مسارح جديدة في مصر لا تعبر عن تطور حركة الإنتاج المسرحي

وكالة أنباء حضرموت

تستعد وزارة الثقافة المصرية لافتتاح مشروع “مسرح مصر”، كأحد المسارح الجديدة التي جرى تصميمها على الطراز المعماري لمباني القاهرة التاريخية، وتجهيز مسارح أخرى تخضع لتقديم الأعمال المسرحية، ويتزامن ذلك مع حالة من النشاط المسرحي تظهر في جودة بعض المسرحيات المعروضة على مسارح الدولة، وتعدد المهرجانات المسرحية، وتوالي تدشين مسرحيات تجريبية للطلبة والهواة، لكن من دون أن تظهر للعلن خطة واضحة للارتقاء بالفنون المسرحية.

قال رئيس البيت الفني للمسرح (يتبع وزارة الثقافة) هشام عطوة إن “مسرح مصر” الجديد مركز متكامل للإبداع يستضيف العروض المسرحية لكبار النجوم، ويضم خمسة طوابق على مساحة تبلغ نحو ألف متر، ويحتوي على صالة عرض رئيسية يبلغ عدد مقاعدها 360 مقعدا، وخشبة مسرح على مساحة 245 مترا مجهزة بأحدث التقنيات الفنية، وقاعة عرض صغرى تسع الـ120 مقعدا، و16 غرفة للفنانين.

وكان من المقرر افتتاح المسرح الجديد الموجود في شارع عمادالدين بوسط القاهرة قبل عام تقريبا، غير أنه تأخر دون أسباب واضحة، وأعلنت وزارة الثقافة وقتها أنها تعمل على إعادة هيكلة ثلاثة مسارح أخرى، هي: مسرحا بيرم التونسي وميامي بالإسكندرية، ومسرح الغد بالقاهرة.

ويتزامن الحديث عن افتتاح “مسرح مصر” مع حملات قادها عدد من المسرحيين والمثقفين لوقف هدم مسرح “فاطمة رشدي” المعروف بالمسرح العائم الموجود بمنطقة المنيل في وسط القاهرة، لإقامة جراج سيارات، رغم كونه أحد أكبر المسارح الحكومية وتأسس في خمسينات القرن الماضي وحقق شهرة واسعة ويتبع محافظة القاهرة، غير أن وزارة الثقافة حصلت عليه كحق انتفاع مدى الحياة.

ويبدو أن سير العمل في قطاع المسرح الحكومي يمضي بشكل غير متناسق، إذ إن غزارة الإنتاج المسرحي التي ظهرت واضحة عبر الأعمال المسرحية المعروضة خلال موسم الصيف الماضي في القاهرة أو مدينة العلمين الجديدة أو محافظة الإسكندرية لم تنعكس على نهضة مسرحية تشكل انطلاقة لعودة القيم الفنية للمسرح، كما أن توجه الحكومة نحو هدم مسرح تاريخي لا يتماشى مع إنشاء مسارح جديدة وتطوير بعض المنشآت القديمة.

ولدى العديد من المسرحيين قناعة بأن أي تطور قائم يجب تشجيعه ويكون مرتبطا بأسس تقوم على تطوير الفنون المسرحية والتشجيع على اكتشاف المواهب انطلاقا من المؤسسات التعليمية، ويتطلب ذلك دعما ماليا ومعنويا مغايرا لما يتم تقديمه.

ويعد هذا الدعم ضروريا لمضاعفة إنتاج المسرحيات المعروضة على مسرح الدولة، والتي وصلت هذا العام إلى 15 عرضا، مقارنة بـ24 عرضا قبل عامين.

كما أن التوجه نحو الاهتمام بالإنتاج المسرحي ذي التكلفة الزهيدة مقارنة بالسينما أمر إيجابي، شريطة أن يتعلق الأمر بتطوير مواز في حركة الفن المصري بوجه عام، وأن العلاقة بين المسرح وباقي الفنون يجب وضعها في إطار تكاملي وليس التعامل معها كبديل عن إغلاق دور السينما في بعض المحافظات المصرية.

قالت المخرجة المسرحية عبير علي إن التنبؤ بسياقات تطور المسرح صعب في الوقت الراهن، وحال جرى تقييم الأمر تاريخيا فإنه على مدار الأربعة عقود الماضية كانت المحافظات المصرية تعج بدور العرض السينمائي والمسرحي أيضا، لكن جرى إغلاق ما يقرب من 90 في المئة من دور العرض السينمائي، وظلت قصور الثقافة تحافظ على الحد الأدنى من التواجد المسرحي، والآن تتحرك جهات حكومية لترميم بعض المسارح القديمة مع استضافة عدد من المسرحيات التي تُعرض على مسارح القاهرة، وهو ما شكل طفرة جديدة.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن المسارح التي تمتلكها الدولة قد لا تكون خاضعة بشكل مباشر لوزارة الثقافة بل تتبع جهات حكومية أخرى، ونتيجة لعمل الوزارات في جزر منعزلة دون تنسيق مطلوب لتحقيق التكامل تتجه بعض الجهات لاستعادة منشآتها وتبقى الوزارة مرغمة على تركها، ولو كانت هناك رؤية حكومية واضحة لتطوير حركة المسرح لما كان من الممكن حدوث ذلك، بالتالي يصُعب الحديث عن وجود سياسة ثقافية مصرية محددة، وإن كانت موجودة على الورق ولا يتم تطبيقها.

وأشارت إلى أن التحركات الحالية عبر تنشيط إقامة المهرجانات وتطوير المسارح تعبر عن رؤية جزئية تتعلق بمن يدير وزارة الثقافة، وما يثبت ذلك أن مسرح السامر مثلا ظل لمدة 35 عاما مغلقا قبل أن يتم افتتاحه العام الماضي، كما أن الإنتاج المسرحي يشهد بالفعل غزارة  مؤخرا بلا تدقيق في نوعيته، ولا يشمل كافة الفنون المسرحية أو يتم وفق خطة تهدف إلى التطوير الإبداعي والفكري، وقد تستمر الطفرة لعام أو عامين ثم تعود للتراجع مرة أخرى.

ووصل حجم مسارح الدولة التي تعمل في الخدمة باستقبال الجمهور والعروض الفنية المختلفة إلى نحو 148 مسرحا، من بين دور المسارح العامة، وتشهد بعض المسارح إقبالا من الجمهور الذي يتشوق لهذا النوع من الفنون بمقابل مادي زهيد للغاية، وهو ما جعل العديد من العروض ترفع يوميا لافتة “كامل العدد”.

وكان من أبرز المسرحيات المعروضة هذا العام مسرحية “مش روميو وجوليت”، و”العيال فهمت” على مسرح ميامي، و”مرايا إلكترا” على المسرح العائم، و”ذات الرداء الأحمر” على مسرح القاهرة للعرائس، و”الحلم حلاوة” على مسرح متربول.

وأكد الناقد المسرحي أحمد أبوالعلا أن إنشاء المسارح الجديدة في مصر يوازيه فقدان للعديد من المسارح القديمة، وأن وزارة الثقافة تسعى للتوصل إلى اتفاقات بالحصول على أراض لبناء مسارح جديدة بدلا من تلك التي قد سيتم هدمها وفي مقدمتها “المسرح العائم”، و”مسرح السلام” المؤجر من وزارة البحث العلمي ومحاولات نقل “مسرح البالون” إلى منطقة أخرى، ومع وجود العشرات من المسارح التي لا تمتلكها وزارة الثقافة بشكل مباشر.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “مسرح مصر” ملكية خاصة بالبيت الفني للمسرح ويشكل إضافة مهمة مع تطوير المسرح القومي ومسرح العرائس ومسرح الطليعة، والتوجه نحو إنشاء مسارح جديدة هو نهج لوزارة الثقافة التي يمكن أن تحافظ على الحد الأدنى من الهوية الفنية، وشكل تراجع الإنتاج الفني المسرحي تراجعا للفنون المصرية بوجه عام، ويجري العمل الآن دون خطة واضحة للتطوير، لكن يحدث ذلك بقوة دفع فردية من بعض القائمين على المسارح الحكومية.

ويجذب اسم “مسرح مصر” قطاعات من الجمهور ارتبطت بالمسرح الخاص عبر العروض التي قدمها في السنوات الماضية الفنان أشرف عبدالباقي وفريق “مسرح مصر”، ورأت دوائر حكومية أن الإبقاء على اسم المسرح الذي يستقبل جمهوره من المرتبطين بأعمال مسرح الدولة لا يناقض “مسرح مصر” الذي يتواجد في منطقة السادس من أكتوبر بجنوب غرب القاهرة، ويقدم عروضه في شكل اسكتشات منفصلة بخلاف المسرح التقليدي.

وشدد أبوالعلا في حديثه لـ”العرب” على أن الحركة المسرحية بحاجة إلى تحديد إنتاج متطور لمسرح الشباب كي يركز على القضايا الشبابية وأخرى محددة للمسرح القومي وتهتم بالعروض التراثية، وثالثة تتماشى مع مسرح الطليعة، ورابعة لمسرح الطفل وكذلك المسرح الكوميدي وغيرها من الألوان المسرحية، ومن المفترض أن تعدد المسارح يشجع على التنوع الذي مازال مفقودا، والعودة إلى سياسات ستينات القرن الماضي ملحة الآن، وفي ذلك الحين كان هناك توسع في إنشاء المباني المسرحية واكبه في المقابل توسع في الإنتاج المسرحي.

ولفت إلى أن وزارة المالية تضع العراقيل أمام تطوير الإنتاج المسرحي، لأنها ألغت ميزانيات الدعاية والإعلان التي كانت تعتمد عليها المسرحيات، كما أنها وضعت شروطا مجحفة للاستعانة بكبار النجوم، وتعاملت معهم بنظام المناقصات الحكومية، إذ يكون لدى المسرح الحكومي اختيار النجم وفقا للسعر الأرخص، ويرجع ذلك لعدم وجود وعي لدى موظفيها بطبيعة الإنتاج المسرحي، رغم الطفرة العربية التي بحاجة إلى تسريع وتيرة العمل للبقاء ضمن مشهد تطور حركة المسرح.