توافق دولي على وقف حرب السودان يصطدم بتصعيد على الأرض

وكالة أنباء حضرموت

برزت الأزمة السودانية خلال أعمال الدورة التاسعة والسبعين من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اختتمت أعمالها السبت، وبدا أن هناك توافقا على ضرورة وقف الحرب بعد أن قادت لأزمات إنسانية متفاقمة، وهو ما اعتبره سودانيون تطورا إيجابيا مع اقتناعهم بأن قضيتهم غابت عن المجتمع الدولي لصالح تسليط الضوء على قطاع غزة ومخاوف من تمدد الصراع الإقليمي بعد اشتعال جبهة لبنان.

وبدأ هذا التفاؤل يصطدم بالتطورات العسكرية على الأرض بين قوات الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة ثانية، تشي بأن النزاع سوف يظل مستمراً لفترة ليست بقصيرة.

وتجددت المعارك بين الجيش والدعم السريع في العاصمة، الجمعة، بينما نشطت جبهات القتال حول مصفاة الخرطوم ومحور الفاو بالقضارف بشرق البلاد، إلى جانب اشتباكات أخرى في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غربا.

ودارت معارك بين طرفي القتال بمنطقة المقرن غربي وسط الخرطوم، الجمعة، بعد اشتباكات أكثر عنفا دارت الخميس، ونجح الجيش فيها الجيش في عبور جسري النيل الأبيض والفتيحاب من أم درمان إلى الخرطوم، وتموضع عند مداخل الجسرين من ناحية الخرطوم، وحاول التقدم صوب منطقة المقرن التي تدافع عنها الدعم السريع.

ويعتمد الجيش على إستراتيجية الهروب إلى الأمام في محاولة لخلق واقع عسكري جديد يبعثر أوراق الحل السياسي المتوقعة، وخفف من الضغوط الواقعة على عناصره من جانب أطراف دولية حثت في بيانات منفردة وجماعية أثناء انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة وقف الحرب والاستجابة لنداء التفاوض، وتفاءل بالحسم العسكري الذي يتحدث عنه منذ فترة دون أن يتحقق فعليا.

وأصدرت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي بيانا مشتركا عقب اجتماع وزاري حول تعزيز السلام في السودان على هامش اجتماعات الجمعية العامة، الخميس، أعربوا فيه عن القلق العميق إزاء الوضع المتدهور في السودان، داعين إلى ضرورة وقف الحرب وإرساء دعائم السلام ودعم الشعب السوداني وتطلعاته نحو مستقبل سلمى مزدهر وديمقراطي.

وعكست الكلمة التي ألقاها قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان موقفه من الحل السياسي بعد أن حمّل مسؤولية استمرار القتال إلى الطرف الآخر ولم يقدم وعوداً صريحة بشأن الذهاب إلى المفاوضات وإنهاء القتال، وبدا متجهاً نحو التصعيد مع الدعم السريع وقوى إقليمية وضعها في خانة “المشاركة في مؤامرة” ضد بلاده.

ويشير فتح جبهات عدة للقتال في الخرطوم والشرق والغرب إلى أن طرفي الصراع تلقيا الدعم العسكري المطلوب كي يتمكنا من الاستمرار في الحرب، وأن غلق هذه الجبهات أو عدم استغلال ما توفر من دعم وأسلحة أمر شبه مستحيل في الفترة الراهنة.

ويقول مراقبون إن ما يحدث على الأرض مغاير لما يسعى إليه المجتمع الدولي، ومنذ أن اندلعت الحرب كانت هناك مساع لوقفها، لكنها لا تلقى اهتماماً حقيقيا، خاصة من الجيش، الذي لا يريد وقفها بحسب تصريحات قائد الجيش ومساعده ياسر العطا.

وتعبّر المعارك الدائرة في مناطق متفرقة عن رغبة في إطالة الحرب أكثر من كونها اتجاها للوصول إلى توازن قوى بين طرفي الصراع، والدليل على ذلك أن الحركات المسلحة التي تتحالف مع الجيش بعضها لا يريد أن يحقق الجيش انتصاراً فعليا وتبحث عن مصالحها التي تضمن لها استمرار تواجدها في السلطة فقط.

وتساعد العناصر التي استعان بها الجيش من المستنفرين التابعين للحركة الإسلامية في قيادة العملية البرية في الخرطوم، وهؤلاء ليس معروفا مصيرهم حال جرى الاستجابة لنداءات الذهاب إلى تسوية سلمية تستعيد التحول الديمقراطي، ومن المتوقع أن تكون لديهم كلمة عليا بشأن مواقف الجيش الخاصة بوقف القتال.

ودارت اشتباكات عنيفة بمحور جسر الحلفايا الرابط بين شمال أم درمان والخرطوم بحري في وقت مبكر من صباح الجمعة، وتبادل الجيش من مواقعه بأم درمان والدعم السريع من الخرطوم بحري القصف الذي تركز في المنطقة المحيطة بمدخلي جسر الحلفايا شرقا وغربا.

◙ المعارك الدائرة في مناطق متفرقة تعبّر عن رغبة في إطالة الحرب أكثر من كونها اتجاها للوصول إلى توازن قوى بين طرفي الصراع

وأكد المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد أن الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية يشير إلى إمكانية الضغط بشكل أكثر فاعلية على طرفي الصراع، وهو أمر يمنح بصيص أمل لإنهاء الحرب، غير أن المشكلة تتمثل في أن الإرادة الدولية لا تتناغم مع التطورات العسكرية، وأن الضغوط الحالية غير كافية لإلقاء السلاح.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى وجود مؤشرات بأن الإيقاع الدولي سيتطور بشكل أكبر ليسير في اتجاهات تنامي المحاولات الدبلوماسية للحل، إلى جانب مسار آخر يجري التجهيز له أسفل هذه الطاولة يتمثل في البحث عن بديل مناسب للتعاطي مع الشأن السوداني بأسلوب “العصا”، وحال لم يلتزم الطرفان، فالأمم المتحدة ستبدأ في التجهيز لخطوة البند السابع لمجلس الأمن والتلويح بتنفيذ بنوده الثلاثة عشر وتبدأ بالإنذار وتنتهي بالتدخل العسكري.

وذكر أن الأجندات الحزبية الضيقة لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان وحلفائها في الحركة الإسلامية والحركات التي تقاتل معها وقيادة الجيش تجعل من الصعب التوقع بأنها تستجيب للسلام الذي قد يؤدي إلى تفتيت هذه القوى إذا لم يكن على هوى أيّ منها، كما أن قوات الدعم السريع لديها أيضا حسابات، وسترفض أيّ حلول يكون النظام السابق طرفا فيها، ما يجعل مسألة الحل معقدة.

وتتوقف قدرة المجتمع الدولي على التعامل مع الحرب الحالية على مخاطبة جذور الأزمة ووضع مبادرات تستوعب تناقضات الأطراف المشاركة فيها، ويحدد فك طلاسمها معالم الحلول السياسية التي يمكن الاتجاه إليها. وإذا لم يتحقق ذلك فإن المعارك العسكرية والتدخل الدولي الخشن سيكونان الأكثر واقعية مع تطورات المشهد الحالي بعد نحو عام ونصف العام من اندلاع الصراع.

وحسب تقارير سودانية، اندلعت اشتباكات واسعة في محور الفاو بولاية القضارف شرقي السودان بين الجيش والدعم السريع بالأسلحة الثقيلة، ودارت معركة بين الطرفين عند منطقة الخياري، حيث دفاعات الجيش بين ولاية القضارف وولاية الجزيرة وسط البلاد، والتي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ ديسمبر الماضي.

وأفادت مصادر محلية أن اشتباكات دارت الجمعة بين الجيش وقوات الحركات المتحالفة معه من جانب وقوات الدعم السريع من جانب آخر جنوب شرق الفاشر، وشن سلاح الجو التابع للجيش غارات جوية ضد مواقع الدعم السريع بالفاشر، بينما قصفت قوات الدعم السريع بالمدفعية الثقيلة سوق المواشي بالمدينة.