الجزائر أمام إحراج الدفاع بلغة مغايرة بعد تشبث واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء

وكالة أنباء حضرموت

وجدت الجزائر نفسها في وضع حرج اضطرها إلى اعتماد لغة مغايرة تقوم على استعمال كلمات باردة في دفاعها عن موقفها بعد تأكيد الأميركيين دعم مخطط الحكم الذاتي الذي تقترحه الرباط لحل مشكلة الصحراء في إطار السيادة المغربية، وذلك على عكس ردود سابقة اعتمدت فيها الجزائر الصوت العالي في سياق انتقاد الموقف نفسه الذي اتخذته إسبانيا أو فرنسا بالاعتراف بمقترح الحكم الذاتي كآلية واقعية قابلة للتنفيذ والاستمرار.

وتجنب الجزائريون اعتماد الأسلوب نفسه مع إدارة الرئيس دونالد ترامب لتحاشي مواجهة مع الولايات المتحدة بعد أن سعت الجزائر إلى التقارب مع واشنطن عقب وصول ترامب إلى الرئاسة في ولايته الثانية، عارضة تعاونا عسكريا يفضي إلى إبرام صفقات تسليح بمعدات حديثة، وما يتضمنه ذلك من ابتعاد عن روسيا.

ويعود العرض الجزائري لواشنطن في جانب منه إلى الرغبة في تجنب الصدام مع إدارة ترامب، التي بدت حاسمة في التعامل مع مختلف الملفات، وفي الوقت نفسه كان النظام الجزائري يأمل أن يدفع العرض ترامب إلى مراجعة الموقف الأميركي من ملف الصحراء، لكن رد واشنطن جاء واضحا ومتمسكا بما كان قد أعلنه ترامب نفسه في ولايته الأولى.

الجزائريون يعون تماما أن أي تصعيد مع واشنطن سيعني تثبيت القناعة التي باتت راسخة في الداخل والخارج بأن الجزائر صارت معزولة إقليميا ودوليا

وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز أكدا الثلاثاء خلال لقاء في واشنطن بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن “الولايات المتحدة تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء وتدعم مقترح الحكم الذاتي الجاد وذي المصداقية والواقعي الذي يقدمه المغرب، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع.”

وردا على الموقف الأميركي قالت الخارجية الجزائرية في بيان رسمي الأربعاء إنها “تتأسف لهذا الموقف الصادر من قبل عضو دائم في مجلس الأمن يفترض فيه الحرص على احترام القانون الدولي بشكل عام وقرارات مجلس الأمن بشكل خاص،” عكس ما حدث مع فرنسا وإسبانيا عندما سحبت سفيريها من البلدين احتجاجا على اعترافهما بسيادة المملكة على الصحراء.

وفي ردودها السابقة كانت الجزائر تلجأ إلى الإجراءات القصوى مثل التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا قبل أن تتراجع عن ذلك دون أي تنازل من مدريد، وكذلك زيادة التوتر بينها وبين فرنسا عبر إثارة قضايا الذاكرة، واضطرت الجزائر لاحقا إلى التراجع والسعي لتمتين العلاقة بينها وبين باريس رغم أن الموقف الفرنسي الداعم للمقاربة المغربية ظل هو نفسه دون أي تغيير.

وأكد محمد الطيار، الخبير المغربي في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، أنه لم يسبق للدبلوماسية الجزائرية أن استعملت القاموس نفسه الذي تعودت على توظيفه في خلافها مع فرنسا وإسبانيا أو مع جيرانها، في التعامل مع القرار الأميركي، وعلى العكس من ذلك تجنبت الخارجية الجزائرية إثارة غضب واشنطن باستعمال عبارات حذرة.

وأوضح الطيار، في تصريح لـ”العرب”، أن الخارجية الجزائرية اكتفت بالتعبير عن الأسف في بيانها، لرفع الحرج أمام الرأي العام الجزائري بعد أن دأبت خلال السنوات الماضية على الإسراع بالتنديد والاستنكار واستدعاء السفراء كلما تعلق الأمر باعتراف دولة بمغربية الصحراء.

وأضاف أن تأكيد اعتراف واشنطن الصريح بمغربية الصحراء، الذي برز بشكل لافت أياما معدودات قبل انعقاد مجلس الأمن حول موضوع قضية الصحراء المغربية، سيشكل منعطفا جديدا في ملف النزاع المفتعل ويجعل الجزائر معزولة.

ويعرف الجزائريون أن التصعيد مع واشنطن سيعني تثبيت القناعة التي باتت راسخة في الداخل والخارج بأن الجزائر صارت معزولة إقليميا ودوليا، وأنها في حاجة إلى مراجعة أسلوب التصعيد والاستهانة بالمصالح المشتركة مع الدول.

وأكد رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل، أن أسلوب وزارة الخارجية الجزائرية الذي اكتفى بالتعبير عن الأسف ولم يرق إلى أي تصعيد لفظي أو دبلوماسي ضد واشنطن على غرار ما حدث مع فرنسا وإسبانيا، يكشف عن الازدواجية التي تتبناها الجزائر في هذا الملف.

وكانت الجزائر تراهن على مذكرة التفاهم العسكرية التي تم توقيعها بين البلدين أسابيع قليلة بعد تنصيب ترامب، للتأثير على موقف واشنطن من الصحراء المغربية، وهو ما يُفهمُ من كلام السفير الجزائري لدى واشنطن صبري بوقادوم، الذي أكد في مارس الماضي أن بلاده مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة في كافة المجالات، وليس التعاون العسكري فقط.

ولفت بوقادوم إلى أن الحوار العسكري بين البلدين قائم منذ سنوات. وستشمل المباحثات تبادل المعلومات الاستخباراتية البحرية، وصفقات أسلحة جديدة، إضافة إلى التعاون في عمليات البحث والإنقاذ والتصدي للتهديدات الإرهابية في الساحل.

وأشار إلى أن ترامب “يؤمن بالصفقات، لذا سنحاول إظهار فوائد التعاون مع الجزائر،” لافتا إلى أنّ بلاده “مستعدة للتحدث مع الولايات المتحدة بشأن مواردها المعدنية الوفيرة والحيوية التي تحظى بطلب عالمي.”

واعتبر رشيد لزرق في تصريح لـ”العرب” أنه رغم محاولات الجزائر التقرب من واشنطن من بوابة فتح باب الاستفادة من الموارد المعدنية كما جاء في كلام بوقادوم، ظل موقف إدارة ترامب ثابتا.