قلق بشأن ارتفاع كلفة العنف ضد الأطفال في تونس
يبدي المختصون في شؤون الطفل بتونس قلقا بخصوص ارتفاع كلفة العنف الموجه ضد الأطفال في البلد، داعين إلى التركيز على الجانب الوقائي لحمايتهم. وقدّرت نتائج دراسة جديدة أنجزتها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بدعم من يونيسف بتونس الكلفة الاقتصادية للعنف ضد الأطفال في تونس خلال سنة 2022 بنحو 2.6 مليار دينار، أي ما يعادل 1.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في تونس.
وبحسب ما كشفته يونيسف اعتمدت هذه الدراسة على منهجية دولية تم تكييفها مع النموذج التونسي وأخذت بعين الاعتبار تكاليف الصحة والعدالة والحماية الاجتماعية، وكذلك الخسائر في رأس المال البشري، وانخفاض الإنتاجية وتدهور جودة الحياة على المدى الطويل، وفق ما أوردته وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
وحسب نتائج هذه الدراسة بلغت الكلفة الاقتصادية للعنف النفسي ضد الأطفال 1.4 مليار دينار، ويعد الأولاد الأكثر تأثرا بسبب تعرضهم لبعض أشكال العنف. كما كشفت الدراسة أن تونس تعد واحدة من أبرز الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يتعرض فيها الأطفال لأساليب تربوية تعتمد على العنف.
وتعليقا على الأرقام والمعطيات الواردة في الدراسة شدّدت وزيرة الأسرة والمرأة والطّفولة وكبار السن أسماء الجابري على ضرورة التركيز على جانب الوقاية لحماية الأطفال من مختلف أشكال العنف.
واعتبرت أن "الاستثمار في الوقاية من العنف ضد الأطفال ليس فقط وسيلة لإنشاء بيئة آمنة تضمن لكل طفل حقه الأساسي في النمو والتطور الآمن والمتوازن، ولكنه أيضًا استثمار مربح في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة."
وبيّنت الوزيرة أنّ العنف ضد الأطفال ليس مجرد قضية اجتماعية أو حقوقية فحسب، بل هو أيضا قضية تنموية أساسيّة، مستعرضة الجهود الوطنيّة في مجال تعزيز منظومة حماية حقوق الطفل وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة كإصدار مجلة حماية الطفل وإنشاء آليات مؤسساتية لدعم الأطفال ضحايا العنف.
وذكّرت بالبرنامج التشاركي “في الوقاية حماية” الذي أطلقته الوزارة ويمتد تنفيذه إلى 20 نوفمبر 2025 بهدف تعزيز الجهود الوطنية الهادفة إلى حماية الطفولة من كلّ التهديدات والمخاطر والشروع في إعداد الإستراتيجية الوطنيّة لدعم التماسك الأسري وتعزيز تدخّلات برنامج “التربية الوالدية الإيجابية” الهادف إلى تنمية معارف ومكتسبات وقدرات الأولياء وممارستهم الجيّدة في مجال التنشئة الآمنة والسليمة والمتوازنة للأبناء.
ودعت الجابري إلى تضافر جهود جميع المتدخلين بهدف تغيير الثقافة والتمثّلات المجتمعية ورفض كلّ أشكال التطبيع مع العنف ونشر ثقافة الحوار والتربية الإيجابية، مبرزة ضرورة العمل على تعزيز الوقاية وتوفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين، خاصة أن العنف طغى على سلوك الأسر التونسية في السنوات الأخيرة.
ووفقا لمسح المؤشرات المتعددة الذي أجراه المعهد الوطني للإحصاء في عام 2023، يتعرض ثمانية من كل عشرة أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاما لأساليب تربوية عنيفة داخل الأسرة. كما يتعرض أكثر من ثلاثة أطفال من كل خمسة لعقوبات بدنية، وأكثر من ثلاثة أطفال من كل أربعة لأشكال من العنف النفسي.
وأكدت يونيسف أن تلك الممارسات العنيفة لها عواقب خطيرة وطويلة الأمد على رفاه الأطفال الجسدي والعقلي والعاطفي، وتستمر في تعزيز دوائر العنف والهشاشة في سن البلوغ. كما تؤثر أيضاً على المجتمع بشكل عام، ما يهدد التماسك الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي.
وقال ممثل يونيسف بالنيابة في تونس سيلاس رابولد إن “كل دينار يتم استثماره في الوقاية يساعد في تجنب تكاليف اجتماعية واقتصادية أكبر بكثير،” مشيرا إلى أن “يونيسف تظل ملتزمة بالكامل إلى جانب تونس لبناء مستقبل أكثر أماناً وعدلاً لكل طفل.”
وشدد على ضرورة الاستثمار بشكل أكبر في برامج الوقاية، من خلال أنظمة حماية اجتماعية تراعي احتياجات الأطفال، ومن خلال تعزيز آليات دعم الأسر الضعيفة للحد من عوامل المخاطرة المتعلقة بالفقر، والضغط الأبوي، والإقصاء الاجتماعي، وإدماج الوقاية من العنف في السياسات التعليمية والاجتماعية لضمان استجابة متعددة القطاعات ومتناسقة، وغيرها.
وتمثل الدراسة التي تم تقديمها خطوة هامة نحو بناء سياسات وبرامج قائمة على الأدلة، كما تبرز الحاجة الماسة لوضع الوقاية من العنف في صميم الأولويات الوطنية والعمل بدءا من الآن على ضمان حق كل طفل في تونس في النمو ضمن بيئة حامية ومحفزة.
وقد تم الإعلان عن نتائج هذه الدراسة خلال ورشة احتضنها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والمعلومات حول المرأة وحضرتها وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ أسماء الجابري وممثل يونيسف بالنيابة في تونس سيلاس رابولد، وعدد من المسؤولين.
وتُشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ الأطفال، أي الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما حسب تعريف الأمم المتحدة، قد يكونون عرضة لنوعين أساسيين من العنف؛ يتمثّل النوع الأول في سوء المعاملة من قِبل الوالدين أو غيرهما من مُقدّمي الرعاية، وعادةً ما يتعرّض لهذا النوع من العنف الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 14 عاما.
أمّا النوع الثاني فيُقصد به ذلك العنف الذي يحدث في البيئات المجتمعية بين المراهقين، وعادةً ما يتعرّض لهذا النوع من العنف الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاما. وقد حدّد الخبراء مجموعة من الإستراتيجيات التي يُمكن اتباعها للتصدّي للعنف ومنع حدوثه من الأصل، مثل تقديم الدعم للأسر بمن في ذلك الآباء ومُقدّمو الرعاية من خلال تثقيفهم وتزويدهم بأساليب الرعاية والتربية السليمة والإيجابية لأطفالهم بشكل يُقلّل من خطر حدوث العنف داخل المنزل.