سباق "ديب سيك" للهيمنة على الذكاء الاصطناعي وليس المنافسة العابرة
ما زالت شركة “إنفيديا" تواصل هيمنتها على سوق الأدوات الأساسية وسط السباق المحموم نحو الذكاء الاصطناعي. وتسجل الشركة نموا هائلا في إيراداتها، ويزداد الطلب على رقائقها المتطورة مثل “هوبر” و”بلاكويل”، ما يثبت مكانتها الرائدة في هذا المجال.
وبحسب تقارير “بلومبيرغ”، يعتمد استمرار نجاح “إنفيديا” بشكل كبير على قدرة شركات التكنولوجيا العملاقة مثل “مايكروسوفت” و”غوغل” على إيجاد تطبيقات تجارية كافية للذكاء الاصطناعي، بما يتيح لها تحقيق عوائد على استثماراتها الضخمة في رقائق “إنفيديا”. وحتى إذا نجحت هذه الشركات في ذلك، يبقى السؤال حول العدد الفعلي للرقائق الأكثر قوة التي ستحتاج إليها، ومدى الربحية المحتملة. ففي يناير الماضي، أثارت الشركة الصينية الناشئة “ديب سيك” قلقا في السوق، حيث أطلقت نموذج ذكاء اصطناعي قالت إنه يقدم أداء مشابها للنماذج الأميركية الرائدة، لكن بتكاليف أقل بشكل كبير.
وتستمر “إنفيديا” في قيادة السباق مع رقائقها الأكثر شهرة مثل “هوبر إتش 100″، الذي يحمل اسم رائدة علوم الحوسبة غريس هوبر، والذي يعد أكثر قوة من وحدات معالجة الرسومات التقليدية التي ظهرت في أجهزة الحواسيب المخصصة لألعاب الفيديو. وتتنافس مع “هوبر” حاليا سلسلة “بلاكويل”، التي سُميت تيمنا بعالم الرياضيات ديفيد بلاكويل.
وتتميز رقائق “هوبر” و”بلاكويل” بتقنيات متقدمة تحول مجموعات الحواسيب التي تستخدم رقائق “إنفيديا” إلى وحدات قادرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات بسرعة فائقة. وهذا يجعلها مثالية لمهام الحوسبة المعقدة، مثل تدريب الشبكات العصبية، التي تُعدّ من الأسس التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي الحديث. كما تعتزم الشركة طرح “بلاكويل” بعدة خيارات، بما في ذلك دمجها مع رقائق “جي بي 200″، التي تجمع بين وحدتي معالجة رسومات “بلاكويل” ووحدة معالجة مركزية غريس.
أقوى الرقائق تحتوي على الآلاف من النوى الحوسبية التي تسمح بتوزيع المهام على عدة نوى في وقت واحد
وتعتمد منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي على التعلم من البيانات المتاحة وتحسن أدائها باستمرار كلما تعرضت للمزيد من البيانات. ويعتمد تطوير هذه النماذج على تجارب متكررة تتجاوز المليارات للوصول إلى مستويات متقدمة من الإتقان، مما يتطلب قدرة حوسبة هائلة. ووفقا لـ”إنفيديا”، توفر رقائق “بلاكويل” أداء يتفوق على “هوبر” بنسبة 2.5 مرة في تدريب النماذج الذكية. وتتميز هذه الرقائق بعدد ضخم من الترانزستورات، ما يجعل تصنيعها كوحدة واحدة باستخدام الطرق التقليدية أمرا مستحيلا، وبالتالي يتم تصنيعها على شكل شريحتي رقائق متصلتين بتقنية مبتكرة تضمن عملهما كوحدة متكاملة.
وتشير هذه الإنجازات إلى أهمية رقائق “هوبر” و”بلاكويل” في تطوير الذكاء الاصطناعي إلى درجة أن الحكومة الأميركية فرضت قيودا على بيع هذه الرقائق إلى الصين. وتُعد “إنفيديا” بالفعل الزعيمة في تصنيع رقائق معالجة الرسومات، وهي المكونات الأساسية التي تُستخدم لتوليد الصور على شاشات الحواسيب. وتحتوي أقوى هذه الرقائق على الآلاف من النوى الحوسبية التي تسمح بتوزيع المهام على عدة نوى في وقت واحد، مما يتيح لها إنتاج تأثيرات بصرية معقدة كظلال وانعكاسات، وهي المزايا التي تميز ألعاب الفيديو الحديثة.
في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اكتشف مهندسو “إنفيديا” أنهم قادرون على إعادة استخدام معالجات الرسومات في تطبيقات غير الألعاب، وهو ما اكتشفه باحثو الذكاء الاصطناعي أيضا، حيث أصبح بإمكانهم الاستفادة من هذا النوع من الرقائق في أبحاثهم. وحاليا، تسيطر “إنفيديا” على نحو 90 في المئة من سوق وحدات معالجة الرسومات المخصصة لمراكز البيانات، وفقا لشركة “آي دي سي” للأبحاث. وعلى الرغم من محاولات شركات مثل “أمازون ويب سيرفيسز” و”غوغل كلاود” و”أزور” لتطوير رقائقها الخاصة، فإن جهود هذه الشركات لم تُسجّل نجاحا ملحوظا في تقليص هيمنة “إنفيديا” حتى الآن.
ونجحت “إنفيديا” في تحديث منتجاتها بسرعة لم يستطع أي منافس آخر مجاراتها، بما في ذلك تطوير البرمجيات التي تدعم أجهزتها. كما قامت الشركة بابتكار أنظمة عنقودية تتيح لعملائها شراء وحدات “إتش 100” بكميات كبيرة ونشرها بسرعة كبيرة. في المقابل، تقدم رقائق “إنتل” مثل “زيون” قدرة على معالجة البيانات المعقدة، لكنها تحتوي على عدد أقل من النوى وتعمل بوتيرة أبطأ، ما يجعلها أقل كفاءة في التعامل مع كميات البيانات الضخمة المستخدمة عادة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
ورغم التحديات، أكد جين سون هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا”، وفريقه مرارا أن الشركة تواجه طلبا يفوق قدرتها الإنتاجية، حتى على الطرز القديمة. وفي الوقت نفسه، أعلنت شركات عملاقة مثل “مايكروسوفت” و”أمازون” و”ميتا” و”غوغل” عن خطط لإنفاق مئات المليارات من الدولارات على الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات. لكن هناك تكهنات حول ما إذا كانت هذه الاستثمارات قد بدأت تفقد الزخم في الآونة الأخيرة، خصوصا بعد قيام “مايكروسوفت” بإلغاء بعض عقود إيجار مراكز بيانات في الولايات المتحدة، وهو ما أثار قلقا بشأن ما إذا كانت الشركة تمتلك قدرة حوسبية أكبر مما تحتاج إليه في المدى الطويل.
من جانب آخر، أثار نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد “أر1” الذي طرحته شركة “ديب سيك” الصينية قلقا في السوق، حيث أظهر قدرة على تحقيق نتائج مشابهة للنماذج الأميركية الرائدة مع استخدام موارد أقل. ويعتمد هذا النموذج على تقنيات مثل الاستدلال، التي تتطلب بيانات أقل مقارنة بأساليب التدريب التقليدية، بينما حذرت “إنفيديا” من أن هذه الإنجازات لا تتجاوز القيود الأميركية على تصدير التكنولوجيا المتقدمة، مشيرة إلى أن رقائقها ستظل أساسية في تطوير الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل.
أما “أدفانسد مايكرو ديفايسز”، التي تعد ثاني أكبر شركة في تصنيع رقائق المعالجة، فقد أطلقت في 2023 نسخة من سلسلة “إنستينك” تستهدف السوق الذي تهيمن عليه “إنفيديا”، ومن المتوقع أن تحسّن أداءها بشكل كبير بحلول منتصف 2025. ومع ذلك، لا يزال سوق وحدات التسريع في الذكاء الاصطناعي تحت هيمنة “إنفيديا”، التي تسجل إيرادات تفوق 100 مليار دولار سنويا، بينما تتوقع “أدفانسد مايكرو ديفايسز” إيرادات أقل بكثير في نفس الفترة.