أمريكا وإيران على فوهة «اليورانيوم».. اتفاق مُحتمل و«ألغام» مؤكدة
على ركام ثقة منهارة وساحة إقليمية تغلي، جلست إيران وأمريكا في تفاوض غير مباشر، تُحركه حاجة الطرفين إليه وتقيّده ذاكرة اتفاق 2015.
فالمحادثات النووية الإيرانية، والتي عقدت أولى جلساتها في سلطنة عمان يوم السبت، أظهر فيها طرفاها بوادر براغماتية وأهدافًا محدودة، مما يزيد من احتمالات النجاح.
ورغم ذلك، فإن الطريق إلى اتفاق مستدام محفوف بألغام الداخل والخارج: فإسرائيل تعتبر مجرد التفاوض تهديدًا، والمتشددون في طهران وواشنطن يتربصون بأي مرونة. أما الخطر الأكبر، فيكمن في عامل الوقت؛ إذ تسابق إيران الزمن لتثبيت مكاسبها التخصيبية، بينما تلوّح أوروبا بـ«ساعة العودة إلى العقوبات» في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
فهل ترسم المحادثات النووية الإيرانية حدود القوة، أم تفتح بابًا نحو التصعيد؟
تقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إن الاجتماع الأول بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامجها النووي، أظهر جديةً في الهدف وجهدًا لتجنب ما لا يريده أيٌّ من الطرفين، وهو حربٌ أخرى في الشرق الأوسط.
وسيُعقد الاجتماع مجددًا يوم السبت المقبل، لكنّ العمل الجاد لا يزال قائمًا، إذ من المتوقع أن يرفض المتشددون في كلا البلدين، وإسرائيل، أي اتفاق تقريبًا.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه إذا كان الاتفاق النووي الأول، الذي أُبرم عام 2015، قد دُفع برغبة إيران في رفع العقوبات الاقتصادية عنها، فإن هذه المحادثات أكثر إلحاحًا، كون طهران التي تُعاني من ضغوط إسرائيلية وتقلص نفوذ وكلائها الإقليميين، فضلا عن إدراكها أنها مهددة وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي انسحب من الاتفاق الأول، قد لا يُبالغ في تهويله بشأن مواجهة إيران «قصفًا لم تشهده من قبل».
فرصة أخيرة
وقد أعطى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مفاوضيه «فرصة أخيرة» على الأقل لمقايضة الطموحات النووية الإيرانية بـ«الأمن الدائم».
وكما وعدت المحادثات في عُمان بتحقيق بعض الفعالية، أُبرمت اتفاقية عام 2015 بين إيران وست دول - الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا، مع اضطلاع الاتحاد الأوروبي بدور الوسيط - واستغرقت عامين.
هذه المرة، تُجرى المحادثات ثنائية، مع تواجد الأوروبيين، بالإضافة إلى روسيا والصين، على هامشها. ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال «الشيطان الأكبر» بالنسبة للمرشد الإيراني آية الله خامنئي، إلا أنها تملك -أيضًا- مفتاح كبح جماح إسرائيل وضمان أي تسوية دائمة.
وبينما أصرت إيران على إجراء محادثات غير مباشرة عبر عُمان، وأصرّ ترامب على إجراء محادثات مباشرة، نجح الجانبان في التهرب من تلك الأزمة، حيث تحدث المبعوث الخاص لترامب، ستيف ويتكوف، مباشرةً مع وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، عند انتهاء الاجتماع.
فرص النجاح
قال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: «هذه بداية جيدة للغاية. كان من الممكن أن يتعثروا، لكنهم اتفقوا على الاجتماع مرة أخرى، والتقوا معًا في النهاية، واتفقوا على الهدف النهائي».
ومن المهم أن ترامب وويتكوف أشارا إلى أن هدفهما الحقيقي هو ضمان عدم تمكن إيران من بناء سلاح نووي على الإطلاق - رغم المطالب «الصعبة» من مسؤولي ترامب قبل المحادثات بأن تفكك إيران برنامجها النووي بالكامل، فضلاً عن التخلي عن برنامجها الصاروخي ودعمها لوكلائها الإقليميين.
وأوضحت إيران أن مثل هذه المطالب الفضفاضة ستتركها بلا حول ولا قوة، وستُنهي المحادثات قبل أن تبدأ، ما يعني أن حصر الهدف في ضمان عدم قدرة إيران على صنع قنبلة نووية، إذا أصرت الإدارة على ذلك، سيعزز بشكل كبير فرص نجاح المحادثات.
بدوره، قال فالي نصر، الأستاذ في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: «جاء الإيرانيون مستعدين لأكثر من مجرد محاولة لكسر الجمود، لكن بتوقعات بحل الأزمة مع الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، الاستماع مباشرةً إلى الموقف الأمريكي الحقيقي».
\وأضاف: «إذا لم يكن الأمر يتعلق بسلاح، فيمكنهم التفاوض على مستويات التخصيب وعمليات التفتيش وما إلى ذلك. لكن إيران لا تريد أن تصل إلى وضع لا تستطيع فيه الوفاء بالتزاماتها وتخاطر بمزيد من العقوبات والحرب. ما تريده إيران واضح تمامًا - تخفيف العقوبات بشكل موثوق واتفاق يصمد».
وتصر إيران على أن برنامجها النووي مدني بحت، لكنها نجحت في تخصيب ما يكفي من اليورانيوم إلى درجة تقترب من الدرجة اللازمة لصنع الأسلحة لصنع ست قنابل على الأقل، وفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تنفذ معاهدة منع الانتشار النووي التي وقعتها إيران.
ورغم عدم ثقتهم بترامب، يعتقد الإيرانيون أنه سيكون أكثر قدرة على ضمان استدامة أي اتفاق يعقده ومواجهة المتشددين الجمهوريين في بلاده، يقول نصر، مضيفا أن الإيرانيين لم يثقوا قط في قدرة الرئيس السابق بايدن على «الوفاء بالتزاماته وتجنب تقويضه من قبل الكونغرس».
سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، قالت: «نحن في أفضل وضع ممكن بعد هذا الاجتماع»، مشيرة إلى أن «تصريحات إيجابية صدرت من الجانبين حول خطة للمضي قدمًا، وتفاهم متبادل حول الحاجة الملحة، والفرصة المتاحة، ومؤشرات على الواقعية من الجانبين»، لكن «الأشياء الصعبة تنتظرنا».
أشياء «صعبة»
وستكون أي صفقة جادة معقدة وفنية للغاية، وستستغرق وقتًا، كما أنها ستحتاج إلى الصمود في وجه محاولات تقويض المحادثات من قبل المتشددين في كلا البلدين وفي إسرائيل.
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن إسرائيل، التي عارضت اتفاق عام 2015، تريد نزع سلاح إيران بشكل أشمل، وتُصرّ على ضرورة توجيه ضربة عسكرية لها الآن، في ظل ضعف النظام وتضرر دفاعاته الجوية بشكل كبير جراء الغارات الجوية الإسرائيلية.
وسبق لإيران أن تعهدت بتدمير إسرائيل، ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يريد منع إيران من تخصيب اليورانيوم إطلاقًا. وقد ألحقت إسرائيل، متذرعة بهجوم حماس في غزة، أضرارًا بالغة بوكلاء إيران، بما في ذلك حماس وحزب الله في لبنان، وتسعى جاهدةً لضمان عدم قدرة إيران على إعادة بناء هؤلاء الوكلاء.
لكن قد تشعر إيران أيضًا بالتفاؤل لأن ترامب أعلن عن المحادثات في المكتب البيضاوي بجوار نتنياهو، الذي لم يبدُ عليه الرضا عنها. وقال نصر إن إيران ستشهد «إشارة قوية من ترامب بأنه ليس تحت سيطرة نتنياهو».
خطوات بناء الثقة
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الأمل معقود على أن يُسفر اجتماع أو اجتماعان قادمان عن اتفاق مؤقت يمنح الطرفين الثقة للمضي قدمًا، مع اتخاذ تدابير قصيرة الأجل من الجانبين طالما استمرت المحادثات.
قد تشمل هذه التدابير موافقة إيران على تجميد تخصيب اليورانيوم والسماح بمزيد من عمليات التفتيش مقابل تعليق واشنطن بعض عقوبات «الضغط الأقصى».
ومن المرجح أن تُصرّ إيران على عملية تدريجية قد تستغرق عدة سنوات، كما قال نصر، لـ«مساعدة الاتفاق على ترسيخ جذوره قبل أن يأتي شخص آخر ويحاول إبطاله»، فضلا عن أن عملية أطول ستوفر مزيدًا من الأمن لإيران.
ومع ذلك، ليس لدى إيران ما يبرر تمديد المحادثات نفسها، يقول فايز، مضيفا: «نفوذ إيران يكمن في تخصيبها النووي، ومنحها المزيد من الوقت لن يمنحها مزيدًا من النفوذ، ثم هناك القنبلة الموقوتة المتمثلة في إعادة فرض العقوبات».
ويمكن إعادة فرض هذه العقوبات، المُعلّقة بموجب اتفاق عام 2015، إذا قررت أي دولة موقعة - وهي في هذه الحالة الأوروبيون - عدم وجود اتفاق جديد أو إحراز تقدم يُذكر نحوه.
لكن يجب أن يتم ذلك قبل 18 أكتوبر/تشرين الأول، وهو تاريخ انتهاء صلاحية «إعادة فرض العقوبات». ويقول المسؤولون إن الأوروبيين يدرسون إمكانية تأجيل هذا الموعد النهائي، لكن آلية القيام بذلك غير واضحة.
ويتفق المحللون على أن إيران لا تريد أن تُلام على فشل هذه المحادثات. فإذا فشلت واندلعت الحرب، فإن النظام يريد أن يتمكن من إلقاء اللوم على «الغدر الأمريكي وسوء النية».
وإذا أمكن التوصل إلى اتفاق، فستطلب إيران هذه المرة ضماناتٍ بأنه سيكون مستدامًا ويُحقق تفاعلًا تجاريًا هادفًا وطويل الأمد، كما قالت وكيل، مضيفة: ستريد إيران معرفة كيف يُمكن لترامب ضمان الحماية التي عجز عنها الرؤساء الآخرون.
وأضافت أن الولايات المتحدة تريد أن تعرف الضمانات التي تستطيع إيران تقديمها لأمن إسرائيل واستقرار الشرق الأوسط الكبير، مشيرة إلى أنه «يجب أن تكون الصفقة مفيدة للطرفين، لكنها تتطلب قدرًا كبيرًا من الثقة والمساءلة على طول الطريق وهو ما لا يتمتع به الجانبان الآن».