هل قطعت تونس أشواطا مهمة في معالجة أزمة المهاجرين الأفارقة
طرحت الإجراءات التي اتخذتها السلطات التونسية في الفترة الأخيرة بشأن عمليات إخلاء لمخيمات المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، تساؤلات لدى الأوساط السياسية والشعبية في البلاد بخصوص مدى نجاح السلطة في معالجة أزمة المهاجرين الأفارقة وقطع أشواط مهمة لتحقيقها.
وفككت السلطات التونسية مساء الخميس مخيمات مؤقتة لمهاجرين يتحدرون من دول أفريقيا جنوب الصحراء، أقاموها في بساتين زيتون بوسط شرق البلاد، وسط تسارع العودة “الطوعية” للمهاجرين إلى بلدانهم.
وتداول ناشطون أخبارا مفادها أن وحدات من الحرس الوطني أضرمت النار في خيَم نُصبت في هذه المخيمات.
وأوضح حسام الدين الجبابلي، المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي، أن نحو 2500 شخص في وضع غير نظامي أُجبروا على مغادرة المواقع في هنشير القرقني في منطقة العامرة. وأضاف أنه تم إجلاء نحو 800 آخرين من مخيم أولاد حمد قرب جبنيانة.
وأكد في تصريحات صحافية أن “إستراتيجية الدولة هي ألا تكون تونس مكانا لاستقرار المهاجرين غير النظاميين أو عبورهم. وتونس تنسق مع بلدان الانطلاق والدول المضيفة، بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية الدولية، لضمان العودة الطوعية.”
وأضاف الجبابلي أنّه رغم إقدام مهاجرين غير نظاميين على إشعال النيران في بعض المخيّمات قبل تدخّل وحدات الحرس، فضلا عن حجز أسلحة بيضاء، لم يتمّ استعمال القوّة، وتمّت إزالة المخيّمات وإخلاؤها وتعقيمها طبقا للقانون، “وهو درس آخر تُقدّمه تونس في كيفية التعامل مع المهاجرين غير النظاميين.”
وشدّد المتحدّث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني على أنّه “لا مجال للعودة إلى الوراء، ولا لعودة المخيّمات العشوائية،” مشيرا إلى أنه تم إثر إزالة الخيام، نقل الحوامل والرضع إلى المستشفى بالتنسيق مع وحدات الحماية المدنية.
وفقا للسلطات، نصب حوالي عشرين ألف مهاجر وصلوا على دفعات منذ العام 2023 إلى العامرة وجبنيانة، خياما في بساتين زيتون بعد نزوح الكثير منهم من مدينة صفاقس المجاورة. وكان تعايشهم صعبا مع السكان المحليين الذين ندد الكثير منهم باحتلال أراضيهم.
وكان قد أُخلي عدد من المخيمات في أوائل أبريل الجاري بعد حملة مناهضة للمهاجرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي نفس الوقت تعمل وحدات من الصحة العمومية والحماية المدنية على تعقيم المنطقة.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني أن “الملف معقّد وفيه ما هو قانوني وما هو اجتماعي وأيضا مرتبط بالعلاقات الدولية،” لافتا أن “القرار التونسي مهم وهناك تحركات من الدولة لإخلاء المخيمات.”
وقال في تصريح لـ”العرب”، “هناك تفاعل من المنظمات الدولية مع الملف، وفي اعتقادي تونس قطعت خطوات مهمة في الملف وهي مواصلة في حل الإشكال الأمني والاجتماعي.”
وأضاف خليفة الشيباني “تم اتخاذ قرار سياسي يؤكد معالجة ملف هجرة الأفارقة بالتنسيق مع دول الجوار (ليبيا والجزائر) في إطار احترام القانون، لأن الملف لا يهم تونس فقط.”
وتُعتبر تونس نقطة عبور رئيسية لآلاف المهاجرين واللاجئين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الساعين للوصول إلى الساحل الإيطالي.
لكن الطريق البحري المؤدي إلى أوروبا شبه مغلق بعد دخول تونس، بدفع من إيطاليا المجاورة، في شراكة مع الاتحاد الأوروبي ضد الهجرة غير النظامية.
نحو 2500 شخص في وضع غير نظامي أُجبروا على مغادرة المواقع في هنشير القرقني في منطقة العامرة
وقال ماك، وهو غينيّ يُقيم في تونس منذ عامين، أُجبر على مغادرة خيمته في العامرة، إن “الوضع هنا صعب جدا. إنه معقد.”
وعلى غرار الكثير من المهاجرين، سجّل اسمه لدى المنظمة الدولية للهجرة لتلقي دعم من أجل العودة إلى دياره.
وفي نهاية مارس الماضي، دعا الرئيس التونسي قيس سعيد المنظمة الدولية للهجرة إلى تكثيف جهودها لضمان “العودة الطوعية” للمهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم.
وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة الخميس أنها سهّلت منذ يناير العودة الطوعية لأكثر من 2300 مهاجر من تونس إلى بلدانهم الأصلية، ونحو 7000 في عام 2024، وهو رقم يمثل زيادة حادة مقارنة بالعامين السابقين (2558 عودة في عام 2023 و1614 في عام 2022).
وقال راسل، وهو شاب كاميروني يبلغ 24 عاما، خلال انتظاره خارج مكاتب المنظمة في تونس الخميس، مع عشرات المهاجرين من جنسيات مختلفة “سئمت ملاحقة الشرطة لنا في كل مكان.”
ويؤجّج وجود المهاجرين توتّرات شديدة في تونس بشكل منتظم. وفي فبراير 2023، حذّر سعيّد من أن تدفّق “جحافل المهاجرين غير النظاميّين” من جنوب الصحراء يأتي ضمن “مخطّط إجرامي… لتغيير التركيبة الديموغرافيّة لتونس.”
وفي الأشهر اللاحقة، طُرد مهاجرون من مساكنهم ووظائفهم غير الرسمية، فيما نظّمت سفارات أفريقية عدة عمليات ترحيل سريعة لرعاياها بعد تعرضهم لهجمات.
وقبل أسابيع قليلة بدأت قوات الأمن حملة تفكيك ثلاثة مخيمات في مناطق أخرى من الجهة تضم حوالي سبعة آلاف مهاجر.
وتقول السلطات التونسية إنها تعمل مع المنظمة الدولية للهجرة لتكثيف عمليات الترحيل الطوعية للمهاجرين العالقين في تونس نحو دولهم الأصلية.
ويتطلع آلاف من المهاجرين الوافدين على تونس إلى عبور البحر الأبيض المتوسط نحو الجزر الإيطالية القريبة بحثا عن فرص حياة أفضل داخل الاتحاد الأوروبي.