قيس سعيد يقطع الشك باليقين: تونس لم توقع اتفاقيات ترحيل جديدة
نفى الرئيس التونسي قيس سعيد اليوم الأحد بشكل قاطع إمضاء أي اتفاقيات جديدة مع الاتحاد الأوروبي تقضي بترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين من دول التكتل.
وجاء هذا النفي في سياق تصاعد حالة الغضب والاستياء الشعبي في تونس إزاء عمليات الترحيل المكثفة التي يتعرض لها تونسيون دخلوا دول الاتحاد الأوروبي بدون تأشيرات، خاصة من إيطاليا التي استقبلت حوالي 8743 مهاجرًا حتى الآن هذا العام، وهو رقم يفوق قليلا الفترة نفسها من العام الماضي وفقًا لوزارة الداخلية الإيطالية، وبدرجة أقل من ألمانيا وفرنسا ودول أخرى أعضاء في التكتل.
وتشهد المطارات التونسية، وتحديدًا مطاري طبرقة والنفيضة-الحمامات على الساحل الشرقي، وصول رحلات منظمة بشكل شهري وأسبوعي تحمل تونسيين يتم ترحيلهم من مختلف المطارات الأوروبية.
وفي تصريحات أدلى بها سعيد خلال حضوره مراسم الذكرى الخاصة بوفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في مدينة المنستير، أكد أن تونس لم تبرم في عهده الرئاسي أي اتفاقية جديدة تتعلق بترحيل المواطنين التونسيين من الفضاء الأوروبي.
وأشار الرئيس سعيد إلى وجود اتفاقيتين سابقتين تم توقيعهما بين تونس والاتحاد الأوروبي في عامي 2008 و2011، أي قبل توليه منصب الرئاسة في عام 2019.
وكانت تونس، التي أصبحت نقطة عبور رئيسية لآلاف المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الساعين للوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، قد وقعت في يوليو 2023، خلال الولاية الرئاسية الأولى لقيس سعيد، مذكرة تفاهم مثيرة للجدل مع الاتحاد الأوروبي بوساطة إيطاليا.
وتهدف مذكرة التفاهم إلى تعزيز التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية المنطلقة من السواحل التونسية، وذلك مقابل حوافز اقتصادية ومالية وعد بها الاتحاد الأوروبي لتونس، تقدر قيمتها بأكثر من مليار يورو.
وبالإضافة إلى نفيه لاتفاقيات ترحيل التونسيين، تطرق الرئيس سعيد إلى ملف المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، خاصة في سياق عمليات إخلاء المخيمات في صفاقس. وشدد على أن "تعامل تونس مع الملف كان بمنطلق إنساني وأخلاقي تونسي لم يشهد العالم مثله".
كما أكد على "إحباط مؤامرة لتوطين المهاجرين غير النظاميين في العامرة وجبنيانة بطريقة لم يشهدها العالم"، مضيفًا أن عملية إجلاء المهاجرين تمت "بطريقة لم تحصل في أيّ دولة دون إطلاق أيّ طلقة أو استعمال للغاز المشل للحركة"، مؤكدًا أنه تم التعامل مع "هؤلاء الضحايا وفقا للقيم الأخلاقية والإنسانية وأنّ العمل جارٍ لإجلائهم بناء على اختيارات الدولة التونسية".
وتهدف تصريحات سعيد إلى توجيه رسائل مزدوجة، فمن جهة، يسعى لطمأنة الرأي العام التونسي المتخوف من تسهيل عمليات ترحيل المواطنين من أوروبا، مؤكدًا على حماية السيادة الوطنية، ومن جهة أخرى، يسعى إلى تقديم صورة إيجابية عن تعامل تونس مع ملف المهاجرين الأفارقة، في محاولة لتخفيف الانتقادات الحقوقية والدولية.
ويسعى الرئيس التونسي من خلال الإشارة إلى أن الاتفاقيات السارية تعود إلى فترات سابقة، إلى التأكيد على أن سياساته الحالية لا تتضمن تسهيل عمليات ترحيل التونسيين، وهو ما قد يترجم على أنه يحافظ على السيادة الوطنية في مواجهة الضغوط الأوروبية المتزايدة للحد من تدفقات الهجرة غير النظامية.
وعلى الرغم من نفي وجود اتفاقيات جديدة للترحيل، فإن مذكرة التفاهم الموقعة في 2023 تظل قائمة وتتضمن بنودًا تتعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية، تثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه البنود على عمليات الترحيل الحالية، خاصة وأن منظمات حقوقية تعرب عن قلقها بشأن غموض بعض بنود المذكرة وإمكانية استغلالها لتسهيل عمليات الترحيل.
وتواجه تونس تحديًا معقدًا يتمثل في موقعها الجغرافي كنقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا، بالإضافة إلى استقبالها لأعداد متزايدة من المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو ما يضع الحكومة التونسية تحت ضغوط كبيرة من الاتحاد الأوروبي للتعاون في الحد من هذه التدفقات.
وتسعى تونس إلى تحقيق توازن دقيق بين التعاون مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة للحصول على الدعم المالي والاقتصادي المنصوص عليه في مذكرة التفاهم، وبين الحفاظ على سيادتها الوطنية وحماية حقوق مواطنيها وعدم الظهور كطرف متواطئ في عمليات الترحيل القسري التي تثير استياء شعبي واسع.
ويبقى ملف الهجرة غير النظامية وتداعياته على العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي قضية حساسة ومعقدة. وبينما ينفي الرئيس سعيد وجود اتفاقيات جديدة للترحيل، فإن مذكرة التفاهم الموقعة في 2023 تظل مصدر قلق للمنظمات الحقوقية وتثير تساؤلات حول دور تونس في عمليات الترحيل الحالية. من المرجح أن يستمر هذا الملف في التأثير على المشهد السياسي والاجتماعي في تونس وعلى علاقاتها مع الشركاء الأوروبيين، خاصة في ظل استمرار تدفقات الهجرة غير النظامية وتصاعد الغضب الشعبي إزاء عمليات الترحيل التي تؤثر بشكل مباشر على المواطنين التونسيين.