إم 23.. طموح يتجاوز الكونغو إلى البحيرات العظمى

وكالة أنباء حضرموت

الشهر الماضي، استولت مليشيا "إم 23" المدعومة من رواندا على كل من غوما وبوكافو المدينتين الأكثر أهمية شرق الكونغو الديمقراطية.

وتسيطر "إم 23" الآن على منطقة شاسعة، حيث تعمل بالفعل على إنشاء إدارات محلية، مما يوضح أن الحركة ورواندا عازمتان على إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لمنطقة البحيرات العظمى في أفريقيا، وذلك وفقًا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت".

في الكونغو الديمقراطية.. مطاردة بملايين الدولارات ضد قادة بـ«إم 23»
نظريًا، تقاتل الحركة لحماية المجتمع الناطق بالرواندية في شرق الكونغو، خاصة مجتمع التوتسي، لكن أجندتها تبدو أكثر طموحًا وترتبط ارتباطًا وثيقًا بمصالح كيغالي في المنطقة، ويتناسب إنشاء تحالف نهر الكونغو مؤخرًا مع هذه الاستراتيجية.

كانت حركة تمرد "إم 23" قد ظهرت لأول مرة عام 2012، لكنها هُزمت في 2013 إلى حد كبير من خلال الضغوط الدولية على رواندا.

الذهب 
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ظهرت الحركة مرة أخرى لعدة أسباب، بما في ذلك فشل حكومة الكونغو الديمقراطية في الالتزام بالوعود التي قدمتها لقدامى المحاربين في المليشيات، مثل دمجهم في الجيش الوطني، لكن السبب الرئيسي كان مخاوف رواندا من تعرض مصالحها في المنطقة للتهديد.

ولرواندا العديد من المصالح في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تعتبر جماعة المتمردين "الجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا"، التي تتألف من بقايا مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، تهديدًا أمنيًا وجوديًا، وذلك رغم تضاؤل أعدادهم.

كما أن لديها مصالح اقتصادية، مثل الذهب، الذي يعد أهم صادرات رواندا، ومن المعروف أن معظم هذا الذهب يتم استخراجه في شرق الكونغو الديمقراطية.

ومع قيام الدولتين المجاورتين، أوغندا وبوروندي، بتوسيع العمليات العسكرية ضد حركات التمرد في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الأراضي التي تعتبرها ضمن منطقة نفوذها، شعرت رواندا بضرورة إعادة تنشيط وكيلها المسلح، حركة "إم 23"، لحماية مصالحها هناك.

وتتلقى "إم 23" التدريب والإمدادات من كيغالي، كما أنها مدعومة أيضًا من قبل القوات الرواندية على الأرض. وقدرت الأمم المتحدة أن ما بين 4000 و7000 جندي رواندي كانوا داخل الكونغو الديمقراطية في أواخر العام الماضي، وهو رقم زاد بالتأكيد منذ استيلاء "إم 23" على غوما وبوكافو.

وعلى الصعيد الإنساني، فرض هجوم "إم 23" ثمنًا باهظًا، فخلال الأشهر الـ14 الماضية، نزح 3 ملايين شخص، بمن في ذلك مئات الآلاف الذين طُردوا من مخيمات اللاجئين، كما قُتل الآلاف، إضافة إلى الكابوس الصحي العام الذي بدأ يتكشف، في حين ارتفعت مخاطر اندلاع صراع إقليمي أكبر بشكل حاد.

ويشعر البورونديون بقلق متزايد بشأن الحرب المحتملة مع رواندا، في ظل تزايد التوترات بين البلدين بسرعة، حيث يتهم كل جانب الآخر بدعم القوات المتمردة ضد حكومتيهما، مما أدى إلى إغلاق الحدود بين البلدين. وقالت الأمم المتحدة إن جيش رواندا أصدر أوامر مباشرة باستهداف الجنود البورونديين في المنطقة.

حرب في الأفق
وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعدت الحرب الكلامية، وحث الرئيس البوروندي إيفاريست ندايشيمي مواطنيه الأسبوع الماضي على الاستعداد للحرب، وندد برواندا باعتبارها "عدوًا" لبلاده.

ولن تعارض رواندا، الأقوى بين البلدين، تغيير النظام في بوروندي، لكن الإجابة عن سؤال إلى أي مدى تريد أن تذهب في إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة لم تتضح بعد.

مثل رواندا، تمتلك أوغندا مزيجًا من المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية في شرق الكونغو الديمقراطية، فعلى سبيل المثال، يعد الذهب أيضًا أهم صادرات أوغندا، ومعظمها يأتي من الكونغو.

كما أن العلاقة بين أوغندا ورواندا طويلة ومعقدة، حيث تعاونت الدولتان في بعض الأحيان ضد الكونغو الديمقراطية، وفي أحيان أخرى تنافستا على النفوذ هناك.

وفي الصراع الحالي، لعبت كمبالا دورًا غامضًا، وأفادت الأمم المتحدة بأن أوغندا قدمت بعض الدعم لـ"إم 23"، بما في ذلك السماح لها بتجنيد عناصر في الأراضي الخاضعة لسيطرتها، وحتى دمج أفراد الأمن الأوغنديين في صفوفها.

وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، وسع الجيش الأوغندي أيضًا من وجوده في شرق الكونغو الديمقراطية، سعيًا لبسط سيطرته على المنطقة.

ومن الواضح للجميع أن الرئيس فيليكس تشيسكيدي يفقد السيطرة على المنطقة، وتبدو معنويات جيشه منخفضة بشكل خاص، وأدت مقاطع الفيديو التي تصور جنودًا هاربين إلى تقليص مصداقيته.

كما شكل انسحاب القوات البوروندية في منتصف فبراير/شباط، التي كانت الحليف العسكري الأكثر أهمية للكونغو الديمقراطية، انهيارًا للاستراتيجية العسكرية لتشيسكيدي.

الغنائم في انتظار المنتصر
ومع تحرك "إم 23" بشكل متزايد نحو الجنوب، أصبحت كاتانجا، وهي مركز أغلب التعدين الصناعي في الكونغو الديمقراطية، موضع تركيز متزايد، وهنا يكتسب الصراع المزيد من التعقيد.

ورغم أنهم لا يؤيدون الحركة أو يدعمون طموحات رواندا، فإن العديد من أهل كاتانجا لا يعارضون "إم 23"، حيث يشتركون معها في الاستياء من حكومة تشيسكيدي في كينشاسا.

بالإضافة إلى خطر التصعيد الإقليمي، فإن التوترات العرقية والسياسية داخل الكونغو الديمقراطية في تصاعد، وتردد "الإذاعة" شائعات حول مجموعات مختلفة تحشد قواتها لاحتمال اندلاع أعمال عنف. وفي العاصمة، انتشرت التهديدات ضد الناطقين باللغة السواحيلية، الذين ينحدرون عمومًا من الشرق.

ويتشابه الوضع الحالي مع الأيام الأولى من حرب الكونغو الثانية، التي استمرت 5 سنوات وبدأت عام 1998، حين سعت الدول المجاورة إلى تقسيم الكونغو إلى مناطق نفوذ، مما أدى في ذلك الوقت إلى مقتل الملايين.

وعندما ظهرت حركة "إم 23" لأول مرة، كان الضغط الدولي على رواندا حاسمًا لإنهاء الصراع، حيث علق المانحون 240 مليون دولار من المساعدات الدولية، ولعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا، بما في ذلك المكالمات الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما مع نظيره الرواندي بول كاغامي.

وحاليًا، يحاول تشيسكيدي، المعزول، إحياء الضغوط الدولية على رواندا لإنهاء دعمها لحركة "إم 23"، لكنه حقق نجاحًا محدودًا للغاية حتى الآن.

إغراء ترامب
وتضمنت جهوده نداءً للحصول على المساعدة العسكرية من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مقابل الوصول الحصري إلى الثروة المعدنية الهائلة في البلاد، من خلال اقتراح "المعادن مقابل الصفقات الأمنية". بالإضافة إلى الذهب، تحتفظ البلاد بمخزونات هائلة من الكوبالت، وتنتج معادن استراتيجية أخرى مثل الليثيوم والتنتالوم واليورانيوم.

كما عرض على واشنطن الوصول إلى قواعدها العسكرية "لحماية الموارد الاستراتيجية"، فضلًا عن حصة كبيرة في مشروع ميناء المياه العميقة بقيمة مليار دولار.

وكانت واشنطن، في عهد الرئيس السابق جو بايدن، الأكثر صراحة بين القوى الغربية في إدانة دعم رواندا لحركة "إم 23"، لكنها لم تعلق المساعدات ولم تفرض أي عقوبات على كيغالي، وربما شجع فشل الغرب في اتخاذ إجراءات ملموسة كاغامي وحركة "إم 23" على توسيع هجومهما.

ويمثل فرض إدارة ترامب عقوبات على فردين روانديين خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن من المرجح أن يتطلب إقناع كيغالي بإنهاء دعمها لحركة "إم 23" المزيد من الضغوط.