ترامب يطالب قناة السويس بامتيازات خاصة بعد حملته على الحوثيين

وكالة أنباء حضرموت

طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، السماح للسفن التجارية والعسكرية التابعة لبلاده بالمرور بشكل مجاني عبر قناتي بنما والسويس، وهو طلب وصفه مراقبون بـ"غير المسبوق" ويثير تساؤلات قانونية.

وكتب ترامب على منصته "تروث سوشيال" السبت "يجب السماح للسفن الأميركية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور مجانا عبر قناتي بنما والسويس".

وتابع "لم تكن هاتان القناتان موجودتين لولا الولايات المتحدة الأميركية. لقد طلبت من وزير الخارجية ماركو روبيو أن يعتني على الفور بهذا الوضع وأن يوثقه!".

ويأتي هذا الطلب في ظل تصاعد التوترات في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين، مما يعزز الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس، التي تعد شريانا حيويا للتجارة العالمية، حيث يمر عبرها 12 بالمئة من التجارة العالمية و22 بالمئة من تجارة الحاويات.  

وتعتبر القناة الطريق الأقصر للشحن بين أوروبا وآسيا، ومصدراً رئيسياً للعملة الصعبة لمصر.

وعلى الرغم من أن التاريخ الحديث للقناة يبدأ في 30 نوفمبر 1854، عندما وقع حاكم مصر محمد سعيد باشا امتيازا يمنح السياسي الفرنسي فرديناند ديليسبس لإنشاء شركة تشرف على مشروع قناة السويس لربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، إلا أن التاريخ الفعلي للقناة يعود لقرون، إذ تشير بعض المصادر إلى أن فكرة القناة تعود لفرعون مصر سنوسرت الثالث.

واستمر العمل في القناة أكثر من عشر سنوات، وافتتحت بشكلها الحالي في 17 نوفمبر 1869.

ومنذ افتتاحها، أدارت الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شؤون القناة، وتناوب على إدارة الشركة رؤساء فرنسيون. تأسست الشركة بنظام الأسهم بقيمة 200 مليون فرنك (قرابة 8 ملايين جنيه مصري)، وملكت مصر أكثر من نصف أسهم الشركة. ولم يكن للولايات المتحدة دور مباشر في تأسيس القناة، إلا أنها ملكت - إلى جانب دول أخرى منها بريطانيا والنمسا وروسيا - أسهما في الشركة المشغلة للقناة.

وفي 6 أكتوبر 1956، أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس ونقل جميع أصول شركة القناة وحقوقها والتزاماتها إلى الدولة، وتعهّد بتعويض جميع المساهمين وأصحاب الأسهم، ومنذ ذلك الحين عادت ملكية القناة إلى مصر بشكل كامل.

على مر السنين، شهدت القناة عمليات صيانة وتوسعة عديدة، كان آخرها عام 2014، ليصل طولها إلى 72 كيلومترًا. وتمر عبر قناة السويس قرابة 10 في المئة من سفن التجارة العالمية، وتعتمد عليها القاهرة لتأمين العملة الأجنبية، إذ حققت القناة إيرادات قياسية بلغت 9.4 مليار دولار في الفترة بين عامي 2022 و2023، و10.2 مليار دولار في عام 2023 وحده.

وشهدت إيرادات القناة تراجعا حادا بنسبة 61 بالمئة في عام 2024، وذلك بسبب تصاعد هجمات جماعة الحوثي اليمنية على السفن في البحر الأحمر، مما دفع العديد من شركات الشحن إلى تحويل مسارات سفنها لتجنب هذه الهجمات.

وقد أعرب أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس مؤخرا عن قلقه بشأن تأثير محتمل لرسوم جمركية قد يفرضها ترامب على حركة التجارة العالمية، وحجم السفن العابرة للقناة، خاصة فيما يتعلق بحركة البضائع الصينية المتجهة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تعتبر الصين شريكا تجاريا هاما للطرفين.

ويعكس طلب ترامب رؤيته لأهمية الممرات المائية الاستراتيجية ودور الولايات المتحدة في السيطرة عليها أو الحصول على امتيازات فيها.

ويأتي طلبه بعدما كثفت الولايات المتحدة ضرباتها على الحوثيين، حيث شنّت هجمات يومية منذ 15 مارس، متعهداً بـ"قوة مميتة ساحقة" لإنهاء هجماتهم. ويزيد هذا الطلب من الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس بالنسبة للولايات المتحدة، حيث يسهل المرور المجاني حركة السفن والإمدادات العسكرية الأميركية.

وأثارت تصريحات ترامب حول قناة السويس جدلا واسعا، إذ اعتبر خبير القانون الدولي المصري أيمن سلامة في منشور على فيسبوك، أن قناة السويس تخضع لنظام قانوني مصري يستند إلى تشريعات واضحة ولوائح تنظيمية دقيقة تحدد رسوم المرور وحالات الإعفاء المحدودة، مؤكدا أن مطالبة ترامب باستثناء الولايات المتحدة وحدها من دفع الرسوم تفتقر إلى أي أساس قانوني أو منطقي.

فيما رأى عضو مجلس الشعب المصري مصطفى بكري أن مطالبة ترامب بمثابة "ابتزاز لدولة ذات سيادة"، مؤكدا أن "قناة السويس قناة مصرية خالصة"، وأن "الاعتداء على سيادة الدولة المصرية هو أمر مرفوض وغير مقبول جملة وتفصيلا".

وأضاف في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك  أن "ترامب يقول لولا أميركا ماكانت قناة السويس، بأمارة إيه ياعم الحاج. يا راجل عندما حفر المصريون قناة السويس في الفترة من 1859 إلى 1869، كانت أميركا يادوب في الحضانه".

وتابع "لقد حذرت منذ أيام من أن ما يجري في البحر الأحمر واليمن، ليس هدفه الحوثيين، لصالح الشرعية اليمنية، وإنما هدفه عسكرة البحر الأحمر والسيطرة عليه والتحكم في مضيق باب المندب".

وفي ذات السياق، قالت الإعلامية لميس الحديدي في تدوينة عبر منصة إكس "حد يفكره إن افتتاح قناة السويس كان 1869 كنتم لسه خارجين من الحرب الأهلية، عندكم عبيد ويادوب فيه سكة حديد مش هكلمك بقى عن التاريخ القديم".

وأضافت "كلام جد قبل أن يتراجع ترامب عن تصريحاته كالعادة: لا دور لأميركا على الإطلاق فى حفر أو تشغيل أو حماية قناة السويس، ومن الواضح أن ترامب لا يعرف الفارق بين قناة السويس وبنما".

وأشارت إلى أن "الرسوم تفرض بقانون دولي رغم أن ترامب لا يحترم ذلك، والمساعدات التي تقدمها أمريكا لمصر لم يتبق منها سوى العسكرية وتلك منصوص عليها في اتفاق كامب ديفيد"

وذكرت أن "الضربات الأميركية ضد الحوثيين (هي) لمصالح أميركية إسرائيلية ولم يأمر بها ترامب من أجل الملاحة في القناة ولم تطلبها مصر فتدفع ثمنها، ومن الواضح أن ذلك بدايه تفاوض للحصول على معاملة تفضيلية للسفن الأمريكية".

وتابعت الإعلامية المصرية قائلة "ربما على وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أن يذكر رئيسه بتاريخ قناة السويس وأهميتها لأمريكا وللعالم ويشرح له على الخريطه الفرق بينها وبين بنما".

وخلال الأسابيع الماضية، أعلنت لجنة الشحن البحري الفيدرالية الأميركية فتح تحقيق حول "نقاط الاختناق البحرية العالمية"، الذي يشمل قناة السويس. وقالت اللجنة إن الهدف من التحقيق هو تقييم "الظروف غير المواتية" للتجارة الأميركية، التي قد تتسبب فيها دول أو شركات شحن في الممرات الملاحية.

ويرى مراقبون أن هذه التحركات تشير إلى محاولة ترامب الضغط على الدول المالكة للممرات الملاحية العالمية، بما في ذلك قناة السويس، لتخفيض رسوم المرور للسفن الأميركية.

وفي المقابل، يبدو أن ترامب قد حصل مؤخراً على تنازل مهم في مطالبه بزيادة النفوذ الأميركي على قناة بنما، وذلك بموجب اتفاق مع بنما يسمح للولايات المتحدة بنشر قوات عسكرية إلى جانب القوات البنمية لتأمين سيادة القناة.

وكانت بنما والولايات المتحدة قد أعلنتا سابقا عن مفاوضات بشأن اتفاق يضمن مجانية وأولوية مرور السفن الحربية الأميركية عبر القناة. وقد أعلن ترامب صراحة في عدة مناسبات أن الولايات المتحدة يجب أن يكون لها ضوابط على الممر المائي المهم، وهي ادعاءات رفضها نظيره البنمي، خوسيه راؤول مولينو، بشدة.

وتم بناء قناة بنما من قبل الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين، وتم نقل السيادة الكاملة على منطقة القناة إلى بنما في نهاية عام 1999. وتعتبر قناة بنما ذات أهمية اقتصادية كبيرة للولايات المتحدة، حيث يمر عبرها أكثر من 40 بالمئة من حركة الحاويات الأميركية، والتي تقدر قيمتها السنوية بنحو 270 مليار دولار.