لغز مبعوث السودان إلى إسرائيل بين "لا" الخرطوم و"نعم" التقارير

وكالة أنباء حضرموت

نفت الحكومة السودانية، الخميس، إرسال أي مبعوث إلى إسرائيل، بعد أيام من تداول إعلام محلي خبر زيارة سرية للفريق أول الصادق إسماعيل، المبعوث الشخصي لرئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان لتل أبيب الأسبوع الماضي، قال إنها لمناقشة جهود التطبيع مع إسرائيل.

ويُعتقد على نطاق واسع أن النفي الحكومي، الذي جاء بعد يومين من انتشار الخبر، يهدف إلى رفع الحرج عن قائد الجيش السوداني الذي يسعى إلى تجنب أزمات سياسية مع الجماعات المسلحة، خاصة الإسلامية التي تعارض بشدة أي خطوات نحو التطبيع مع إسرائيل.

كما يُنظر إلى هذا النفي كإجراء احترازي للحفاظ على المكاسب العسكرية التي حققتها قواته مؤخرًا في الخرطوم عقب أسابيع من القتال ضد قوات الدعم السريع.

وأكد وزير الإعلام السوداني خالد علي الأعيسر، في بيان أن "الحكومة السودانية أنها لم ترسل أي مبعوث إلى إسرائيل"، دون تفاصيل أخرى عن هوية المبعوث.

ووصف ما تداولته بعض وسائل الإعلام بهذا الشأن بأنه "عارٍ تماماً من الصحة، ودعا وسائل الإعلام إلى "تحري الدقة والموضوعية والمهنية وتجنب نشر معلومات غير موثوقة".

وكان السودان قد وافق على تطبيع العلاقات مع إسرائيل في 23 أكتوبر 2020، خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليصبح ثالث دولة عربية تنضم إلى اتفاقيات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة.

ويُعتقد أن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان كانت الدافع الرئيسي لهذه الخطوة، أملًا في رفع اسم البلاد من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب والحصول على مساعدات مالية حيوية.

ويأتي هذا النفي بعد أن نشر موقع صحيفة "الراكوبة السودانية" الإلكترونية الخاصة، الثلاثاء، خبرا نقلا عن مسؤول عسكري سوداني لم يكشف عن هويته، يفيد بأن الصادق إسماعيل المدير السابق لمكتب القائد العام، والذي عينه الفريق البرهان مبعوثا شخصيا له بعد ترقيته لرتبة الفريق، زار إسرائيل سرا الأسبوع الماضي بهدف "التنسيق مع إسرائيل بشأن كيفية الترويج للبرهان لدى الإدارة الأميركية الجديدة وتخفيف التوترات مع دولة الإمارات العربية المتحدة". وأضاف الموقع أن الزيارة تمت بسرية تامة حتى نهايتها.

كما كشف مصدر مطلع داخل الجيش السوداني لـ"الراكوبة" أن مهمة المبعوث تضمنت إيصال رسائل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعبر عن رغبة البرهان في إكمال خطوات التطبيع مقابل الحصول على دعم إسرائيلي للسودان في المرحلة المقبلة.

وأوضح المبعوث، بحسب المصدر، أن التقارب الأخير مع إيران، الذي أزعج إسرائيل، فرضته الضرورة على قائد الجيش في ظل العزلة والضغوط الإقليمية والدولية التي واجهت السودان منذ اندلاع الحرب والحاجة الماسة للدعم العسكري. ووعد البرهان، على لسان مبعوثه، بإكمال أي التزامات أو شروط تضعها تل أبيب لإتمام الاتفاق في أقرب وقت ممكن.

وأفاد المصدر المقرب من البرهان بأن قائد الجيش السوداني أوصل رسالة لإسرائيل حول شعوره بـ"عدم التعاون" خلال الحرب المستمرة منذ عامين، معربا عن أمله في الحصول على أسلحة تمكنه من التغلب على قوات الدعم السريع منذ بدايتها.

وأوضح أنه لا يوجد مبرر لغضب إسرائيل من التوجه نحو إيران، حيث إن ذلك جاء بسبب عدم تلقي المساعدات العسكرية المرجوة من إسرائيل التي بدأ معها اتفاق تعاون قبل خمس سنوات.

وأكد البرهان، وفقا للمصدر، أنه كان يأمل في الحصول على هذه المساعدة في "توقيت مهم للغاية" كان من شأنه أن يسهم في تحقيق انفراجة حقيقية في العلاقات بين البلدين وتغيير نظرة الكثير من السودانيين تجاه إسرائيل.

ومن اللافت أن صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نشرت تقريرا يطابق المعلومات التي نشرتها "الراكوبة" بشأن الزيارة السرية. وكان مراسل "كان 11" الإسرائيلي، روعي كايس، قد أشار قبل يومين إلى تنامي القلق في إسرائيل من ازدياد التقارب بين السودان وإيران، خاصة بعد استئناف البرهان للعلاقات الدبلوماسية مع طهران في يوليو 2024 وتلقيه مساعدات عسكرية منها في حربه ضد قوات الدعم السريع، وفقًا لقناة "مكان" الإسرائيلية.

واستأنف البرهان العلاقات الدبلوماسية مع إيران في يوليو 2024، بعد قطعها في عام 2016. ومنذ ذلك الحين، أفادت قناة "مكان" الإسرائيلية، أن البرهان تلقى مساعدات عسكرية من طهران بينما يخوض جيشه معارك ضد قوات الدعم السريع.

ونقلت "كان 11" عن مصدر مقرب من البرهان قوله إن السودان "مضطر للتعاون مع أي طرف مهتم بتزويده بالأسلحة" في ظل الحرب، معربا عن خيبة أمله من عدم تلقي الدعم المتوقع من إسرائيل، مضيفًا "من أجل مصلحة السودان سنعقد صفقة حتى مع الشيطان".

ويُعتقد أن استنجاد البرهان بإيران يهدف إلى الحصول على دعم عسكري ولوجستي مقابل منح طهران منفذا على البحر الأحمر لتوسيع نفوذها الإقليمي.

وقد كشف موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض في وقت سابق عن إرسال الحرس الثوري الإيراني شحنات أسلحة ومعدات عسكرية إلى الجيش السوداني في مارس الماضي، بما في ذلك طائرات مسيرة متطورة. كما أشارت تقارير إلى تزويد إيران للجيش السوداني بطائرات مسيرة من طراز "مهاجر 6" وصواريخ مضادة للدروع.

ويكشف النفي السوداني الرسمي عن التوتر الحاد الذي يحيط بملف التطبيع مع إسرائيل في ظل الحرب الأهلية والتحالفات الإقليمية المتغيرة. ويبدو أن البرهان يواجه معضلة حقيقية بين حاجته للدعم الخارجي في حربه وبين الضغوط الداخلية والخارجية الرافضة للتطبيع، خاصة في ظل تعاونه المتزايد مع إيران.

وتشير التقارير المتضاربة إلى وجود محاولات سرية محتملة من البرهان للتواصل مع إسرائيل، ربما بهدف الحصول على دعم في مواجهة قوات الدعم السريع أو لكسب تأييد دولي في ظل التقارب المتزايد مع إيران. ومع ذلك، فإن انكشاف هذه المحاولات قد يضطر البرهان إلى التراجع مؤقتا عن أي خطوات علنية نحو التطبيع لتجنب تأجيج الصراعات الداخلية وتقويض مكاسبه العسكرية الأخيرة.

ويبقى مستقبل علاقات السودان مع إسرائيل مرهونًا بتطورات الحرب الأهلية وميزان القوى الإقليمي، حيث يبدو أن تحالف البرهان مع إيران يمثل تحولا استراتيجيا قد يؤثر بشكل كبير على مسار التطبيع الذي بدأ قبل سنوات.