أيّ خارطة طريق للسلام في سوريا

وكالة أنباء حضرموت

 لأكثر من عقد، بدا الصراع في سوريا شديدا ومعقدا ومتشابكا جغرافيا وسياسيا لدرجة يصعب معها حله، حيث اختار المجتمع الدولي إعطاء الأولوية لإدارة الأعراض واحتوائها بدلا من السعي إلى معالجة أسبابها الجذرية، إلا أن كل ذلك تغير في أواخر عام 2024، عندما أطاحت جماعات المعارضة المسلحة بنظام بشار الأسد.

واليوم، لا تزال البلاد هشة للغاية، وتعاني من الآثار المنهكة لحرب أهلية طويلة. ورغم الإجماع الوطني الواسع على ضرورة إعادة توحيد سوريا، لا تزال الجهات الفاعلة الخبيثة والمزعزعة للاستقرار نشطة، بما في ذلك داعش وإيران والمتمردون الموالون للأسد.

ومع ذلك، هناك الآن فرصة تاريخية لإعادة تشكيل سوريا لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن. وستكون مشاركة المجتمع الدولي حاسمة لنجاح البلاد.

وعلى الرغم من التاريخ المثير للجدل لهيئة تحرير الشام والتحديات الداخلية المعقدة للغاية التي تواجهها الآن، إلا أن الخطوات السياسية المبكرة، والرسائل العامة، وسلوك الحكومة السورية المؤقتة كانت مشجعة.

وعقدت السلطات الانتقالية حوارا وطنيا ؛ وشُكِّلت لجان موسعة لصياغة إعلان دستوري؛ ومن المقرر الإعلان عن حكومة وبرلمان انتقاليين في غضون أسابيع. أما خارج البلاد، فقد سارع المجتمع الدولي إلى المشاركة، مُدركا الفرصة التاريخية لإعادة تشكيل سوريا، قلب الشرق الأوسط، لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن. وقد سافرت عشرات الحكومات والمنظمات الدولية إلى دمشق لإقامة علاقات وحوار مع السلطات السورية الجديدة.

وفي نهاية المطاف، تتيح المشاركة فرصة أكبر بكثير للتأثير على نطاق التغيير في سوريا واتجاهه، مقارنة بسياسة العزلة طويلة الأمد التي واجهت نظام الأسد.

وجاء في تحليل نشره معهد الشرق الأوسط أن لدى سوريا فرصة للتعافي وإعادة الاندماج في النظام الدولي. وإذا تبنّت الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وأصحاب المصلحة الآخرون النهج الصحيح، ودعّموا السياسات الصحيحة، وشجّعوا العملية الانتقالية في سوريا على السير في الاتجاهات الصحيحة، فسيستفيد العالم، وسيجد السوريون السلام.

التمثيلية السياسية

رغم جهود هيئة تحرير الشام، الجماعة المسلحة التي قادت التحالف لإسقاط الأسد، لنيل الشرعية الكاملة، إلا أن عملية الحكم في سوريا لا تزال عملية خلافية ومتطورة. وتسعى جهات فاعلة مختلفة – محلية ودولية – جاهدة لتشكيل المرحلة الانتقالية في البلاد، مما يجعل العملية السياسية ديناميكية للغاية ومحفوفة بالتحديات.

وخلّف انهيار نظام الأسد فراغا في السلطة سرعان ما ملأته مجموعة متنوعة من هياكل الحكم، معظمها من تنظيم هيئة تحرير الشام.

وفي بعض المناطق، لا تزال بقايا بيروقراطية النظام السابق تعمل في ظل سلطات انتقالية، بينما في مناطق أخرى، تسعى هيئات حكم محلية حديثة النشأة إلى فرض سيطرتها.

وفي غضون ذلك، لا تزال هياكل حكم مؤقتة في شمال شرق سوريا تعمل بشكل مستقل عن دمشق. كما أدى الانهيار الجزئي للحكومة المركزية إلى تناقضات في تنفيذ السياسات، وإنفاذ القانون، وتوفير الخدمات الأساسية، مما زاد من تعقيد مسار سوريا نحو الاستقرار.

ولطالما أعاقت المصالح المتضاربة بين الجهات المعنية المحلية والأجنبية فعالية العملية الانتقالية التي تدعمها الأمم المتحدة، مما جعلها أقل صلة بالعملية السياسية في مرحلة ما بعد الأسد.

وبينما لا تزال المبادئ الأساسية للانتقال السياسي – حوكمة موثوقة وشاملة وغير طائفية – تشكل أساس الجهود الدولية، إلا أن التنفيذ كان بطيئا.

ويتمثل التحدي الرئيسي في غياب توافق في الآراء بشأن نموذج حكم جديد. ولا تزال الفصائل في شمال شرق سوريا وغربها وجنوبها تدعو إلى هيكل لامركزي، بينما يدفع ثوار المعارضة باتجاه حكومة مركزية قوية لمنع المزيد من التشرذم.

دون نهج شامل ومنسق، تُواجه سوريا خطر عدم استقرار طويل الأمد وتداعيات إقليمية أوسع

وستلعب القوى الإقليمية والعالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، دورا هاما في تشكيل المسار السياسي والحكومي في سوريا، إلا أن الانقسامات العميقة لا تزال قائمة.

وأعادت جامعة الدول العربية التواصل مع سوريا، مدافعة عن جهود المصالحة ومؤيدة للاستقرار الإقليمي، بينما لا تزال القوى الغربية تُعلق دعمها بإصلاحات ديمقراطية ملموسة وضمانات أمنية واضحة.

ويُطالب الشعب السوري، المُنهك من صراعٍ دام أكثر من عقد، بتحقيق تقدم ملموس في الحوكمة والتعافي الاقتصادي. ومع ذلك، لا تزال إعادة بناء الدولة مع الحفاظ على الأمن تُشكّل تحديا هائلا. وقد أصبحت هياكل الحكم المحلي، على الرغم من محدوديتها، حاسمة في الحفاظ على النظام وتوفير الخدمات الأساسية. وتُبذل جهود لدمج هذه الهياكل في إطار وطني أوسع، إلا أن التنافسات السياسية والنزاعات الإقليمية تُبطئ التقدم.

ويُعدّ خطر تجزئة سوريا والعودة إلى الحرب الأهلية من أبرز المخاوف في حقبة ما بعد الأسد. فدون وجود حكومة مركزية قوية قادرة على فرض سيطرتها على الصعيد الوطني، لا تزال الجماعات المسلحة المختلفة مترددة في الخضوع للسلطات الجديدة، وقد سعى بعضها إلى فرض سيطرته على مناطق مختلفة، مما يُعقّد محاولات توحيد البلاد.

ويُشكّل وجود عناصر متطرفة ضمن هذه الديناميكية تهديدا أكبر للعملية السياسية، حيث لا تزال جهود إعادة الإدماج وإزالة التطرف مواضيع خلافية بين الأطراف المعنية.

ويشهد وضع الحكم في سوريا اليوم حالة من التقلب، حيث تحاول السلطات الانتقالية التعامل مع مشهدٍ مجزّأٍ للغاية بموارد محدودة للغاية.

وبينما فتح سقوط الأسد الباب أمام التطلعات الديمقراطية، فإن الطريق إلى الأمام محفوفٌ بالشكوك.

وسيعتمد نجاح العملية السياسية في سوريا على استمرار المشاركة الدبلوماسية، وجهود المصالحة المحلية، والقدرة على إنشاء مؤسسات قادرة على الحكم بفعالية.

ودون نهج شامل ومنسق، تُواجه سوريا خطر عدم استقرار طويل الأمد وتداعيات إقليمية أوسع.

وستكون الإجراءات المتخذة في الأشهر والسنوات المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت البلاد قادرة على الخروج كدولة مستقرة وديمقراطية أم ستبقى غارقة في اضطرابات سياسية واقتصادية.

معالجة التحديات الأمنية

بعد قرابة 14 عاما من الصراع الأهلي، تتسم ديناميكيات الأمن في سوريا بتعقيدها الاستثنائي، مع وجود خطوط عداء متعددة مستمرة ومحتملة، تشمل مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، الداخلية والخارجية، الحكومية وغير الحكومية.

ولطالما جعل تدهور هياكل أمن الدولة التقليدية وانتشار الفصائل العسكرية المحلية والعرقية والطائفية والقبلية احتمالات السلام والاستقرار أمرا بالغ الأهمية. ومع سقوط نظام الأسد، أُزيل من المعادلة عاملٌ رئيسيٌّ للانقسام والصراع، وباتت نافذة ضيقة مفتوحة، مما يتيح فرصة لخفض التصعيد، ونزع السلاح، والمصالحة، وإعادة التوحيد، وفي نهاية المطاف، التعافي.

وفي حين أن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج جارية، إلا أنها تواجه تحدياتٍ كبيرة في التعامل مع المقاتلين غير السوريين، وكذلك الفصائل المسلحة في الجنوب والشمال الشرقي.

وعلى الرغم من التقدم المحرز في حل القوات المسلحة السورية السابقة من خلال عملية تسجيل وتسوية الوضع، إلا أن هناك دلائل على احتمال تطور تمرد موالٍ للنظام السابق.

من الناحية الجيوسياسية، لطالما مثّلت سوريا جرحا مفتوحا في قلب الشرق الأوسط، يُصدّر عدم الاستقرار ويدفع بالانقسام في المنطقة وخارجها. وبينما أقرّ جزء كبير من المجتمع الدولي بالفرصة التاريخية التي يمكن أن يُمثّلها انتقال فعال وناجح في سوريا، إلا أن هناك أسبابا للقلق.

موقف إدارة ترامب من سوريا سيُحدد الكثير، سواء في ما يتعلق بمستقبل شمال شرق سوريا، أو بفرص البلاد الأوسع للتعافي

وقد تُغيّر خسائر إيران الناتجة عن رحيل الأسد تاريخية قواعد اللعبة، لكن أيّ انزلاق إلى صراع أهلي سيفتح الباب أمام عودة إيرانية خبيثة.

وأعلنت إسرائيل مرارا وتكرارا عن مخاوفها الأمنية تجاه الحكومة المؤقتة في دمشق، واتخذت إجراءات بناء عليها، حيث نفذت أكثر من 600 غارة جوية في ديسمبر 2024، واحتلت أراضي جديدة في مرتفعات الجولان، وقامت بتوغلات برية شبه يومية، وطالبت بنزع السلاح الكامل في جنوب سوريا.

ولدى تركيا بالفعل مقترحات عسكرية مطروحة على الطاولة مع دمشق من شأنها أن تضعها في موقف يسمح لها بتحدي أو ردع حرية المناورة الحالية لإسرائيل في سوريا.

وفي غضون ذلك، قد يُحل عداء تركيا طويل الأمد تجاه قوات سوريا الديمقراطية ( قسد) التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا من خلال عملية سلام جديدة مع حزب العمال الكردستاني، ولكن إذا لم تتمكن قوات سوريا الديمقراطية من الاندماج في سوريا الجديدة، فسيكون نشوب شكل من أشكال الصراع أمرا مضمونا تقريبا.

وللولايات المتحدة دور محوري في هذا الصدد، حيث شجعت وسهلت بنشاط المحادثات بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية المؤقتة منذ ديسمبر 2024. وقد أدى إبرام اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق في مارس الجاري والذي ينص على حلّ قوات سوريا الديمقراطية واندماجها في الدولة السورية، تطورا مشجعا للغاية. وسيُثبت تنفيذه أهمية بالغة في إرساء الاستقرار.

ويمكن للحكومة الأميركية، وكذلك للمنظمات الدولية غير الحكومية، أن تلعب دورا بالغ الأهمية في مساعدة عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الجارية في سوريا، أو توجيهها، أو تقديم المشورة لها، مستفيدة من الدروس المستفادة من حالات أخرى في الخارج، والخبرة ذات الصلة للممارسين والخبراء.

ولكن في نهاية المطاف، سيُحدد موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من سوريا الكثير، سواء في ما يتعلق بمستقبل شمال شرق سوريا، أو بفرص البلاد الأوسع للتعافي.

ودون تخفيف فعلي للعقوبات الأميركية، سيبقى الاقتصاد السوري في حالة انهيار، وقد تُؤدي المعاناة الإنسانية الناتجة عن ذلك، في نهاية المطاف، إلى تجدد عدم الاستقرار والصراع. ولن يستفيد من هذا الاحتمال إلا الجهات الخبيثة.