تأجيل استقالة الحكومة يبعث على الشك في كلام تبون عن التغيير

وكالة أنباء حضرموت

بدأ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عهدته الرئاسية بطلب تأجيل استقالة الحكومة واستمرار العمل على ملفاتها، ما يعني استمرارية العمل بالمنهجية القديمة. وهو ما يشكك في كلام تبون عن التغيير خلال الحملة الرئاسية، في وقت تعهد فيه بفتح حوار وطني يستبعد متابعون توصله إلى أي نتيجة.

وذكر بيان للرئاسة الجزائرية الثلاثاء أن رئيس الوزراء نذير العرباوي قدم استقالة الحكومة، لكن تبون أمر بتأجيل القرار لمواصلة العمل في ملفات عاجلة تتطلب دراية بالوضع من الوزراء الحاليين.

ويقول مراقبون إن هذه البداية المرتبكة لتبون مؤشر سلبي يؤكد تكهنات بأن الأمور ستبقى كما هي عليه وأن الحديث عن التغيير والتطوير يبقى مجرد كلام وأن أقصى ما يمكن أن يتم هو استكمال الملفات التي ظلت عالقة من العهدة الأولى مثل سد حالة النقص في التوريدات الأساسية من الحبوب، على الرغم من أنها لا تعد مكلفة بالمقارنة مع المواد المصنعة والتكنولوجيا المتقدمة.

الكثير من التحديات تبقى في حاجة إلى تعبئة خاصة لموارد البلاد ورؤية إستراتيجية دقيقة لمواجهة البطالة

واستعرض تبون خلال مراسم أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان أبرز محاور برنامجه الذي يهدف إلى تطبيقه في العهدة الرئاسية الثانية، والتي كانت نسخة مطابقة لما ردده خلال الحملة الانتخابية، حيث اكتفى بالحديث عن تفاصيل مجزأة دون ذكر سياسات شاملة، كما هو الشأن بخصوص تحقيق الاكتفاء الذاتي التام والكامل للقمح الصلب، والوصول إلى اكتفاء ذاتي دون استيراد ولو قنطار واحد من الشعير والذرة، وتوسيع المساحات المسقية إلى مليون هكتار.

وقال “سنعمل على خلق مناصب شغل، وألتزم أمامكم في العهدة الثانية بخلق 450 ألف منصب شغل لشبابنا، والوصول إلى اطلاق 20 ألف مؤسسة ناشئة مع نهاية العهدة الثانية، بالإضافة إلى خلق 20 ألف مشروع استثماري جديد، فضلا عن مساهمة الصناعة بـ12 في المئة في الناتج الداخلي الخام، وأن العام الجديد سيشهد ربط السدود الكبرى وإنجاز مليوني سكن بكل الصيغ، وطي ما يعرف بملف نقاط الظل”.

واللافت أن تبون بخبرته الطويلة في مجال التسيير وشغل المناصب السامية، وخمس سنوات قضاها في قصر المرادية، لم يقدم برنامجا انتخابيا شاملا كما لم يضبط الأولويات المطروحة في البلاد. وأكد الرئيس الجزائري على التزامه بتقديم حصيلة عهدته الأولى أمام غرفتي البرلمان وذلك قبل نهاية السنة الجارية، بالإضافة إلى عرض كافة التفاصيل المتعلقة بالعهدة الثانية.

لكن متابعين للشأن الجزائري لا يتوقعون أن تكون الخطوة انفتاحا أو خضوعا للحساب والمساءلة، في ظل حيازة المستقلين وأحزاب الموالاة على الأغلبية داخل البرلمان، والمعارضة تبقى مفقودة حتى وإن حاولت كتلة حركة مجتمع السلم بمواقفها المتلونة الهيمنة عليها.

ويرى المتابعون أن الكثير من التحديات تبقى في حاجة إلى تعبئة خاصة لموارد البلاد ورؤية إستراتيجية دقيقة لمواجهة البطالة وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والمرافق العمومية والخدمات المختلفة، والنهوض بالاقتصاد والتنمية، فضلا عن التحديات الخارجية التي أملتها دبلوماسية التشنج والمزاجية التي فتحت أزمات مع دول الجوار والإقليم وحتى في العالم.

وتتوسط الجزائر الآن محيطا إقليميا ملتهبا، في ظل التطورات التي تشهدها منطقة الساحل الصحراوي وحتى ليبيا، وفي ظل القطيعة مع المغرب، وفتور العلاقات مع دول عربية خليجية، بالإضافة إلى الأزمة القائمة مع إسبانيا وفرنسا، ثم روسيا في الآونة الأخيرة، وهو ما يتطلب صياغة رؤية جديدة تكسر عزلة البلد غير المعلنة.

وفي سياق آخر تعهد تبون بفتح حوار وطني مع جميع الفاعلين السياسيين والطاقات الوطنية من أجل إرساء ديمقراطية حقيقية، وهو ما يبدو استشعارا للأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد، والتي حملتها الدلالات الأولى للانتخابات الرئاسية، لكن يبقى ذلك مرتبطا بمدى جدية وصدق نوايا السلطة، لكي لا يكون الحوار المنتظر نسخة كربونية من جولات حوار سابق لم يفض إلى أي نتيجة.

البداية المرتبكة لتبون مؤشر سلبي يؤكد تكهنات بأن الأمور ستبقى كما هي عليه وأن الحديث عن التغيير والتطوير يبقى مجرد كلام

وكشف تبون في الخطاب الذي ألقاه للأمة بمناسبة أدائه اليمين الدستورية، كرئيس للجمهورية خلال السنوات الخمس القادمة، عن عزمه فتح حوار وطني سياسي يشمل جميع الطاقات الحية السياسية والشبابية، تماشيا مع ما أسماه “المسار الذي ستنتهجه (البلاد) في المرحلة القادمة، أسوة بالمسارات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية”.

وظل الحوار الوطني مطلبا ملحا للعديد من القوى السياسية والحزبية في البلاد خلال السنوات الماضية، إلا أن تبني السلطة لخيار الصوت الواحد وإقصاء الرأي الآخر زاد من تعميق أزمة الثقة بينها وبين الشارع، وهو ما تجلى في بيانات الانتخابات الرئاسية حتى بنسخة المحكمة الدستورية، أما نسخة السلطة المستقلة فكانت أكثر تشاؤما.

لكن تجربة جولات سابقة مما سمي بالحوار السياسي ستلقي بظلالها على مسعى الرئيس الجزائري، لكونها كانت بمثابة “المونولوغ”، حيث اكتفت السلطة منذ صيف عام 2019 بإحاطة نفسها بالقوى والأحزاب الموالية لها، وطرح رؤية معينة يجري التوافق عليها، في حين أقصيت القوى والطاقات المؤثرة، الأمر الذي أبقى على الأزمة في مربع الصفر.

وقياسا بالمسافة المتباعدة بين قوى المعارضة المشتتة والمفككة وبين السلطة، خاصة في ظل سياسة القمع والتضييق على الحقوق والحريات، فإن السلطة بقيادة الرئيس تبون مطالبة بتقديم ضمانات عملية من أجل إقناع هذه القوى بالانخراط في مسعى الحوار السياسي، وعلى رأس الضمانات رفع القيود عن الحريات السياسية والإعلامية، والمبادرة بإجراءات تهدئة تبدأ بإطلاق سراح معتقلي الرأي الذين لم تعترف السلطة إلى حد الآن بصفتهم المذكورة.

والتزم الرئيس تبون، في خطابه بقصر المؤتمرات في العاصمة، بـ”القيام باتصالات مكثفة واستشارات مع الطاقات الحية السياسية والشبابية في حوار وطني مفتوح لتجسيد الديمقراطية الحقة”.

وأضاف “الجزائر الجديدة عرفت مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فأصبحت فيها المشاريع الوطنية الإستراتيجية واقعا تخوضه بلادنا متطلعة إلى تحقيق المزيد من الانتصارات في مختلف المجالات”.

وكان الحوار السياسي المفتوح مطلب عدة أحزاب سياسية؛ على غرار حزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجبهة القوى الاشتراكية، فضلا عن العديد من الشخصيات المستقلة، لكن وجود قطاع من الفاعلين انزاحوا نحو الخطاب الراديكالي الداعي إلى التغيير الشامل ورحيل النظام القائم يعتبر أول معوقات الحوار المنتظر، فالاستمرار في إقصائهم يفرغ الخطوة من محتواها، ورفع القيود عنهم والقبول بهم كقوى شرعية يهددان السلطة ذاتها.