«طيران الجزائر» بلا «فرنسية».. قرار لغوي يعكس توترا متصاعدا
قررت السلطات الجزائرية إزالة اللغة الفرنسية من تذاكر طيرانها، والاحتفاظ باللغتين العربية والإنجليزية فقط، ما يعكس "رسالة رمزية قوية".
القرار أتى في ظل توتر متصاعد بين باريس والجزائر أدى إلى إزاحة لغة موليير من كل المواد بالمدارس الخاصة في البلد العربي في عام 2023.
كما يتزامن مع تصعيد متبادل عبر عنه إعلان باريس مساء الثلاثاء الماضي، طرد 12 موظفًا قنصليًا جزائريًا، واستدعاء سفيرها للتشاور، وذلك بعد يوم واحد فقط من إعلان الجزائر طرد 12 موظفًا دبلوماسيًا فرنسيًا من أراضيها، في قرارين متتاليين أثارا تساؤلات حول مستقبل العلاقات الثنائية.
وقال مدير الشؤون العامة للخطوط الجوية الجزائرية، عبد القادر سالمي، إن تذاكر طيران الخطوط الجوية الجزائرية ستصدر باللغتين العربية والإنجليزية، بهدف "التوافق مع ممارسات شركات الطيران في الدول العربية".
قطيعة رمزية
ورأى محللون أن القرار يعكس "قطيعة رمزية مع الإرث الاستعماري"، ففي الجزائر، اللغة ليست محايدة أبدًا؛ بل هي قضية سياسية وهوية وتاريخ.
وبينما يبرّر سالمي القرار بأن العديد من شركات الطيران العربية والدولية تعتمد الإنجليزية "كلغة عالمية"، والعربية لتتماشى مع شراكات تفضل التواصل بلغتها، ينظر آخرون إلى الخطوة باعتبارها امتدادًا لاتجاه بدأ يتبلور في عام 2024 عندما قررت الشركة تعميم استخدام اللغة العربية في مراسلاتها مع الإدارات والسفارات والمؤسسات الرسمية، وحتى داخل المراسلات الداخلية للإدارة.
وتُعد فرنسا من أكبر أسواق شركة الطيران الجزائرية، سواء من حيث عدد الرحلات أو عدد الزبائن، لا سيما في ظل وجود جالية جزائرية كبيرة هناك. لذا، فإن إزالة الفرنسية لا يبدو خيارًا تجاريًا، بل هو "رسالة رمزية قوية" تعكس رغبة في القطيعة مع الماضي الاستعماري.
وقالت الكتابة الجزائرية سامية نايت إقبال في مقال بصحيفة "لوماتان" الجزائرية الصادرة بالفرنسية: "هذه الخطوة تندرج ضمن توجه أوسع في الجزائر يهدف إلى التأكيد على السيادة الثقافية عبر ملف اللغة".
واعتبرت أن "اللغة في الجزائر ليست أداة تواصل فقط، بل أداة لإعادة تشكيل الهوية والسيادة الثقافية".
وفي مقارنة مع الجارتين تونس والمغرب، اللتين تتبنيان نهجاً براغماتياً في التعامل مع الفرنسية، قالت الكاتبة إن "الجزائر تظهر في موقع أكثر صدامية، حيث تُقرأ الفرنسية أحياناً كامتداد للهيمنة الثقافية الاستعمارية، لكن على أرض الواقع، تبقى الفرنسية راسخة في أنظمة التعليم والإدارة والعلاقات الاقتصادية، ما يجعل استبعادها الكامل خياراً يثير الجدل أكثر مما يحقق قطيعة حقيقية".
وتؤكد الكاتبة: "اللغة لا تُفرض بمرسوم، بل تُمارس وتُعاش. وفي الجزائر، تبقى الهوية اللغوية معركة مفتوحة بين الماضي والمستقبل، بين الإرث والتعدد".
ملفات شائكة
هذا القرار يأتي وسط فصول من التوتر المتصاعد بين فرنسا والجزائر، التي دخلت العلاقات بينهما منعطفًا حساسًا منذ منتصف 2024، مع تراكم ملفات خلافية تُراوح بين الجيوسياسي والرمزي، وتمسّ قضايا تتعلق بالهوية والذاكرة والسيادة، فضلًا عن قضايا آنية مثل الهجرة والمرحّلين والحرّيات.
وما يجمع هذه القضايا هو شعور جزائري متنامٍ بأن فرنسا تتصرف من موقع "الوصاية التاريخية"، مقابل رؤية فرنسية ترى أن الجزائر تستخدم قضايا الهجرة والذاكرة كورقة ضغط سياسية.
وما بين منطق السيادة ومنطق الشراكة، تبقى العلاقات الجزائرية الفرنسية عالقة في دوامة ملفات شائكة، يتداخل فيها القديم بالجديد، وتتفاعل فيها الذاكرة مع المصالح. وفي ظل مناخ مشحون، تتأرجح التوقعات بين التصعيد والانفراج، وفق ما يُبديه الطرفان من إرادة في احتواء الأزمة أو الإصرار على خوض صراع طويل تُعيد فيه كل دولة رسم حدود نفوذها ومكانتها.
فهل تعقب خطوة حظر اللغة الفرنسية من تذاكر الطيران خطوات أخرى تقود إلى قطيعة أعمق، أم أن الحوار لا يزال ممكنًا؟