صدام بين الحكومة المصرية والأطباء بسبب تشريع يبيح السجن

وكالة أنباء حضرموت

دخلت الحكومة المصرية في صدام جديد مع الأطباء عقب موافقة مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) على مشروع قانون يقضي بحبس الأطباء، حال وقوع خطأ طبي يشكل خطورة على حياة المرضى، وسط مخاوف حقوقية ونقابية من أن يتسبب القانون في إلحاق ضرر بالغ بالقطاع الصحي في البلاد.

وتوالت تداعيات تمرير مجلس الشيوخ الاثنين مشروع قانون المسؤولية الطبية وحماية المريض كخطوة أولى تتبعها إحالة القانون إلى مجلس النواب، لدى بعض الجهات المعنية، حيث يضع القانون ضوابط وعقوبات للاعتداء على الأطباء والأطقم الطبية، وعقوبات على الأخطاء الطبية التي تقع من جانب بعض الأطباء رغم الاعتراضات.

ورُفضت مطالبة نقابة الأطباء وبعض النواب بحذف عقوبات الحبس وتعويضها بأخرى إدارية، مثل الوقف عن ممارسة المهنة لفترة، حسب حجم الخطر الذي وقع على متلقي الخدمة الطبية، ولم يستجب مجلس الشيوخ لأي توصية مرتبطة بإدخال تعديلات على العقوبات التي تتضمن حبس الأطباء بسبب الأخطاء التي يرتكبونها.

تحذيرات من خطورة تجاهل الحكومة لصوت الأطباء، قبل أن تكون هناك تداعيات خطيرة جراء التعامل بطريقة صدامية مع شريحة لها علاقة مباشرة بأحد أهم الملفات الخدمية

ودعت نقابة الأطباء جميع أعضائها إلى عقد جمعية عمومية في الثالث من يناير المقبل، للإعلان عن رفض القانون، لأن الحكومة لا تتفهم خطورة بعض النصوص التي ستعرض كل طبيب يقوم بأي إجراء طبي، حتى لو كان مجرد كشف، لعقوبة الحبس.

وتعتقد دوائر سياسية أن دخول الحكومة في صدام مع الأطباء في هذا التوقيت يعبر عن عدم حكمة، لأن التحديات العامة تفرض عليها التركيز على أولوية الاستقرار، وليس تأجيج غضب شريحة مثل الأطباء والتعامل معهم كأنهم يرتكبون جرائم.

وأظهرت ردود فعل بعض الأطباء ضد مشروع القانون ارتفاع مستوى غضبهم، بما يستوجب من الأصوات المعتدلة داخل السلطة أن تتعامل مع مطالبهم بعقلانية، في ذروة بحث خصومها عن أي شريحة متذمرة لتهديد الاستقرار.

وتحمّل الأطباء في مصر خلال فترة جائحة كورونا صعوبات بالغة في إنقاذ الوضع الصحي بالبلاد، وحينها كانت تطلق عليهم الحكومة “الجيش الأبيض”، وتعاملت معهم بخطاب مرن عبّر عن الامتنان والتوقير لجهودهم والعمل وسط ظروف صعبة من أجل تخفيف حدة الجائحة عن الملايين من المصريين.

وبمرور الوقت تبدل الحال، واعتاد البرلمان مناقشة تشريعات تتعلق بالأطباء بطريقة تعتمد على الترهيب، وهي إشكالية لم تتدخل الحكومة لحلها وتمادت في إغضابهم برواتب هزيلة وعدم حمايتهم من اعتداءات متكررة أثناء العمل، ثم وضعت نصوصا في قانون قدمته إلى البرلمان يبيح حبسهم.

وقد يدفع البرلمان الأطباء إلى غضب واسع ضد قانون المسؤولية الطبية بشكل قد يسقط القطاع الصحي في أزمة معقدة، وتضطر الحكومة إلى دفع فاتورة باهظة لترضية الأطباء وتحسين صورتها أمام المجتمع، فعنادها قد ينعكس سلبا على تصرفاتها.

وتنص المادة 27 من مشروع القانون على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تتجاوز مئة ألف جنيه (الدولار = 51 جنيها) أو بإحدى هاتين العقوبتين من تسبب من مقدمي الخدمة بخطأ طبي في وفاة متلقي الخدمة.

وتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه ولا تتجاوز خمسمئة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم أو كان مقدم الخدمة متعاطيا مسكرا أو مخدرا عند ارتكابه الخطأ الطبي.

بينما نصت المادة 28 على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وغرامة لا تتجاوز ثلاثمئة ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين إذا نشأت عن الخطأ الطبي عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم.

وقال أمين عام نقابة الأطباء السابق إيهاب الطاهر إن القانون سوف يكرس ظاهرة الطب الدفاعي في مصر، ويتسبب في رفض الكثير من مقدمي الخدمة الطبية إجراء جراحات دقيقة للمرضى خشية التعرض للحبس، وبالتالي ترتفع كلفة تلك الجراحات بشكل غير مسبوق وهذا ليس في مصلحة أي طرف.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن أفضل نظم الطب الدولية فيها أخطاء ولا يوجد تيقن من النجاح، وهناك أخطاء غير متعمدة، وأخطاء أخرى بها إهمال جسيم، وهذه مكانها قانون العقوبات وليس استحداث تشريع مفصل للأخطاء الطبية، والعناد سيقود إلى تهديد مهنة الطب في مصر.

ألف طبيب استقالوا من المستشفيات الحكومية خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب بيئة العمل الطاردة

وحذر من تبعات القانون على زيادة هجرة الأطباء من مصر للعمل في الخارج، وحينها سوف تكون الحكومة في مأزق عندما لا تجد من يُعالج المرضى، لافتا إلى أن “الأطباء على حق عندما يهجرون بلادهم، لأن بيئة العمل طاردة بسبب قانون يستسهل حبسهم.”

وحذرت نقابة الأطباء المصريين من جملة أسباب قادت إلى ظاهرة الاستقالات الجماعية لأعضائها، لكن الحكومة تجاهلت الملف من منطلق أن التطرق إليه يدفعها إلى زيادة رواتب الأطباء وتقديم ترضيات مادية لهم، والظروف الاقتصادية لا تسمح.

واستقال قرابة 12 ألف طبيب من المستشفيات الحكومية خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب بيئة العمل الطاردة، ما ضاعف التحديات التي تواجه قطاع الصحة، وأصبح هناك من 6 إلى 8 أطباء فقط لكل عشرة آلاف مواطن.

وحذر أيضا حقوقيون من خطورة تجاهل الحكومة لصوت الأطباء في القانون المنظم للخدمة الطبية، قبل أن تكون هناك تداعيات خطيرة جراء التعامل بطريقة صدامية مع شريحة لها علاقة مباشرة بأحد أهم الملفات الخدمية التي تمس صميم حياة الناس، ما يتطلب الحنكة وليس العناد الذي يزيد الأزمة اشتعالا.

ولم تفلح تطمينات وزير الصحة خالد عبدالغفار في تهدئة غضب الأطباء، حيث أعلن أنه سيتم تشكيل لجنة عليا تابعة لرئيس الوزراء، يقع على عاتقها الحسم في ما يعرض بخصوص القضايا المتعلقة بالمسؤولية الطبية قبل البت فيها أو إحالتها إلى جهات التحقيق.

وإذا كان القانون يجرّم الاعتداء على الأطباء والأطقم الطبية ويتضمن عقوبات بالحبس والغرامة تطال المعتدين، فإن الكثير من مقدمي الخدمة الطبية يرفضون مبدأ التعامل معهم كمجرمين أو المساواة بينهم وبين من يُمارسون البلطجة بالاعتداء على المستشفيات.

وذهب بعض الأطباء إلى إثارة أزمة أكبر ترتبط بضعف الإمكانيات الموجودة في المستشفيات والمراكز الحكومية، بما يتسبب في وقوع إهمال خارج مسؤولية الأطقم الطبية، والأولى أن توفر الحكومة خدمة جيدة قبل أن تُحاسب على الإهمال بالحبس.

وما لم تتحرك السلطة سريعا لنزع فتيل الأزمة بين الحكومة والأطباء، فإن مآسي القطاع الصحي قد تصل إلى مستوى يصعب ترميمه، وستجد أجهزة الدولة صعوبة بالغة في إقناع المصريين برؤيتها لحقوق الإنسان وتختزلها في التعليم والصحة والسكن.