خطة تسلح ضخمة: هل تصبح ألمانيا قوة عسكرية كبرى

وكالة أنباء حضرموت

باعتمادات تتراوح بين تريليون وتريليون ونصف دولار على مدار 12 سنة، أطلقت ألمانيا خطة تسلح من شأنها أن تنقلها إلى قوة عسكرية كبرى، وسط الاضطرابات الجيوسياسة التي تعصف بالعالم.

ولهذا السبب، أصبحت مسألة امتلاك ألمانيا لجيش قوي يضاهي جيوش الدول الكبرى ملحة ومحل توافق شعبي ونخبوي شبه تام.

ويرى مراقبون أن إقرار البرلمان الألماني للخطة التي اقترحها المستشار الألماني المحتمل فريدريش ميرتس الثلاثاء، يعد تاريخيا في بلد عرف بانضباطه المالي ولطالما أهمل الإنفاق العسكري مستفيدا من المظلة الأميركية التي تحميه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويقول المراقبون إن الخطة الألمانية لإعادة تسليح البلاد جاءت لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية عن المظلة الأمنية الأميركية بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سياسات التهديد برفعها، لكنها أيضا تمثل خطوة في مساعي ميرتس، المناصر للوحدة الأوروبية واستقلالها الدفاعي، باتجاه تأسيس جماعة أوروبية جديدة للدفاع بعيدا عن الولايات المتحدة.

وتعتمد برلين بشكل شبه كلي على الولايات المتحدة لحمايتها من التهديدات الروسية وتنشر واشنطن صواريخ ومعدات عسكرية في قاعدة لها بألمانيا، لكن المعادلة تغيرت الآن فبعد الصدمة التي شكّلها الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، باتت برلين ترى واشنطن تبتعد عنها وتتقرّب من موسكو بدفع من دونالد ترامب.

مسألة امتلاك ألمانيا لجيش قوي يضاهي جيوش الدول الكبرى أصبحت ملحة ومحل توافق شعبي ونخبوي شبه تام

وقال ميرتس أمام البرلمان الألماني (البوندستاغ) إن “الظروف تتأثّر خصوصا بعدوان بوتين على أوروبا… هي فعلا حرب ضدّ أوروبا وليست فحسب حربا ضدّ وحدة أراضي أوكرانيا.”

وتشهد قضية التسليح في ألمانيا تحولا بنحو 180 درجة، إذ بعد سقوط جدار برلين عام 1989 وإعادة الوحدة الألمانية عام 1990، بات يُنظر إلى السلام باعتباره الوضع الراهن الجديد في ألمانيا.

وعلى هذا الأساس تم تقليص حجم الجيش الألماني وخفض الإنفاق على المعدات العسكرية. وقد كشفت دراسة أجرتها مؤسسة “فريدريش إيبرت” التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، عن تقلص صناعة الدفاع في ألمانيا بنسبة تصل إلى 60 في المئة حيث باتت تمثل 100 ألف وظيفة من إجمالي قرابة 290 ألفا. لكن الأمور تغيرت الآن مع الخطة الألمانية الضخمة لإعادة تأهيل الجيش وتحديثه.

وكانت حرب أوكرانيا في فبراير 2022 بمثابة نقطة تحول في السياسة الدفاعية الألمانية. فبعد ثلاثين عاما من الانكماش العسكري، ظهرت القوات المسلحة الألمانية في وضع يتسم بالحرمان الشديد من القدرات في وقت اندلعت، للمرة الأولى منذ عام 1945، حرب شديدة الحدة شاركت فيها قوة عظمى على أبواب أوروبا. وكان الرد هو تبني تغيير في العقيدة الدفاعية الألمانية من خلال برنامج إعادة تجهيز كبير للجيش الألماني.

وقال زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينغبايل أمام النواب إن “خطة التسليح قد تكون أكبر حزمة إنفاق في تاريخ ألمانيا.”

ويعدّ الجيش الألماني واحدا من بين أكبر 30 قوّة عسكرية في العالم، وبقوامه البالغ 183.695 جنديا، يُعد ثاني أكبر قوّة عسكرية في الاتحاد الأوروبي بعد فرنسا من حيث عدد الأفراد، وسابع أفضل جيش من حيث التمويل في العالم.

وعلى الورق، يمتلك الجيش الألماني 284 دبابة قتالية من نوع “ليوبارد”، و674 مركبة قتالية للمشاة، و121 قطعة مدفعية من عيار “155 ملم”، و8 فرقاطات، و226 طائرة مقاتلة من طراز “يوروفيتر”، و”تورنادو”. ومع ذلك، فإن عددا من هذه الآليات ليس جاهزا للخدمة.

قوة ناشئة

وبالرغم من أن ألمانيا تعد أحد أكبر مصدّري السلاح في العالم، إذ توجد في المركز الخامس بحصة 4.2 في المئة من التصدير العالمي ما بين 2018 و2022، فإن تطور مبيعات الشركات الألمانية لم ينعكس إيجابيا على الجيش الألماني، الذي يعاني مشكلة كبيرة في نقص التجهيزات، ويقول خبراء إن هذه الثغرات لن يتم سدها بالكامل قبل 2030.

ووفق تقرير نشر في ديسمبر 2022، فإن أقل من 30 في المئة من السفن التابعة للبحرية الألمانية “تعمل بشكل كامل”، فيما “مقاتلات كثيرة في وضع لا يسمح لها بالطيران”. وأمّا بالنسبة إلى المعدات البرية، فلا تُعد سوى 350 مركبة قتالية من طراز “بوما” مؤهلة للحرب.

كما يفتقر هذا الجيش، ليكون جاهزا، إلى المعدات الشخصية مثل الخوذات وحقائب الظهر والسترات الواقية، وكذلك المعدات الصغيرة والكبيرة – من أجهزة الراديو والذخيرة إلى الدبابات… يفتقر الجيش الألماني إلى كل شيء تقريبا، وذلك إرث لعقود من نقص الاستثمار، وفق التقرير.

واشتكت إيفا هوغل، مفوضة البوندستاغ لشؤون الدفاع عندما قدمت تقريرها السنوي في مارس 2024 من بطء عملية تحديث الجيش الألماني، وتضيف أنّ “القاعدة المادية للجيش أصبحت الآن أسوأ مما كانت عليه قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ جرى إرسال الكثير من السلاح إلى كييف.” وتقول هوغل إن “ألمانيا بحاجة إلى شراء ذخيرة بقيمة 20 مليار يورو من أجل تجهيز قواتها تماما، والجنود لا يجري تزويدهم دائما بالملابس اللازمة.”

وتشير الزيادة الكبيرة في الإنفاق الدفاعي والتعهدات بشراء أسلحة جديدة إلى التزام ألمانيا بتحديث جيشها وتحسين قدراته الدفاعية. كما تساهم خطط زيادة عدد القوات، حسب محللين، في تعزيز قدرة ألمانيا على الرد على التهديدات الخارجية.