الأقلية العلوية في محافظتي طرطوس واللاذقية. واندلعت أعمال العنف حين هاجم أنصار الرئيس السابق بشار الأسد قوات الحكومة الجديدة، التي ردّت بقوة، بدعم من آلاف المقاتلين المسلحين، بينهم أجانب. وأسفرت المواجهات عن مقتل نحو 1600 شخص، غالبيتهم من المدنيين العلويين، الطائفة التي ينتمي إليها الأسد.
وتقول أليس مارديروس، أرمنية تبلغ من العمر 50 عاماً من مدينة القامشلي، بعد حضورها قداس الأحد: "نحتاج لبقاء الأكراد في موقع القوة الأمنية هنا.. لولا وجودهم، لكانت رؤوسنا قد قُطعت".
دور أمريكي آخذ بالانحسار
وكانت الولايات المتحدة قد دعمت قسد عسكرياً ومالياً وسياسياً لسنوات، بعدما أثبتت فاعليتها في التصدي لتنظيم "داعش".
لكنها بدأت هذا الشهر عملية انسحاب تدريجية من شمال شرق سوريا، ما يفتح المجال أمام تحولات جديدة في موازين القوى داخل البلاد.