مغامرة هتلر.. كيف هزم «جيوش أوروبا» في أسابيع فقط؟

وكالة أنباء حضرموت

بين عشية وضحاها، تحولت ما كان يطلق عليها في بعض الأحيان «الحرب الزائفة» إلى كابوس حقيقي، فما كان يُعتقد أنه جدار أوروبي منيع - خط ماجينو العظيم - بات مجرد ديكور استراتيجي أمام آلة الحرب الألمانية الحديثة.

هذا ما حدث في بداية الحرب العالمية الثانية، فبعد أشهر من التراخي، سقطت فرنسا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ في أيدي النازيين خلال 6 أسابيع فقط من الذعر.

فعلى مدار أشهر، حفر الجنود البريطانيون الخنادق، وشربوا الشاي، وتدربوا، لكن لم يحدث شيء يُذكر مما دفع الصحفيين لإطلاق أوصاف مثل "الحرب الزائفة"، و"حرب الملل" ثم فجأة، في 10 مايو/أيار 1940، حل الرعب والصدمة.

فبحسب صحيفة «ديلي إكسبريس» البريطانية، كان غزو ألمانيا لهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وفرنسا من أكثر العمليات العسكرية نجاحًا ودراماتيكية على مر العصور وكان في الوقت نفسه مغامرة مذهلة.

وبالمقارنة مع الفرنسيين والبريطانيين، كان جنرالات الزعيم النازي أدولف هتلر يقودون فرقًا أقل (135 مقابل 155)، ودبابات وطائرات حربية أقل، ونحو نصف عدد مدافع المدفعية، في حين كانت فرنسا تمتلك أكبر جيش في العالم، وكانت تستعد للدفاع عن حدودها لسنوات عديدة كما انضمت إليها قوة استطلاع بريطانية على درجة عالية من الاحتراف.

فكيف انهار كل شيء في 6 أسابيع فقط؟
الإجابة هي أن الفرنسيين استعدوا ببراعة لكن لخوض حرب من نوع مختلف أي أنهم استعدوا لحرب الخرسانة والأسلاك والمدفعية مثل الحرب العالمية الأولى فأنفقوا ملايين الفرنكات لبناء سلسلة من الدفاعات الهائلة تُسمى «خط ماجينو» على طول الحدود الفرنسية الألمانية الذي تميز بهندسة رائعة وكان يُعتقد أنه منيع.

لكن الجيش الألماني قرر خوض حرب من نوع آخر وهي ما نُطلق عليه اليوم «حرب الأسلحة المشتركة» حيث عملت المشاة والمدرعات والطائرات المرتبطة بوسائل اتصال لاسلكية فورية معًا، لتضرب وتتحرك بسرعة، وتعزل نقاط قوة العدو، وتضرب في عمق خطوطه لقطع الاتصالات وسلاسل الإمداد، مما يُفقده توازنه.

وبدأ الهجوم في بلجيكا وهولندا وهو ما دفع البريطانيين شمالًا وشرقًا إلى خطوط دفاعية قائمة مسبقًا على طول نهر دايل لكن ذلك كان فخًا حيث انطلق الهجوم الألماني الرئيسي فجأةً جنوبًا في تلال وغابات آردين وهي مناطق على امتداد حدود فرنسا ولوكسمبورغ وجنوب بلجيكا لم يكن فيها «خط ماجينو» إنما بضع وحدات ثانوية من الجيش الفرنسي؛ لأن القائد العام للقوات المسلحة الفرنسية، الجنرال موريس غاملين، كان يعتقد أن الأحمق فقط هو من يحرك قوة مدرعة في هذه المسارات المتعرجة لكن الألمان نجحوا في اختراقها.

وسرعان ما اتضح أنه إذا تمكن الألمان من عبور آردين، فيمكنهم تجاهل حصون خط ماجينو العملاقة تمامًا والتوجه ببساطة إلى القناة الإنجليزية أو إلى باريس أو إلى كليهما.

وكانت وحدات الدبابات والوحدات الآلية نشيطة ومدعومة بطائرات هجوم بري، ولا سيما قاذفات ستوكا الانقضاضية، التي كان القادة على الأرض يستدعونها بسرعة عبر أجهزة الراديو الخاصة.

ومع احتدام المعركة في التلال، ضربت القاذفات الألمانية القواعد الجوية الفرنسية وقواعد سلاح الجو الملكي البريطاني في عمق فرنسا. وبحلول 13 مايو/أيار، سادت الفوضى في الجيش الفرنسي، فيما كان الجيش الألماني على أهبة الاستعداد للانطلاق من آردين إلى الأراضي المستوية الممتدة غربًا وجنوبًا. وفي 14 مايو/أيار، أعلن قائد الجيش الفرنسي الرئيسي، الجنرال ألفونس جورج، خسارة آردين.

هزيمة مدوية
وبينما كانت أرتال الدبابات الألمانية تجوب شمال فرنسا، اندفعت القوات الجوية الفرنسية لتقصف كل رأس جسر فوق نهر الميز لكنها هُزمت بنيران كثيفة مضادة للطائرات. وأرسل سلاح الجو الملكي البريطاني قاذفات بريطانية إلى "معركة الجسور" نفسها، لكنها لاقت المصير نفسه تمامًا فخسر 40 طائرة بلينهايم وفيري باتل من قوة قوامها 71 طائرة.

وازدادت الصدمة من سرعة التقدم الألماني، وفي حين كانت هولندا تأمل أن تظل محايدة مثل الحرب العالمية الأولى، كان لهتلر رأي آخر واستمر القتال أسبوعًا وكاد الجيش الهولندي، أن ينهار، وهربت الملكة فيلهلمينا إلى لندن على متن مدمرة تابعة للبحرية الملكية.

وبدا أن الجيش الألماني وخاصةً سلاحه الجوي لا يُقهر وساحقًا وكان، الخوف أحد أقوى أسلحة هتلر بسبب الفكرة التي زرعتها الدعاية النازية بأن هتلر جهز نوعًا جديدًا من الجنود الخارقين وسلاحًا جويًا قادرًا على هدم مدينة لذا بدأت الوحدات الفرنسية بالاستسلام.

وفي 15 مايو/أيار، اتصل رئيس الوزراء الفرنسي بول رينو بنظيره البريطاني ونستون تشرشل وقال له "لقد هُزمنا" واندفع تشرشل إلى باريس ولم يُصدق السلبية التي واجهها هناك.

لكن، بفضل تشرشل، خطط الجيشان البريطاني والفرنسي لهجوم مضاد وفي 21 مايو/أيار، هاجمت قوة كبيرة من الدبابات البريطانية رتلًا ألمانيًا قرب أراس.

ورغم الهزيمة، يعتقد العديد من المؤرخين أن الموقعة ربما أنقذت الجيش البريطاني في فرنسا بسبب "أمر التوقف" الذي أصدره هتلر والذي أوقف القوات الألمانية لثلاثة أيام حاسمة، وسمح للجيش البريطاني وحلفائه الفرنسيين بإنشاء موقع دفاعي حول دونكيرك لكن ألمانيا صدت بسهولة الهجمات المضادة الأخرى.

كما كان التحالف الأنجلو-فرنسي يتصدع، وفي 25 مايو/أيار، أرسل رئيس الوزراء بول رينو برقية إلى تشرشل يشكو فيها من تقصير البريطانيين في الشمال وفي المقابل، اشتكى تشرشل من إخفاقات فرنسا.

وفي غضون أسابيع، انتهى كل شيء وفي 14 يونيو/حزيران، دوّت شوارع باريس على وقع صوت الجيش الألماني المنتصر.